الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

محاصصة أم شراكة وطنية؟

نشر بتاريخ: 13/10/2017 ( آخر تحديث: 13/10/2017 الساعة: 09:36 )

الكاتب: معتصم حماده

ذهاب وفدي فتح وحماس إلى القاهرة، للتفاوض حول تطبيق تفاهمات إنهاء الإنقسام، ليس من شأنه، رغم الترحيب الواسع المشوب ببعض التشاؤم، أن يلغي الأمور التالية:
• ما كان للقيادة الرسمية السلطوية في رام الله، أن تستجيب للمبادرة المصرية لولا إحساسها بالمأزق العميق الذي وصل إليه مشروعها السياسي الذي وقعته في 13/9/1993، وإنقلبت به على المشروع الوطني الإئتلافي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإنقلبت به على وثيقة إعلان الإستقلال، التي ولدت في أحضان الإنتفاضة الكبرى عام 1988. فبعد ربع قرن من المفاوضات، وقف رئيس السلطة يعترف من على منبر الأمم المتحدة، أنه رئيس لدولة بلا سيادة، ورئيس لسلطة بلا سلطة، وأن الإحتلال، الذي أعفته إتفاقيات أوسلو وتفاهمات التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وبين سلطات الإحتلال من أكلاف الإحتلال، أصبح إحتلالاً بلا كلفة.
ولم يكن لرئيس السلطة أن يعترف بكل هذا، ربما للمرة العشرين، لولا إدراكه أنه بات يقف أمام الجدار المسدود. فلا نتنياهو يقبل بقيام دولة فلسطينية، ولا ترامب يرى في الدولة الحل الوحيد [أي أن هناك حلولاً أخرى، كالكونفدرالية مع الأردن، أو الحل الإقتصادي الذي تحدث عنه نتنياهو، أو الحل المركب – دولة في غزة وإدارة ذاتية في الضفة تحت الهيمنة الإسرائيلية الكاملة]. كما بات الرئيس عباس يدرك أن الخروج من هذا المأزق يعني الذهاب إلى الإنتفاضة والمقاومة والبرنامج الوطني الإئتلافي. لذلك رأى في المبادرة المصرية لإنهاء الإنقسام مع حماس، فرصة لكسب المزيد من الوقت، وللرهان على الزمن [بعض أعضاء اللجنة المركزية في فتح يتحدث عن الحاجة إلى ثلاث سنوات لإستكمال خطوات إنهاء الإنقسام، وبعضهم الآخر يتحدث عن خمس سنوات!].
• وما كان لقيادة حركة حماس أن توافق هي الأخرى على المبادرة المصرية، وأن تقبل – بعد طول تمنع – بحل اللجنة الإدارية المشرفة على وزارات السلطة، وأن تبدي حسن نواياها إلى أبعد مدى، وأن تستقبل الوفد الحكومي وملحقاته في غزة، إستقبال الفاتحين، لولا قناعتها هي أيضاً أن مشروعها الإنقسامي قد وصل إلى طريقه المسدود، وأن القطاع، الذي أخذته، في 14/6/2007، بقوة السلاح، رهينة، بات بعد أكثر من عشر سنوات على الإنقسام عبئاً ثقيلاً، فشلت حماس في إدارة شؤونه وفشلت أيضاً في التعتيم على تقصيرها، من خلال فرض إجراءاتها الحمساوية، تحت دعوى (مزيفة) هي نشر الإيمان والدين في القطاع، وكأن القطاع لم يكن سكانه مؤمنين، ولم يكونوا مسلمين، وأنهم كانوا بإنتظار إنبلاج فجر جديد للإسلام مع إنقلاب حماس الدموي. فشل رهان حماس على تقديم صيغة بديلة للسلطة في رام الله. وفشلها في حل القضايا الحياتية لسكان القطاع التي أخذت تتفاقم يوماً بعد يوم. وفشل رهانها الإقليمي على صعود الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي[مصر، وتونس، وليبيا وسوريا] وعلى فعل داعم لحزب أردوغان في تركيا، وعلى رعاية بلا حدود من قبل الدوحة. لذلك مهدت لخطواتها، بمكتب سياسي جديد، ووثيقة سياسية جديدة، وتوجهات إقليمية جديدة، من بينها الإقتناع أن مصر أقرب إلى القطاع من قطر وتركيا، وأن عباءة الإخوان المسلمين لم يعد بإمكانها أن تحمي حماس من رياح التذمر الداخلي، الذي رأت فيه أوساط سياسية مقدمة لإنفجار شعبي واسع. ولم يعد بإمكانها أن تحمي حماس من الرياح الإقليمية التي هبت بما لا تشتهي رياح الحركة الإسلامية في غزة.
