السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

هذا هو الراعي الأمثل

نشر بتاريخ: 02/01/2018 ( آخر تحديث: 02/01/2018 الساعة: 09:46 )

الكاتب: رائد محمد الدبعي

ستبحث القيادة الفلسطينية عن راع جديد للعملية السلمية خلال اجتماع المجلس المركزي المرتقب لمنظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن أسقط ترامب ورقة التوت الأخيرة، ونقل الدور الأمريكي في القضية الفلسطينية، من صفوف الإنحياز الكامل للاحتلال، والغطاء الدائم لجرائمه، إلى الشريك الكامل، والعلني والمفضوح، في العدوان على الشعب الفلسطيني.
على الرغم من أن الموافقة على أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية راعيا وحيدا لعملية التفاوض منذ البداية، كان أحد الأخطاء الإستراتيجة، إذ أن مختلف الإدارات الأمريكية، ديمقراطية، وجمهورية، حافظت على انحيازها المطلق، ودعمها اللامحدود لاسرائيل، كأحد ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية، وهو الأمر الذي يتعدى حدود المصالح المعهودة بين النظم السياسية، إلى الإيمان العميق لدى الصهاينة غير اليهود من المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل تأسيسها، بأنها " قدس الله الجديدة"، وأنهم شعب الله المختار، مرتكزين على أساطير تلمودية، وعلى قراءة مشوهة للعهد القديم، في تبرير إبادة أصحاب الأرض الأصليين، وعدم الالتفات إلى ما يعتبرونه أضرار هامشية، في مسيرة الإنتصار للقيم الإنسانية، والحضارية، في مواجهة التوحش، حتى لو كان ثمن ذلك إبادة 400 شعب وأمة من الهنود الحمر، وارتكاب أكبر إبادة جماعية في التاريخ الإنساني، تجاوز عدد ضحاياها ثمانين مليون إنسان في الولايات المتحدة وحدها.
كان علينا أن نبحث عن البدائل منذ زمن، وكان يجب أن يدق التنكر الإسرائيلي للحقوق الفلسطينية، وماَلات الربيع العربي، والإنقسام الداخلي، وفوز ترامب في الإنتخابات الأمريكية منذ عام، نواقيس الخطر، ويستدعي إشراك المؤسسات البحثية، ومراكز الدراسات الأكاديمية، في وضع تحليل سياساتي يقوم على دراسة مستفيضة للخيارات والبدائل، والأثمان المتوقعة، والأدوات المستخدمة، إذ أن اجتماع واحد للمجلس المركزي، على أهميته، لن يكون فاعلا في تحديد الخيارات المستقبلية، ما لم يرتكز على دراسات علمية، واقعية، ومتينة، تسند قرارات السياسيين وتحدد بوصلتها، إلا أنه وقد حصل ما حصل، وحتى لا نقع في معضلة السقوط في وهم البحث عن الرعاة مرة أخرى، وفي مأساة احتكار القرار والخيارات الفلسطينية مرة أخرى، علينا أن نقرأ التاريخ جيدا، وأن نحلل الحاضر بشكل عميق، وأن نستقرء المستقبل بحكمة، إذ أن التاريخ لم يسجل أبدا انعتاق شعب بإرادة دولية في ظروف تشبه ظروف القضية الفلسطينية، والحاضر يدق نواقيس الخطر، بينما المستقبل لا زال بأيدينا، سلوكنا، وأداؤنا الجمعي، من يحدد ملامحه، وماَلاته.
ما هي الخيارات
مختلف الجهات التي من الممكن تقديمها فلسطينيا لرعاية عملية السلام، مجربة، وغير جدية، أو غير قادرة، أو كلاهما، في إنهاء الإحتلال، بدءا من الإتحاد الاوروبي، الذي يفتقر إلى سياسة خارجية موحدة، وموقف موحد من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد صعود القوى اليمينية الشعبوية المتطرفة فيه، لا سيما في بريطانيا، وفرنسا، والنمسا، وهولندا، والمانيا، التي سجل بها اليسار الديمقراطي أقسى خسارة في تاريخه، فأوروبا المثقلة بقضاياها الداخلية، لا سيما بعد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، وأزمة تشكيل الحكومة في المانيا، وغياب رؤية واضحة لدى الرئيس الفرنسي الجديد، قد تنحو مستقبلا نحو إتخاذ قرارات موحدة من قبيل الإعتراف بفلسطين، في أفضل الحالات، وذلك للحفاظ على مصالحها، وسلمها، إلا أنه من الوهم، الإعتقاد أنها ستناضل موحدة من أجل الضغط على إسرائيل، لإنهاء احتلالها، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وبالأخص في ظل موقف عربي، وإسلامي مهترىء، وفي ظل الصراعات الدموية التي تجتاح العالمين العربي، والإسلامي، كما أن أي من الدول الأوروبية منفردة، سواء كانت فرنسا، أو غيرها، تمتلك الجزرة، التي يمكن تقديمها لإسرائيل، بينما تفتقر إلى العصا، التي تحتكرها الولايات المتحدة مقابل الصلف الإسرائيلي، ومن الواضح منذ اللحظة الأولى أن اسرائيل، ستأكل الجزرة، في