الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

التآمر على التاريخ وسقوط ترامب

نشر بتاريخ: 27/12/2017 ( آخر تحديث: 27/12/2017 الساعة: 11:42 )

الكاتب: نسرين عيسى جرادات

بمقدار ضحكنا بالأمس، سنبك غدا بمقدار خيبتنا، نمشي على حافة الهوة لتسقط فوق رؤوسنا صدمات القدر أم هي تحريض البشر لتقول توقف يا زمن حان الآن موعد انطلاق خيبة جديدة.
عيون نائمة، تقف ساكنة حتى غلبها النعاس، وكأنها في حالة من الذهول، لا حول لها ولا قوة، ها هي نواقيس الخطر تدق المآذن وتقرع أجراس الكنائس لتطأ نعال بني صهيون بصمتها على الأرض كاملة، ولتفر أجسادنا من مكان إلى مكان، نلوذ إلى مناطق التماس هربا لنمارس عليها طقوسنا الوطنية.
ان إعلان ترامب القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي لا يغير من حقيقة أنها عربية فلسطينية، بقدر ما هي كشف لحقيقة السياسة الأمريكية الامبريالية وبسط أوراقها على الطاولة، بدون وعي ليقول للعالم هكذا تدار الأمور في البيت الأبيض، وهذا يعتبر ضوءا اخضر لإسرائيل لتنفيذ مخططاتها الأخرى، وتوسيع أيديولوجية الدولة اليهودية التي يحلمون بها الممتدة على أواسط المنطقة العربية وخلق شرق أوسط جديد بزعامة يهودية وهذا بات واضحا في توثيق وتعزيز سبل التعاون مع بعض الدول العربية، ونكون بذلك زرعنا من السم ما يقتلنا بأيدينا، لا يدرون أنهم طامعون مستبدون يلفون حول أعناقهم أغلالا من الذل والهوان ليسوقوهم إلى الهلاك والدمار، وغلبهم أعداؤهم ليعيشوا عيشة الأذلاء ويطردون كما يطرد الغرباء، وما تفعل الفوضى والظلم بأمة أكثر ما يفعله الاستبداد..
تمزيق الأمة وزعزعة الأمن فيها، وقلب الأنظمة ليقال أن العرب كانوا أخوة سادهم الطمع، لم يقنع كل واحد منهم بما قسم الله له من الرزق واتخذ كل واحد منهم عدو لبعضهم بعضا، وأقاموا حربا فساقوا بلادهم إلى القمع والاعتداء ، فتنازعوا ،تخاصموا ، واستعانوا بعدوهم فتناول رؤوسهم معا ولتغرق دماؤهم معا، والعدو يتربص بهم من كل حدب و صوب..
غيمة سوداء بكلمة أكثر سوادا مرت على مسامعنا، لم يكن متوقعا أم أننا غفلنا وصرنا في سبات لا ندري بأي ارض تدور بنا انه صراع الأمل والخيبة لرد فعل بارد ولا يليق بحجم الضرر الواقع . إن قرار ترامب لم يكن عبثيا فقد جاء في وقت الخصومة العربية ، فكان المخطط واضحا ومسبقا من قبل توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال اعتناق عائلته الديانة اليهودية وبعد ذلك توليه المنصب بدعم من الطوائف اليهودية في أمريكا، فهم مستعدون لعمل كل ما يخدم مصالحهم اليهودية، يقتلون، يحفرون القبور في سبيل تحقيق مآربهم ...
التاريخ يعيد نفسه
إن أمريكا لم تكن يوما طرفا يسعى للسلام أو مساندا للقضية الفلسطينية واستخدامها الدائم حق الفيتو لإلغاء أي حق من الحقوق الإنسانية الفلسطينية على أرضنا ، وان تتبعنا السياسات الأمريكية نعي تماما أنها تسير وفقا لمخططات صهيونية لتكون إسرائيل ضمنت تواجدها في المنطقة بأمان في قلب العالم وتبدأ نظرية التآمر على التاريخ مرة أخرى وتنجح مرة أخرى في إضاعة البوصلة لتحويل الصراع من فلسطيني إسرائيلي إلى فلسطيني أمريكي وأي مطالبة بالحقوق الفلسطينية سيكون من حجر أمريكا الساقط في جحر الماء المتعكر، ويكون بذلك سقط عهد ترامب ، ويتارجح ميزان القوى لتسقط الكفة التي تتعهدها الولايات المتحدة الامريكية لصالح كفة اخرى اكثر عمقا في ادارة السياسات الدبلوماسية ...
لعلني استذكر قصة آخر ملوك غرناطة عندما وقف بعد انكساره أمام جيوش الملك فيرناند والملكة ايزابيلا وقبل نزوله السفينة ونفيه إلى إفريقيا وقف حوله نسائه وأولاده وعظماء قومه من بني الأحمر ، فالقي على ملكه نظرة طويلة لم يسترجعها إلا مبللة بالدمع ، بكى بكاء مرا ونشج نشيجا محزنا ، فكان واقف موقفه هذا وإذ بصوت يهتف باسمه من علياء السماء فرفع رأسه شيخ ناسك متكئ على عصاه يقول له : نعم ... لك أن تبكي أيها الملك الساقط على ملكك بكاء النساء فانك لم تحتفظ به احتفاظ الرجال ..
لو أن ما ذهب من ملكك بصدمة من صدمات القدر أو نازلة من نوازل القضاء ، من حيث لا حول لك في ذلك ولا قوة ، لهان أمره عليك ، أما وقد أضعته بيدك وسلمته لعدوك باختيارك فابك عليه بكاء النادم المتفجع الذي لا يجد له من مصابه عزاء ولا سلوى ...
لا نريد لهذه النظرية أن تتكرر علينا ويكفينا بكاء النادم المتفجع على ما فات ، ولا نريد المزيد من الويلات والخيبات ، ليكن دافعا قويا لنقف وقفة العز لندافع عما تبقى لنا من كرامة ونحتفظ بجزء مما نملك من خلال تعزيز الحراك الثقافي الشبابي للتوعية حول القضية الفلسطينية ، وإعادة هيكلة المنظومة الداخلية الفلسطينية ورسم خطط مستقبلية للحفاظ على موروثنا الجغرافي والثقافي وتهييج الفكر واستثارة مشاعر الشعوب، ونعد قراءة المشهد الوطني وتحديد البوصلة لنكون صناع قرار فيما نملك ، لنرزق الفتح بإخلاصنا لقضيتنا وانتماءنا الوطني وسيكون الفتح من عند الله ...