الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حكايتي مع الكتائب .. قصف طائرات واستشهاد ضيفي ..!

نشر بتاريخ: 28/12/2017 ( آخر تحديث: 28/12/2017 الساعة: 20:39 )

الكاتب: منذر ارشيد


كما ذكرت في الحلقة السابقة وصل شاب مسلح لم أعرفه وبقي عندي من العصر حتى المغرب ...
لا أخفي عليكم أني كنت أشك في أنه شخص معين من أهم المطلوبين للعدو

كما ذكرت في الحلقة السابقة , صوت الطائرات خاصة الزنانة لم يكن ينقطع طوال الوقت وقد تناولنا طعام الإفطار وبعد أن صلينا المغرب وبينما كنت أحضر الشاي وإذا بصوت طائرة مروحية تقترب من المكان ، إعتقدت لحظتها أنه شيئا عاديآ ،طائرة تمر كما العادة فلم أكترث.. ولكن بعد أن نظرت إلى الأعلى شاهدت أكثر من طائرة تحوم فوقنا بشكل غير عادي
وما زاد قلقي لا بل خوفي أن شجر إلكينا والسرور القريب من المكان بدأ يتحرك كما أن عاصفة هبت على المنطقة
نظرت..، حتى أن الهواء بعثر كل شيء خفيف على الارض دققت النظر وإذا بطائرة وكأنها تحاول الهبوط وتبحث عن فسحة على الأرض ..!
الأرض جبلية ومنحدرة وفيها سناسل حجرية كبيرة ومن الصعب الهبوط فيها ، ناهيك عن الشجر الكثيف
في هذه اللحظة كان ضيفي قد ذهب يتبول تحت شجرة بجانب سنسلة وعلى بعد أمتار مني
ما عدت أشعر بشيء سوى أني أنزلت بندقيتي على الأرض وأبعدتها بقدمي إلى حافة عتبه وخلف عامود لإخفائها فالموقف لا يحتمل إظهار سلاح أو محاولة يائسة خلاص أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله بالفعل سلمت أمري لله
ربما دقيقة أصبحت المنطقة التي نحن فيها نهارا مشرقا بفعل الكشافات
الطائرات أصدرت شعاع قويا من الضوء من خلال برجكتور قوي جدا فما عدت أرى شيئا
أما ضيفي فلم أكن أعرف عنه شيئا وهل هو ما زال خلفي أو لا ...!
في هذه الأثناء قرع جرس هاتفي المحمول..
وإذا بأبن عم لي يقول.. أبو العبد أنت وين..!؟
قلت له في المزرعة...
قال.. يا رجل شايفين طائرات بتحوم فوق المزرعة
قلت.. نعم وفوق رأسي يا حبيبي ومش فوق النزرعة الآن طائره على بعد 50 متر
قال .. انت وين بالضبط .!؟
قلت .... تحت البيت
قال الله يحميك ربنا معك وكأنه بكى
الحقيقة أني ما عدت أشعر بشيء وكأني رأيت حبلا ينزل من الطائرة فكرت حينها بكل ما يخطر على البال وبدأت أنتظر ما يمكن حدوثه ونسيت الرجل الذي ذهب يتبول

كانت لحظات رهيبة للغاية
ومضت تلك اللحظات ربما كانت أربعة دقائق أو خمسة أو لربما دقيقة لا أعرف المهم أنها إنتهت برحيل الطائرات وساد الهدووووء....
قمت من مكاني وتذكرت الضيف وصرخت .... هي يا أخ وينك ....!؟
لم أجده ولم أسمع له صوتا بالمرة
تحدث ابن عمي ثانية وقال الحمد لله أنك بخير والله فكرت أنهم أخذوك. معهم .. ! تعال بسرعة إنشاء الله بعد بدك تنام عندك ..!؟
بالفعل ركبت سيارتي ونزلت بدون أضواء وقطعت الطريق بدقيقتين حتى وصلت القرية
وكان بعض أقاربي ينتظرون عودتي والكل رأوا المشهد الذي كان مستهجنا.. وكما قيل لي حركة طائرات مخيفه وكنا متوقعين أن يقصفوا البيت ...
جلست في بيت عمي والكل يقول الحمد لله على السلامة
ومناشدات لي ( من شأن الله انك لا تذهب للبيت )
طبعا البيت مهجور ولا شيء بداخله سوى بطانيات ين وكرسيين بلاستيك وفانوس كاز وزيت وزيتون وخبر طابون أغلب الأحيان
حتى الباب مخلوع لأن لا فائده من توضيبه دون سكان .. فالفضوليين كثر وهناك لصوص بريه يسرقون حتى سلة الزبالة يخلعوا الباب ويأخذوا حتى لو كان فيه سرير أو حتى فرشة أو وساده
حصلت مرارا .. كنت ازوره كل أسبوع أسبوعين أقضي فيه ليله الجمعة لوحدي اتأمل المشهد الذي يطل على جبال الناصره من أمامي والأغوار عن يميني ومن خلفي جبال نابلس * الموقع جدا إستراتيجي وجميل * ...
أحب هذا البيت الذي بناه والدي مع بداية الستينات من القرن الماضي بيت صغير ريفي متواضع ، على
مزرعة كبيرة من الزيتون والسهل لزراعة كل شيء متاع دنيوي زائل (اللهم ارزقني بما عندك ) كنت أستقر فيه بشكل مستمر أيام قطف الزيتون وباقي الوقت يوم أو يومين في الأسبوع
المهم قضيت ليلي وانا أفكر في هذا الرجل الطيب المبتسم الذي أمضيت معه ربما ليس أكثر من ثلاث ساعات وقد وصل عندي أثناء أذان العصر وغادرني بعد المغرب لم يكن وقتا كافيا لتعرف عليه أكثر ، ولكنه حدثني أحاديث طيبه جدا خاصة أنه يمتلك وجها صبوحا مبتسما مريح جدا
وكان واضحا أنه مثقف ثقافة دينية وحافظاً لكتاب الله
لأنه كان يأتي بآيات لكل حكايه عن الوطن وصراعنا مع العدو ... وكيفية استمراره حتى يتحقق النصر .