فضلاً عن هذا كله، لا يمكن لمراقب أن يشطب من حساباته الضغط السياسي والشعبي الفلسطيني، في الضفة والقطاع، على الطرفين طوال الفترة الطويلة للإنقسام، وهو الضغط الذي أرغم الطرفين على الإنتقال من مربع تبرير الإنقسام ووقوعه [حماس] ومربع تبرير إدامة الإنقسام وتعطيل مشاريع إنهائه [فتح وحماس] إلى مربع الدعوة إلى إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية، ومن الإعتراف بأن الإنقسام خدمة للقضية الوطنية [راجع تصريحات حماس في الأسابيع والأشهر الأولى للإنقسام وردود فعل قيادات فتح] إلى الإعتراف بضرورة العمل على إنهاء الإنقسام بإعتباره بات يلحق الضرر بالقضية الوطنية ويعطل مسيرة الشعب الفلسطيني، ويضعف قدراته على الصمود في وجه الإحتلال والإستيطان والحصار.
* * *
الآن، وقد ذهب الطرفان إلى القاهرة، ليدخلا في مباحثات، قد تكون ماراثونية، تحت الرعاية المصرية (إقرأ الضغط المصري) وفي ظل حالة من الرضا الشعبي (إقرأ الضغط السياسي والحذر الشعبي) فلابد من الوقوف أمام مسألة جوهرية هي بنت التجربة المريرة لمباحثات شبيهة خاضها الطرفان في محطات سابقة، ألا وهي: ما هو الأساس الذي سيعتمده الطرفان لإنهاء الإنقسام. ولتوضيح الأمر نضيف أن القضايا المطروحة هي، كما قال عزام الأحمد رئيس وفد فتح إلى القاهرة، هي رسم الإجراءات التفصيلية لإعادة حكومة رام الله لتمارس سلطتها في القطاع. ونعتقد أن في هذا التعبير إشارات توضح ماهي خلفية تفكير وفد فتح. أما وفد حماس فيتحدث عن ملفات، هي قضية الموظفين، الأجهزة الأمنية، المعابر، الإنتخابات، الحكومة الجديدة.. وغيرها. وهذا يعني أن الطرفين أمام قضايا شائكة لا تنفع معها النوايا الحسنة لوحدها.
وبالتالي، فإذا ما دارت المفاوضات على أساس المحاصصة الثنائية بين الطرفين، فتح وحماس، خارج مفهوم وإطار الشراكة الوطنية الشاملة، فمعنى ذلك، برأينا، أن الطرفين يعملان، مجدداً، على تأسيس شروط ولادة أزمة جديدة بينهما، قد تقودهما، كما فعلت في المرات السابقة، إلى إحترابات، قد تنتهي بمعركة يحسم بها أحد الطرفين الصراع. فالمحاصصة، أو ما كنا نسميه الإستقطاب الثنائي، هي التي أسست لأزمة 2006/2007 والتي إنتهت إلى الإنفجار في 14/6/2007. والمحاصصة هي التي أدت إلى إفشال كل حوارات إنهاء الإنقسام السابقة من القاهرة، إلى مكة [حيث أقسم الطرفان اليمين أمام الكعبة المقدسة] إلى صنعاء، إلى الخرطوم، إلى مخيم الشاطئ.
والعودة إلى المحاصصة مرة أخرى، على قاعدة إقتسام الكعكة، من شأنها أن تؤسس لإنفجارات قادمة. لأن المحاصصة تقوم في الحقيقة على الصراع على الحصص. ولأن تقاسم الحصص يعني أن كل طرف ينظر إلى حصته وكأنها أقل بكثير مما يستحق، وأن حقه في حصة أكبر أمر لا نقاش فيه. وبالتالي فإن معركة المحاصصة وتناتش الحصص، والصراع على الحصص، معركة مفتوحة على مصراعيها، خاصة في ظل حالة من الجشع التي تهيمن على الفئات البيروقراطية والفئات النافذة، والمتطلعة إلى المزيد من المكاسب الفردية، لدى الطرفين معاً، وإن إختلفت في بعض الأحيان مظاهر هذه الحالة وتعبيراتها.
* * *
خلاصة القول إن منطق الشراكة الوطنية هو المنطق الذي يوحد الشعب الفلسطيني بكل فئاته، وتياراته وقواه السياسية والإجتماعية ومؤسساته المدنية والنقابية وغيرها. والقول بأن ما سيتم الإتفاق عليه بين الطرفين، سيكون مطروحاً على القوى لتصادق عليه في حوار شامل، قول يقف على رأسه، ولا يقف على قدميه. فلا غزة ملك لحماس. ولا الضفة ملك لفتح. لذلك إن مفهوم الشراكة الوطنية هو البديل، وهو الذي قادنا، على سبيل المثال، إلى التوافق على بيان القاهرة (2005) والتوافق على وثيقة الوفاق الوطني (26/6/2006) والتي لو عمل بها الطرفان، ولم يذهبا إلى المحاصصة في تشكيل حكومة هنية الثانية، لما دفع الشعب غالياً من مصالحه خلال أكثر من عشر سنوات من الإنقسام الدموي.