الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

فرح في ساحة مظلمة

نشر بتاريخ: 10/01/2018 ( آخر تحديث: 10/01/2018 الساعة: 15:41 )

الكاتب: نسرين موسى

ظلوا يراودوني منذ أن لمحتهم , في حلمي ويقظتي, تجاهلت الكتابة عنهم, لكنهم لاحقوني , وبعد أكثر من أسبوع من حلول العام الجديد, استسلمت لملامحهم, وتثبيتها بذاكرتي من خلال حروفي, مع يقيني أني لن أنصفهم.

وسط مدينة غزة, في الجندي المجهول, كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ونصف , وجوه كثيرة , ملامحها مجهولة يخفيها الظلام , لكن الأصوات توحي لك أنهم جاءوا ليتشدقوا الفرح, رغم خلو المكان من كل شيء, إلا منهم ومن باعة متجولين على بسطات , اسمها اتخذ من البساطة.

كان يومها أشبه بالمولد , هذا يتصادم بك, وهذه تصرخ على طفلها, وشاب صوته الخجول يردد :"كان عليكِ الجلوس في البيت أفضل من هذا الزحام, وهي تضحك وترد بأنها تتوق أن تبدأ عامها معه وحيدين خارج بيتهما.

يقطع صوتهما بائع الذرة الذي يغري زبائنه باغراقها بالزبدة السايحة كما ينادي, ولا يمكنك تجاهله فرائحتها تحتم عليك إنهاء وبدء عامك بها.

ضوء خافت من هاتف نقال مسلطا على وجهه الأسمر, كأنه يناديك بأن تقترب منه, وتفعل لتجد عيناها متجهة صوب البالونات المرسوم عليها القلوب الحمراء , وصوت موسيقى يعلو, من المطعم المقابل للجندي المجهول.

تحدق في كل هذا , وتجعلك تركز بعينيها , وتنسى كل الملامح المجهولة في المكان , وتقرأ الصراع الذي يدور بداخلها, ماذا يفعل هؤلاء الناس؟ كيف يحتفلون,ماذا يأكلون, ماذا يلبسون؟ وماذا سيفعلون حين تنطفئ الأضواء عند الثانية عشرة؟ فهنا المكان ظلام قبل حلول ساعة العام الجديد !

تعمقت بالنظر إليها رغم خفوت الضوء, صرخ طفلها, وحولت أنظارها عليه, ولمحتني واقتربت مني, مرددة على مسامعي, شيكل الله يبارك فيكِ لأكمل المواصلات, أخذته مني وغابت وتركت لي إحساسي ببرودة كف يدها.

غادرت قبل الثانية عشرة ,وهي تخبئ بعينيها أضواء المطعم وتحمل صدى أغنياته .

تخيلتها ستحتفل بكل هذا بمجرد وصولها لمنزلها, الذي أدرك انه سيكون كملامحها البالية.

تركتني تارة انظر إلى المطعم المقابل بأضوائه ,وأخرى إلى الملامح التي يأكلها الظلام, ولا اعرف كيف ستحتفل بهذا المكان.

في المطعم يصفقون ويرددون مع الأغنية , وحول ضريح الجندي المجهول يسيرون, ويتبعون بعضهم مع دقات الساعة, إلى أن هللوا بدخول العام الجديد , وكأنهم يدركون أن مدينتهم ستلقيهم من جعبتها , إلى عام آخر معالمه مجهولة يثبتها الظلام.

وبقيت هي عالقة في ذهني , وبأضواء المطعم وعتمة الجندي, وفي بيتها ,لكنها الوحيدة التي أيقن أنها ورغم بؤسها عاشت طقوس رأس العام بأضواء الغنى وعتمة الفقر ,وستستيقظ في مدينة بلا أضواء , وتنحدر نحو المجهول!
___________________________
*[email protected]