الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

سقط الاعتدال

نشر بتاريخ: 11/12/2017 ( آخر تحديث: 11/12/2017 الساعة: 12:12 )

الكاتب: ياسر المصري

كان قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، متكئاً على عوامل عدة سابقة ولم يكن مفاجئاً ، وفق ما حدث ويحدث وأول هذه المقدمات ، هو ما تتصف به المنطقة اليوم من إستنزاف من قبل صنيعة أمريكيا داعش ، الممولة من قبل حلفاء أمريكيا العرب ، والتي كانت مبررا لإيجاد دور طبيعي لدولة الإحتلال الأمني على صعيد المنطقة ، فهذا الإستنزاف الذي إستمر لأكثر من ثماني سنوات وما أفرز وأنتج من نتائج على صعيد الشعوب والدول ، ثانيها هو حالة الإصطفاف القائمة بالمنطقة والتي تحتاج لرعاية وإرادة امريكية إسرائيلية لإعادة توزيع النفوذ ، محمولاً هذا على تسليم عربي بأن دولة الإحتلال أحد الركائز المهمة في محورية إعادة إنتاج المنطقة ، وفق المصالح الأمريكية الإسرائيلية الشاملة ، وما به هذا من تطبيع علني وسري بين العرب ودولة الإحتلال بدعم وتوجيه أمريكي ، وثالثها هو تبدل في اللعبة الداخلية الأمريكية بما يمثله اللوبي الصهيوني المتدين ، وتحالفات هذا مع المحور والثقل المتنامي مع التحالف المسيحي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد كان خطاب ترامب لإعلان قراره هذا قائماً على رواية دينية تتجاهل التاريخ والوقائع ، ولم يكن هذا الخطاب يليق بكل الأديان التي ذكرها في خطابه المقصود ، فلا فرق فيما قاله عما يدعيه مستعمر من مستعمري مستعمرة يتسهار ، فالخلط ما بين الدين والأكذوبة الدينية التاريخية والواقع ، تأكد أنه كان تحت تأثير كذب وتضليل لا يقبل به طفل جاهل ، و كان واضحت عليه أنه لا يميز ما بين الديانات والشعوذات .
إن هذه السياسة الأمريكية الجديدة من حيث الوجه الخشن ، وتنازلها عن الوجه الناعم (حين إتفق بيل كلينتون مع أيهودا بارك وحاولا فرض ما تفاهما عليه على الشهيد عرفات ) ليدعو إلى تغيير شامل بكل قواعد العمل السياسي الفلسطيني والعربي ، فليس أول المتضررين من هذه الخطوة هم الفلسطينيين فحسب ، بل أولئك الذين كانوا يوصفوا بدول الإعتدال ، وخسارتهم شعبيا ووطنيا ورسميا لن تكون امام شعوبهم فحسب ، بل أن إستقرار وجود حكمهم لا شك أنه سيدفع ثمنا أمام هذا التحول عاجلا أم آجلا ، خصوصا مع تنامي الإصطفاف في المنطقة وفق المحورين البارزين ، فلم يعد هناك مجالا إلى لإنطلاق وتعزيز الوطنية أمام القومية ، والدينية الإثنية خاسرة في هكذا مواجهة وفق هكذا سياسة قد بدأت وستفرز ما بها من نتائج على كل الأصعدة .
و خصوصا أن هذا القرار لن يكون وحيدا ومنفردا على صعيد الأسس التي بنيت عليها المنطقة منذ عقدين تقريبا ، وما هو أت وفق هكذا قرار سيجعل الوجوه والمواقف أكثر وضوحا ، فهكذا قرار يدفع لإعادة تموضع القوى الحية في المنطقة ، على أسس لم تكن ما قبل ذلك في صدارة التأثير والإستقطاب ، أو كان تأثيرها أقل في الفرز والموقف ، فالمنطقة مقدمة على إبراز من هو قادر على الوقوف أمام التحول الأمريكي الجديد ، و من سيستسلم ويسلم لقوة النفوذ والهيمنة الأمريكية ، وهذا ما سيدفع بالوطنية لأن تعيد ذاتها عبر الرفض والتصدي للسياسة والهيمنة الأمريكية الإسرائيلية المدفوعة على أساس الصراع الديني.
لو قامت ثورة من الخليج إلى المحيط ما كانت ستقدم الصراع العربي الإسرائيلي كما قدمه ترامب ، بعض القوى الإقليمية قد تتحاشى من أن تقدم لترامب الشكر علناً على ما فعل وقدم لها من مبرر كاف لإنهاء ما يسمى بالإعتدال والممانعة ، فقد أنتصر الممانع وسقط المعتدل ليس كضحية بل كشريك خاسر بالضربة القاتلة والمميتة .
إن هذا القرار(نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والإعتراف بها كعاصمة لدولة الإحتلال ) مقدمة قرارات أخرى ، ومما لا شك به أن هذا القرار قد غير شكل الصراع ، فإذا كان أوسلو قد غير شكل وأدوات الصراع على صعيد كل المنطقة ، فإن قرار ترامب هذا قد غير تماماً بمستوى ما غيره إتفاق أو سلو ، إن لم يكن بشكل أعمق وأوسع .
وهذا ما سيفرز دلالات تعريفية للمفاهيم والمصطلحات على صعيد الوعي العربي الشامل ، من حيث تعريف الوطنية بعد أن عملت على إسقاطها ثورة تدمير العرب ( الربيع العبري وليس العربي) بأن قدمت مواجهة الظلم والإستبداد بالتحالف مع الإستعمار، مما أحدث بالنتائج إضافة أخرى من حيث الهتك والتحريف للدلالات المتعلقة بالقومية والهوية والحرية ، وإن قرار ترامب هذا يأتي وفق التحول لإدارة الصراع على أسس دينية يهودية مسيحية .
فلسطينياً هي لحظة تاريخية ومصيرية وفارقة ، حيث لا يمكن أن تكون هناك مفاوضة بعد هذا القرار أو بناءاً عليه ، وأن الحل القائم على أساس حل الدولتين قد رفض وقتل إسرائيلياً وبفعل وغطاء أمريكي ، وهي الفرصة المناسبة للخلاص من كل القيود التي فرضت على الفلسطينيين طوال أكثر من عقدين ، وهذا الخلاص يعني بالضرورة تغيير كل الأدوات والإستراتيجية والبرنامج ، ولعل ذلك يكون في سبيل مواجهة القادم بغض النظر عن الأهداف من وراء هكذا تحول أمريكي وأسرائيلي ، فلسطين عادت لتوحد الأمة كما القدس بوابة الحرب والسلام ، فهي بوصلة الوجهة والإتجاه ، وهذا ما على الفلسطينيين إدراكه على صعيد ما حدث من تحول ، وإدراكه بكل أبعاده في المرحلة المقبلة ، الصمود الفلسطيني قائم ومستمر رغم كل القرارات والسياسات والتحالفات ، ولكن على حساباتهم أن تكون مبنية أن لا ثمن يدفعه الفلسطيني وحده وهناك من عليهم أن يدفعوا ثمنا لهذا التحول.