الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

التحالفات في الإقليم: هل بقي وقت لمقايضات مقنعة؟!!

نشر بتاريخ: 10/11/2017 ( آخر تحديث: 10/11/2017 الساعة: 11:48 )

الكاتب: عوني المشني

هذه المرة تختلف التحالفات الدولية في الشرق الأوسط عن التحالفات التي تشكلت في نهاية القرن الماضي ، والاختلافات جوهرية لها مدلولاتها ونتائجها ، تحالفات نهاية القرن الماضي ضد العراق بقيت اسرائيل في الظل رغم انها محرك أساسي ، التزمت ايران الحياد السلبي كون العراق عدو لدود ، كانت روسيا في وضع منهك ومنكفئة داخليا على مشكلاتها ، لهذا كانت أمريكيا تلعب وحدها دون اي عناء او ازعاج . هذه المرة الوضع مختلف ، اسرائيل طرفا مشاركا وبشكل علني ومباشر ، روسيا تعود لاعبا أساسيا وفاعلا وموجودة بقوة في الشرق الأوسط ، ايران طرف فاعل في المعادلة وبوزن اكبر بما لا يقارن من وزن العراق في تلك الحقبة ولها حلفاء وامتدادات .
هذه الاختلافات لها انعكاساتها ، ولها اكثر من ذلك اختلافات في النتائج . أولها ان وجود اسرائيل بشكل مباشر في التحالف سيجعل التحالف غير مقبول شعبيا وستحجم كثير من الدول العربية عن المشاركة فيه ، ان محاولة للالتفاف على القضية الفلسطينية بايجاد صيغة تكرس الاحتلال وتبعد القضية الفلسطينية من وجه هذا التحالف لن يكتب لها النجاح لانه وببساطة شديدة لا يمكن إقناع اي جهة فلسطينية باقل مما وصل الفلسطينيين اليه من تنازلات لان اقل منها يعني تكريس الاحتلال بشكل او باخر .
اما وجود روسيا كطرف فاعل وله مصالح سيجعله يقف جيدا عند مصالحه ويقاتل من اجلها كما يقاتل الان في سوريا ، وروسيا لا يستطيع احد العبث معها في ظل قيادة مثل بوتين يرى في بلادة قوة توازي الولايات المتحدة ، لهذا فان حركة التحالف المضاد ستكون محدودة بخطوط حمر لا يمكن تجاوزها .
ايران الان ليست العراق قبل ربع قرن واكثر ، ايران لها امتداد في سوريا والعراق واليمن ولبنان ، وإيران تسليحا دولة ان لم تستطيع ان تنتصر ستجعل انتصار اعداءها باهظ التكاليف لدرجة عدم القدرة على احتماله ، لهذا فالمواجهة معها مسألة في غاية التعقيد . اما الحرب ضد ايران بالوكالة عبر الحرب على حزب الله وسوريا فتلك مسألة لها كلفتها ايضا ، ولن تمر بسهولة في وضع جيوسياسي متغير كالرمال المتحركة ، حزب الله يستطيع ان يؤلم اسرائيل الى حد كبير ، حتى وان كانت موازين القوى مختلة فتكنلوجيا الحرب ما عدادت كالسابق ، وحزب الله يعلم جيدا أين هي نقطة الضعف الاسرائيلية وسيكون ثقله مركزا عليها وهي الجبهة الداخلية ولديه من الإمكانيات اكثر من ان يزعج فقط .
عنصر اخر تغير عما كان سائدا إبان التحالف ضد العراق وهو غياب اجماع دولي الان ، اوروبا تنأى بنفسها عن الدخول في هذا التحالف وتعتبر اتفاق خمسة زائد واحد كافيا ومريحا ، الصين تقف ضد هذا التحالف وان لم يكن بشكل مباشر ، ودوّل اخرى كثيرة تعتبر ان لا مصلحة لها في الزج بنفسها في صراع كهذا .
امام هذا الوضع المعقد فان استمرار الوضع الراهن لن يكون حلا مقبولا خاصة للمتضررين من اتساع وترسيخ محور ايران وروسيا وهم كثر . السؤال لدى هؤلاء ليس اذا ما كان تغيير الوضع الراهن ولكن كيف سيتم تغييره ، وما هي الأدوات ، وما كلفة هذا التغيير .
اسرائيل ترى في إنهاء اتفاق خمسة زائد واحد مدخلا لتحالف خليجي امريكي إسرائيلي ضد ايران وامتداداتها حتى لو أدى الى حرب شاملة وعلى كافة الجبهات ، هذه الرؤية تنتطلق من تحليل مفاده ان قوة نفوذ ايران يشكل خطر وجودي على اسرائيل ، والانتظار يمثل عملية انتحار بطيئة لدولة اسرائيل حيث كلما طال الوقت تصبح مواجهة ايران وامتداداتها اكثر صعوبة لدرجة انه لو وصلت ايران لامتلاك سلاح نووي ستصبح مواجهتها عملية مستحيلة . لهذا اكثر المتعجلين في امر الحرب هي اسرائيل .
