الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حماس تقرأ الواقع العربي والدولي وتسير نحو المصالحة

نشر بتاريخ: 22/09/2017 ( آخر تحديث: 22/09/2017 الساعة: 10:36 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

قرار حركة حماس بحل اللجنة الإدارية في القطاع، بعد حوارات مستفيضة مع القيادة المصرية، ليس بمعزل عن التعديلات التي أجرتها الحركة مؤخراً في برنامجها السياسي، والقرار ليس مفصولاً كذلك عن حسم خيارها باعتبار نفسها فصيلاً ينطلق من أولويات الساحة الوطنية الفلسطينية، في تماهٍ مع بيئتها على حساب بيئات خارجية أخرى.
وحركة حماس بالاستناد إلى جماهيريتها، طوّرت مواقفها السياسية والتكتيكية من مرحلة إلى أخرى، وبالرغم أنها لم تشارك في الانتخابات التشريعية الأولى، معللة ذلك بأنها إفراز لاتفاقات أوسلو، عادت وقيمت الأمر، بعد قراءة وتمعن لتستخلص قرارها بالمشاركة في محطة انتخابية تشريعية لاحقة، مختبرة جماهيريتها وتأثيرها، حيث حققت نتائج متقدمة.
ولأن حماس لا تتحرك في فراغ، فقد عادت ورممت علاقاتها مع مصر، مضمدة جراحات وتداعيات، على خلفية عزل وحبس الرئيس السابق محمد مرسي وما تعرضت له حركة الإخوان المسلمين في مصر من أزمات واخفاقات، أثر التصادم مع الدولة ومكوناتها بخاصة مؤسسة الجيش.
لقد ادركت حماس استحالة الانفصال عن مصر، فهي الدولة العربية الكبرى وشريان قطاع غزة، فاختارت طريق الحوار، مستبعدةً الصراع والتصادم، لا سيما وأن الحركة تدرك تماماً حساسية المرحلة، إذا ما خسرت الساحة المصرية، إلى جانب الضغوط التي تتعرض لها قطر، وفي ظل تفكك دول عربية، نتيجة دخول الحركات التكفيرية في حروب داخلية مدعومة من جهات خارجية، وفي الأصل فإن حركة حماس تتنافر ايديولوجياً وسلوكياً مع هذه الحركات التي بدورها تنظر إلى حماس بريبة وتشكك وربما بنوع من العدائية.
كما تدرك الحركة تعقيدات الساحة الفلسطينية، وانسداد أفق السلام، وعدم وجود أية أولوية للمفاوضات في برامج وتوجهات الحكومة الإسرائيلية، فيما تفهم أن الرئيس محمود عباس هو العنوان الدولي المعترف به، وأنه ربما يشكل بوابة الفلسطينيين إلى العالم والمؤسسات الدولية، هذه العوامل بمجملها جعلت الحركة تحسم أمورها نحو إتمام مصالحة شاملة، حيث لا يستقيم الوضع في قطاع غزة بمعزل عن الضفة، ولا دولة تستحق التسمية أو التوصيف إذا نزع منها القطاع.
خطوت حركة حماس قوبلت بتأييد فصائلي وشعبي، في انتظار أن تتبع ذلك خطوات عملية ملموسة من قبل حركتي فتح وحماس على حدٍ سواء، لتتحول الاستعدادات النظرية إلى لغة التطبيق العملي، على طريق إجراء انتخابات ديموقراطية بمشاركة الجميع تضع حداً للانقسام، وتجعل الناخب الفلسطيني هو الحكم وصوته هو الفيصل، ليحدد من يقوده ويختار البرنامج الذي يعبر عنه ويمثله.
ومعلوم أن قرار حماس هذا لم يكن بلا ضمانات من قبل القيادة المصرية، التي ترى في انضواء الحركة في إطار السلطة الفلسطينية، انجازاً أمنياً على حدودها مع القطاع، وتهدئة لساحة هي بمثابة عمق استراتيجي لمصر، فالقيادة المصرية التي تواجه تحديات اقتصادية، إلى جانب التحديات الأمنية المرتبطة بالعمليات التخريبية التدميرية التي تقوم بها حركات تكفيرية، مهتمة
بترتيب أوراق قطاع غزة ليسهل عليها التفرغ لترتيب أوراقها الداخلية، كما أن مصر بحاجة إلى تأكيد دورها القيادي على المستوى العربي، الأمر الذي يعزز موقفها ويدعم حضورها الدولي، لا سيما وإن نجاح المصالحة الفلسطينية هو نجاح بامتياز لمصر والسؤال هل ستلتقط حركة فتح هذه المستجدات وتبني عليها؟
والحقيقة أن الجواب التلقائي هو نعم، لأن حركة فتح معنية إلى أبعد الحدود بتوحيد الساحة، ومخاطبة العالم بلغة واحدة، وضمن سياسة اقتصادية واحدة، بعد أن تعذر على السلطة، تفعيل مؤسساتها في القطاع في واقع منقسم، متصارع، واستراتيجيات متصارعة، اضعفت القضية ورسخت الازدواجية والمعايير المتناقضة. إذاً المصالحة باتت أقرب إلى التطبيق، والفرصة إذا ما أضعناها هذه المرة، سوف نبدد سنوات أخرى في العبث، وحيث إن الكل الفلسطيني يعي ذلك، فإن طي صفحة دموية قاتمة متاح الآن.