ظل غياب العصا، دون أن تقدم شيئا في المقابل، كما أن التعويل على روسيا، أو الصين، او الهند، لا يمكن اعتباره خيارا موضوعيا، وفاعلا، فعلى الرغم من الصداقة التاريخية التي تربط الثورة الفلسطينية بتلك الدول، إلا أن هذا لا يعني أبدا أنها مستعدة لفتح جبهة مع الإدارة الأمريكية، من أجل فلسطين، أو المغامرة بمصالحها الإقتصادية والسياسية، والعسكرية، من أجل الشعب الفلسطيني، فتلك الدول من الممكن أن تبقى حليفا لشعبا، وداعما لنا، إن أحسنّا إدارة التعاطي معها، دون أن تعرّض مصالحها للخطر، فالدول عبيد لمصالحها، ومن غير الموضوعي أن ننظر للقوى الكبرى، على أنها جمعيات خيرية، في القرن الحادي والعشرين.
أما الأمم المتحدة، فعلى الرغم من كونها ساحة هامة للنضال الفلسطيني، نجحت القيادة الفلسطينية مؤخرا في استثمار منصتها لترسيخ الوجود الفلسطيني على الخارطة السياسية، لا سيما بطلب العضوية غير الكاملة كخطوة أولى، وما تلاها من طلبات الإنضمام لمختلف المنظمات، والهيئات الدولية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية، وهو الأمر الذي يستحق الإشادة، والدعم والمساندة، ويؤسس لتدويل القضية الفلسطينية، إلا أن السطوة الأمريكية على المنظمة، واستخدامها الدائم للفيتو، لحماية إسرائيل، وضربها بعرض الحائط مختلف القرارات الدولية، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن التي صوتت الولايات المتحدة ذاتها معها، كما حصل في قرار الإعتراف بالقدس عاصمة لأسرائيل، وقبل ذلك قرار غزو العراق، يؤكد أن التعويل على الأمم المتحدة لمنحنا دولة عبر الضغط الدولي وحده على إسرائيل، لن يكون مجديا، وفاعلا، وإن كان مساعدا وهاما ضمن خطة نضالية شمولية.
ما العمل إذا
في ظل أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، نتيجة الإنقسام، والاحتلال، والصراعات البينية في العالمين العربي والإسلامي، والاصطفافات الطائفية التي تنخر جسده، فإن الفلسطيني اليوم أمام خيار واحد لا بديل عنه، وهو التعويل على قواه الذاتية، وترميم بيته الداخلي، وإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني، برؤية جديدة، وموحدة، ومتفق عليها، وذات فهم مشترك من الجميع، تقوم على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بمشاركة الكل الفلسطيني، في الوطن والشتات، وتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية، في الوطن، وطي صفحة اوسلو وقيودها الظالمة للأبد، والاتفاق على برنامج مقاومة شعبية طويل الأمد، دون إسقاط حق شعبنا باستخدام كل أشكال المقاومة المشروعة وفقا للقانون الدولي، ووفقا لمتطلبات الزمان والمكان، ومن خلال توافق وطني شامل، وبإشراك الكل الفلسطيني، علينا أن نعي أن أكثر من نصف شعبنا في الشتات، وبانهم ثروة بشرية، هائلة، قادرة على صناعة المستحيل، ومن الهام استثمارها، وبناء جسور للتواصل معها، وأن نعيد بنا علاقاتنا في إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وتحرير الإقتصاد الفلسطيني شيئا فشيئا من قيود الليبرالية الجديدة، التي تطوق أعناق المواطنين، وتعيق مقومات صبرهم، وبناء اقتصاد مقاوم، يرتكز على العودة للأرض، وعلى قيم العدالة الإجتماعية، والتضامن، وتحقيق اكتفاء ذاتي في ظل توقع قيام الاحتلال باستخدام كل الاساليب للضغط على شعبنا، ورفض أي معاملة تفضيلية بين مواطن ومسؤول، سواء كان في السلطة أو المعارضة، كما علينا أن نعيد للقوى الأهلية، وللطبقات الوسطى في المجتمعات دورها الطليعي في القرار، وأن نتحرر من سيطرة القوى الرأسمالية العابرة للقارات والحدود، والتي من الطبيعي أن تحافظ على مصالحها، وثرواتها اولا وقبل كل شيء، علينا أن نفتح مجالا للشباب للمشاركة في القيادة، وأن نعيد الدور الحقيقي للمسجد والكنيسة، والجامعة، والمدرسة، ووسائل الإعلام كقلاع للمقاومة وصناعة الوعي، وحشد الجماهير في معركة التحرير، وأن نبني مناهج دراسية مقاومة، تزاوج بين الأصالة والمعاصرة، وصناعة الوعي.
الراعي المضمون
إن الراعي المضمون الذي نبحث عنه هو بين أيدينا، كما هو كنز الراعي "سنتياغو" في رواية الخيميائي، وحكايتنا تشبه إلى حد كبير رحلته حول العالم، بأيامها الحلوة والمرّة، ما بين كرامة، وسعادة، ونضال، وذل، وتعب، وجوع، وعطش، قبل أن نكتشف أن الكنز الذي ظنناه في واشنطن، مدفون بتراب القدس وحدها.