الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اعلان ترامب حول القدس... توقيت وتوقعات

نشر بتاريخ: 27/12/2017 ( آخر تحديث: 27/12/2017 الساعة: 18:50 )

الكاتب: نعيم الاشهب

لقد كتب الكثير عن خطوة ترامب اﻻستفزازية والمنافية لجميع القرارات الدولية المتعلقة بالقدس العربية المحتلة؛ أما توقيت هذه الخطوة فيعود لمجموعة دوافع وأسباب، منها:1 - فتح الطريق أمام تدشين التحالف الاسرائيلي - السعودي رسميا. ومن الواضح في هذا الصدد أن اسرائيل تستغل لهفة السعودية على انجاز هذا التحالف لابتزاز تنازلات على حساب القضية الفلسطينية . تشير صحيفة "نيويورك تايمس"، في عددها الصادر2017/12/3 الى الجهات التي مارست الضغوط على ترامب ليتخذ هذه الخطوة ، وتذكر دور كل من نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في هذا الصدد ، كما تشير الصحيفة الى حادث استدعاء حكام السعودية ، قبل قرابة الشهرين ، الرئيس محمود عباس " وممارسة أقصى الضغوط عليه بغية قبوله بعرض كوشنير" لاعلان أبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية.
2 - جاء هذا الاعلان في لحظة يتهمش فيها الدور الأميركي في المنطقة الى حدّ غير مسبوق ، وهذا التهميش يزيد ، بنفس المقدار، من حاجة واشنطن لخدمات اسرائيل في المنطقة ؛ وفي اطار مكافأة الأخيرة على هذه الخدمات ، لا يضير واشنطن أن تقدم لاسرائيل ،عدا السلاح والمال والحماية في الأمم المتحدة، جوائز على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته ، طالما النظام الرسمي العربي متواطئ مع مثل هذه الخطوة ، أو في أحسن الحاﻻت ، يلتزم الحياد الفعلي - ﻻ الشكلي - وكأن اﻷمر ﻻ يعنيه .
3- في ضوء الهزائم الكبرى التي مني بها المحور الأميركي -الاسرائيلي- الرجعي العربي بقيادة السعودية ، في الآونة الأخيرة ، ولا سيما بتصفية عصابات الارهاب الدولي ، التي دعمها وراهن عليها هذا المحور، وفشل محاولاته الأخيرة للقيام بهجوم معاكس في كل من العراق ، بفصل اقليم كردستان عن الدولة العراقية ، وتفجير الاضطراب والاحتراب الطائفي في لبنان باختطاف رئيس وزرائه ، ثم محاولة الانقلاب في صنعاء عبر علي عبد الله صالح .. بعد كل هذه الهزائم المتلاحقة تأتي هذه الخطوة الاستفزازية ، كتظاهرة بالقدرة على الفعل رغم كل الهزائم، ظنا بأنها ستمرّ دون مضاعفات ؛
4 - جاءت هذه الخطوة كمحاولة لنجدة كل من ترامب ونتنياهو، اللذان يواجهان أزمات ومشاكل من غير المعروف ان كانا سيخرجان منها سالمين ، أم أنها ستطوح بهما أو بأي منهما.فالأول ، يواجه اليوم ، عدا أزماته ومشاكله المتنوعة ، الداخلية والخارجية ، احتمالات اخضاعه للتحقيق أمام الكونغرس ، بعد اعتراف مستشاره للأمن القومي المستقيل ، الجنرال مايك فلين ، بأنه كذب على الكونغرس بانكاره الاتصال مع الروس في قضية انتخابات الرئاسة الأميركية ، وعلاقة ترامب بذلك ؛ والثاني - أي نتنياهو، تزداد الضغوط ، بما فيها الشعبية ، لمحاكمته على قضايا الرشوة والفساد التي تلاحقه ، بخاصة بعد فشله في محاولة استصدار قانون في الكنيست يحميه من المحاكمة طالما هو في رئاسة الحكومة.
أما ردود الفعل على خطوة ترامب باعتبار القدس عاصمة لاسرائيل ، فكانت كالتالي: 1 - لم يحدث طيلة العقود الماضية أن واجهت خطوة أميركية عزلة وإدانة دولية كهذه الخطوة . وقد بدا ذلك بوضوح ساطع خلال اجتماعين لمجلس الأمن الدولي ، وآخر للجمعية العمومية،عقب الاعلان المذكور. ففي مجلس اﻷمن وجدت مندوبة ترامب نفسها تواجه منفردة بقية أعضاء المجلس الأربعة عشر خلال جلستي اﻹستماع والتصويت على إدانة هذه الخطوة ، ومعزولة عن أخلص حلفاء واشنطن الاستراتيجيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانبة ، كبريطانيا ؛ أما في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وبرغم لجوء إدارة ترامب الى التهديد العلني بقطع المساعدات عن كل دولة تصوّت ضد الخطوة اﻷميركية، فان النتائج كانت هزيمة منكرة لخطوة ترامب هذه.