السعودية لا تشكل ايران من حيث وجودها تهديدا بقدر ما تشكل بسياساتها في الإقليم خطرا حقيقيا ، تدخل ايران في اليمن والبحرين يعني تدخلا في داخل البيت السعودي وإيران وحزب الله سببا مباشرا لفشل السياسة السعودية في سوريا وربما في اليمن ايضا ، لهذا فان السعودية وبإدراكها ان تدخلات ايران قد تصل الى السعودية ذاتها في مرحلة ما لها مصلحة جدية في تقليص نفوذ ايران الى الحد الذي لا يعرقل السياسة السعودية ولو أدى ذلك الى حرب ، فالمسألة وصلت الى حد ان السكوت السعودي يمثل انتكاسة وخطر مستقبلي حقيقي .
أمريكيا الطرف الثالث فهي اولا حليف استراتيجي لاسرائيل وكل ما يؤثر سلبا على أسرائيل تناهضه حتى لو وصل الامر لمحاربته ، وثانيا فان النفوذ الإيراني يزعج أمريكيا وبخاصة في الخليج منطقة النفوذ الامريكي التقليدية ، وبالتالي لا مفر من محاصرة هذا النفوذ الى حد تقليصه ، اتفاق خمسة زائد واحد لم يحقق هذه الغاية لذلك ترى أمريكيا معنية بتجاوز هذا الاتفاق ، ما يشكل مشكلة لامريكيا ان هناك خطر جبهة اخرى ماثلا امامها وهي كوريا الشمالية وبما تمثله من تهديد نووي لجيرانها حلفاء أمريكيا ، لهذا فان اختيار أمريكيا لأولوية احدى الجبهتين هو ما يربكها قليلا خاصة ان مسلك كوريا الشمالية لا يمكن التنبؤ به ، لكن بالأوليات فان ايران تحتل الأولوية في المعالجة الامريكية وهذا ناتج عن موقع ايران الجيوسياسي وارتباط الامر بالامن الوجودي الاسرائيلي ، اضافة الى ان كوريا بامتلاكها السلاح النووي تشكل خطرا جسيما لهذا فان الاحتواء هو اقل الحلول كلفة رغم انه خيار فاشل حتى الان . ما يمكن ان يغير هذه الأولوية هو تصرف غير محسوب لزعيم كوريا الشمالية ، وهذا الامر غير مستبعد من نظام عودنا على مفاجئات غير محسوبة .
سيناريوهات المواجهة متعددة ، في كلا السيناريوهات فان حزب الله هو في عين العاصفة ، كذلك الوجود الإيراني في سوريا ، ربما استقالة الحريري هو مقدمة لما يفترض ان يجري في لبنان ، وقد أصبحت اسرائيل جاهزة لهذا السيناريو ، لكن هل هذا يكفي ؟؟؟ بالنسبة للسعودية لا يكفي ، وبالنسبة لامريكيا طالما ليست هي الطرف المباشر في الحرب فانه لا بأس ان تقام أظافر ايران ، السعودية ترى في نفوذ ايران المتزايد في العراق واليمن والبحرين خطرا لا يقل عن نفوذها في لبنان وسوريا ، أمريكيا ترى في ايران عقبة امام هيمنتها ، هذا يقود للسيناريو الثاني وهو اتساع دائرة الحرب لتشمل ايران ذاتها ، هنا يصبح الامر اقرب لحربا عالمية ، فإيران ليست لقمة سائغة ، وروسيا لن تصمت عن نفوذ امريكي يجعلها خارج الشرق الأوسط .
من كل ما ذكر ان المنطقة على مفترق طرق ، الاختيارات معقدة ، لكن اي منها سيفضي الى مستقبل جديد ، الشرق الأوسط يتشكل من جديد وتحالفات المرحلة الحالية لن تكون هي التحالفات التي تحكم المرحلة القادمة ، الامر الوحيد المؤكد ان حالة الغليان التي تسود المنطقة ستؤدي لانفجار كبير مالم تجري مقايضات مقنعة ، انفجار سيحول الشرق الأوسط الى ركام متناثر وسيعيده الى عصور مكفرة ، وحتى لا يكون ذلك فان المقايضات التي تضع حدودا للجميع وتحفظ مصالح الجميع وترسم الخطوط الحمر امام الجميع ، مقايضات كذلك هي ما المطلوبة ليكون شرق اوسط واعد بالنمو والتطور ، ولكن السؤال : هل بقي وقت المقايضات المقنعة ؟!!! حتما سيكون كذلك لو توفر زعماء يمتلكوا حكمة ومسئولية ، ولكن من أين نأتي بهم ؟!!!!!