وفي خلال حديثنا سألته وقلت.. يا أخي بلاش تعرفني على إسمك فقط قل لي من أي بلد أنت...!؟
قال .. معلش أسمح لي فيها....بلاش
قلت .. هل أنت من عصيرة. .!؟
ضحك وقال ... إسمع أنت مفكرني أبو هنود .. لا يا أخي أن مش أبو هنود ...
قلت ... مين أبو هنود ...!
ابتسم وقال... إنسى وقول يا رب وخليك على عابر سبيل الك أجر عظيم عند الله ...
وكان قد اقترب موعد الإفطار
فقال.. شو ما بدك تفطرني وتكسب ثواب ..!

بالفعل قمت وجهزت طعام الإفطار وهو خبز طابون وقلاية بندورة مع بيض ....

أنا الآن في بيت عمي عبد الله ولا أذكر هل كان عمي قد توفاه الله أو لا ..!
لاني لا أتذكر البيت بدونه وكرمه الأصيل وهو يجلس بجانب كانون النار ويحدثنا أحاديثه الشيقة رحمه الله كان من أكرم وأطيب خلق الله

المهم أني جلست مع العائلة جميعهم والكل يقول يا ابن عمنا نحن خايفين عليك ويا ريت ما تأتي للبيت ..خليك عندنا وإذا صار شيء نموت معك احنا مش أغلى منك
قلت ...توكلوا على الله
لم يعرف أحد عن حكاية الضيف على الإطلاق ... والكل يعتقد أني أنا المستهدف ..
وانا على يقين أن الهدف كان ضيفي الذي بت أعرفه انه هو وليس غيره...!

وضعت رأسي على الوسادة ولم يغب عني المشهد ..
وبدأت أدقق بما جرى وبتفاصيله التي مرت علي دون إنتباه

صلينا المغرب ومن ثم قلت له ممكن صورة أنا وأنت ولا هذه كمان ممنوع ..!
قال بالعكس والله بتكون ذكرى عندك
(الكاميرا أوتوماتيك تكبس على زر التصوير وتضعها قبالك ثم تفتح العدسة لوحدها )...
أعتقد ما زال منها إلى اليوم (لم يكن موبايل تصوير أيامها)

قال هات بالأول خلينا أنا أصورك بالفعل صورني صورتين
وفي أثناء إعداد الكاميرا للصورة التي تجمعني معه
نظر إلى السماء وقال الملاعين لا يهدأوا .. سامع صوت الطائرات ..!
قلت ..سامع ولا الزنانة الي بتنخر في مخنا يوميا
قال بس الطائرات حركتها اليوم مش عادية
قلت .. لا يكون بيبحثوا عنك ..!.
نظر إلي نظرة رضى وقبول وقال أنت رائع يا أخي في الله أحبك في الله وعانقني عناقا حارا وقبل جبيني
وقال... أستأذنك أذهب لأتبول و أدعي لي يا أخي ....!؟

هذه آخر كلمة قالها ...ادعي لي يا أخي
في تلك اللحظة وبعد أن تركني مقابل الموقد واربريق الشاي الذي لم يشرب منه
هبطت إحدى الطائرات وأطلقت نورها القوي فانكشف كل شيء وظهرت أمامهم وحيدا
وكان ما كان كما رويت سابقا
لم أنم حتى أذن الفجر ذهبت للمسجد وعدت بعد الفجر وانا لا أعرف كيف سأنام ولكني نمت بعد العاشرة وأيقظوني بعد العصر

هنا لا أذكر بالضبط هل كان هذا اليوم أو اليوم الثاني
وبعد الإفطار ربما أثناء أذان العشاء واذا بصوت طائرات تجوب السماء ....
وبعد قليل صوت إنفجارات ليست بعيدة وليست قريبة .... ربما كانت بين ميثلون والجديدة أو بين ميقثلون وياصيد لم أعرف ولكن ليس في عصيره
قريتنا صير بجانب ميثلون.. ولا تبعد عن ياصيد سيرا ربما مسير ساعتين
وبعد قليل سمعنا الخبر ( إستشهاد محمود أبو هنود )
صعقت وانا أسمع الخبر رغم أني كنت متأكدا أنه هو من كان ضيفي رحمه الله

ولم أزل للأن أتذكر هذا البطل الذي لم يكتب الله لي أن أدخل الجنة برفقته .. لا إعتراض على قضاء الله
والفرق كان ربما عشر ثوان فقط
رحمنا الله برحمته
الى اللقاء الحلقة 10 والأخيرة