2 - من جانب آخر، كشف اعلان ترامب المذكور، منذ اللحظة اﻷولى ، مدى الدعم والعطف على القضية الفلسطينية في أربعة أرجاء العالم، وبالمقدار نفسه حجم الوهم الذي سيطر على ترامب وأتباعه الذين حجب عن أعينهم دخان الصراعات والمعارك المحتدمة في المنطقة بين المحور الأميركي - الاسرائيلي - الرجعي العربي وبين محور المقاومة ، رؤية حجم ومقدار الدعم الكامن لقضية الشعب الفلسطيني العادلة . وقد جاء بيان ترامب الاستفزازي ليبدد هذا الدخان الخادع الذي ظنه ترامب تلاشيا للقضية الفلسطينية. فقد انطلقت المظاهرات وأعمال الاحتجاج الغاضبة على هذا البيان من اندونيسيا واليابان شرقا وحتى الأميركيتين غربا؛ وما تزال مظاهر الشجب والاحتجاج المتنوعة لهذا البيان تتداعى .
3 - ينبغي أن يكون هذا البيان قد أنهى دور واشنطن كوسيط بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ، هذا الدور المضلل والذي كانت تراهن عليه بأسف القيادة الفلسطينية وتقيّد ، بسببه ، حركة النضال الشعبي الفلسطيني ضد الاحتلال ، على مدى ربع قرن ؛ فحتى الرئيس الفرنسي يعلن ضرورة انتقال دور الوسيط هذا الى الأمم المتحدة.
4 - أعطى بيان ترامب المذكور نتائج عكسية لتطلعات حكام السعودية ولهفتهم للتقدم الرسمي والعلني نحو التحالف مع اسرائيل ضد محور المقاومة ، كما تشير ردود الفعل التي لم يكونوا يتوقعونها، وهذا ما أرغم الملك السعودي ليصرح ، من باب التخدير والمناورة، بأن للفلسطينيين الحق بأن تكون القدس الشرقية عاصمتهم ، ودفع كذلك ، وزير الخارجية الأميركي تلرسون للتصريح بأنه من غير المتوقع أن يتم نقل السفارة الأميركية الى القدس خلال دورة رئاسة ترامب الحالية.
5 - حفز هذا الاعلان أطراف محور المقاومة للتأهب والاستعداد للتصعيد القادم مع الاحتلال الاسرائيلي، الى حدّ التأهب لتوزيع الأدوار والمهام بين أطراف هذا المحور، كما بدا واضحا في خطاب حسن نصر الله الأخير. بمعنى آخر: فاعلان ترامب جاء ليسرّع المواجهة مع هذا الاحتلال.
وفي أجواء تسارع الفرز في المنطقة واحتمالات اقتراب المواجهة والاحتكاك بين قطبيها، يتضاءل الى حد التلاشي هامش التردد وإمساك العصا من الوسط أمام القيادة الفلسطينية ، ليصبح تحديد موقفها المطلوب من هذا الصراع المحتدم والمتصاعد ومن أطرافه ،عبر القضايا التالية: أ - الموقف العملي والحاسم من موضوع استعادة الوحدة الوطنية ؛ ب - التحلل دون تردد من اتفاقات أوسلو والتزاماتها ، بخاصة والطرف الاسرئيلي لا ولم يلتزم بأي منها، وفي مقدمتها التنسيق الأمني المشين ؛ت - الالتزام وعدم التراجع عن اعلان الرئيس عباس في المؤتمر الاسلامي في استانبول ، بأن الولايات المتحدة فقدت أهليتها كوسيط في أية عملية للسلام في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي ولتكون الأمم المتحدة هي البديل ؛ ث - تحديد علاقاتنا العربية والدولية على ضوء الموقف ألفعلي وليس الشكلي أو لأية اعتبارات أخرى من قضيتنا الوطنية ؛ ج- تعبئة طاقات شعبنا المعطاء وتنظيمها في مواجهة شاملة مع الاحتلال في معركة مفتوحة بلا قيود؛ ح - ملاحقة المجرمين اﻹسرائيليين على جرائمهم في المحافل الدولي، وبخاصة محكمة الجنايات الدولية ، والكف عن التردد في هذا المجال، هذا التردد الذي لم ينتج إﻻّ إمعان هؤﻻء المجرمين في جرائمهم ضد شعبنا.

فهل ترتفع القيادة ألفلسطينية أخيرا الى مستوى المعركة وتحدياتها، بخاصة وقد غدا ظهرها الى ألحائط

نعيم اﻷشهب
القدس المحتلة
[email protected]