السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة إلى السيد ترامب

نشر بتاريخ: 10/12/2017 ( آخر تحديث: 10/12/2017 الساعة: 16:44 )

الكاتب: د.هيثم إبراهيم عريقات

أطلّ علينا رئيسُ الولايات المُتّحدة الأمريكيّة الخامس والأربعون دونالد ترامب قبل أيام بإقرار مشروعٍ يعترفُ بالقدس عاصمةً لدولة إسرائيل، وقامَ أيضًا بتوقيع قرارٍ لنقلِ السّفارة الأمريكيّة إلى القدس، وذلكَ تمكينًا وتأكيدًا على إقرار المَشروع، والذي أقره الكونجرس الأمريكي عام 1995 وامتنع اقرانه كافة عن تنفيذه.
وعد أو مشروع ترامب يمكن اعتِباره محاولةً جادّة منه لتخليص بعض اركان إدارته من الجدل والتّساؤلات التي دارت في الآونة الأخيرة حولها، وما لها من تأثير كبير على النّهج والسّلوك في السّياسة الأمريكيّة.
هُنا أقول للسّيد ترامب:
إنْ كنتَ تريدُ أن تدخلَ مدينة القُدس على أرضيّةٍ هشّة استحدثتها جماعاتٌ هُنا أو هُناك، لها فاعِليتها داخل الولايات المتّحدة، ولها تأثيرها على صنع القرار السّياسي، ابتغاءَ امتلاكها وكسبها في مواجهة من يسعى خلف اقلاقك سياسياً، وتمرير صَفقة القرن التي اقترنت ثناياها بمقترحاتٍ سابقةٍ لهذه الجماعات، فأعتقد أنّه بإمكانك البدء بهذه الصّفقة من القُدس، لكن بطريقةٍ تعطي كلّ ذي حقٍ حقّه، وتجعل صورة الولايات المتّحدة في المنطقة أكثر سلميّة وحياديّة، وتضعها في موقفها المُعلن الذي تبني عليه ثقافتها، وسياستها تجاه القضايا المُختلفة في تبنيها للسلام والديمقراطيّة، وتوجهها لدعم العالم الحُر، واستقلاليّة الشّعوب المحتلّة.
أمّا إن كانَ دخولكَ لمدينة القُدس لجلالة موقعها، وحساسيّة قضيّتها، كي تصبحَ محورَ الإعلام من خلال ربط قراراتِك السّياسيّة بهذه القضيّة الجوهريّة، بهدف اشغالِ الرأي العام والإعلام عن قضايًا تدورُ حول بعضِ طاقمِ أدارتك، وهذا ما يمكنُ أن أسميه بالفطنة والذَكاء السّياسي، لكن يا سيّد ترامب دع للتاريخِ مساحةً في قراراتِك، فأنتَ لن تُصادِف يهوديًا تعودُ جذوره لمدينة القُدس، ولن يعرفَ التاريخ إلّا الكعكَ والزّعتر المقدسيّ عربيًا شاهدًا على عروبة هذه الأرض، ولن تذهبَ أيّ ريح ببقايا أصابع الجدات في حجارة سورِ القُدس، لأنّ سائحة من الولايات المُتّحدة تلتقط الآن صورة مع جدّة التاريخ والزيتون التي تبيع الزّعتر الجبلي يزيدُ عمرها عن عمرِ وعدِ بلفور، ولكَ أن تذكُر اعتصام المقدسيين بباب الأسباط، يوم وقفوا رافعينَ قلوبهم العاشقة لهذه الأرض، رافضين المساسَ بها، هذه المدينة يا سيّد ترامب كلّ شبرٍ فيها يشهد أنّه عربيّ، عبق المدينة، والأشجار، ومدافِن الأجداد، ونقوشُ التاريخ في راحات النّساء، لكنّها لم تحرم يومًا أصحاب الدّيانات الأخرى منها، فكانت مثالًا لاحترام الدين، والثّقافة، هذه بلادُ الله، وقد خلقنا لعمارتها أشقاءَ وجيران شِعارنا وعنوانُنا التّسامح والسلام.