الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مصطلحات ومضامين: دولة تحت الاحتلال !!!

نشر بتاريخ: 11/01/2018 ( آخر تحديث: 11/01/2018 الساعة: 12:19 )

الكاتب: عوني المشني

اصبح مصطلح دولة تحت الاحتلال دارجا في معجم السياسة الفلسطينية، حاولت جاهدا ان افهم المعنى من المصطلح، استعنت بخبراء السياسة الفلسطينية، شرحوا الكثير، لكن بصراحة لم افهم شيئا !!! ربما استيعابي بطيئ، او الموضوع اعلى من مستواي الثقافي، او ربما ان يحتاج الى جهد اكثر لفهمه، قررت ان أستعين بكم قرائي الأعزاء لنحاول اجراء عملية تشريح للمصطلح لنفهم معا، لم لا ؟؟؟ فالعقل الجماعي اكثر قدرة على الإبداع.
دولة تحت الاحتلال وفق ما يقوله أستاذ القانون الدولي في جامعة النجاح الوطنية، باسل منصور تعني "إلقاء كافة المسؤوليات التي تتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة على كاهل إسرائيل، وذلك وفق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الدولية" ترجمة لهذا الحديث تعني تخلي السلطة الفلسطينية عن دورها في ادارة شئون السكان وهذا يعني حل السلطة الفلسطينية، فهل هذا ما يقصد عندما نتحدث عن دولة تحت الاحتلال ؟؟؟!!!!
خبراء السياسة الفلسطينية يقولون السلطة إنجاز وطني لا يجوز التخلي عنه والسلطة تهدم من قبل الاحتلال ولا يتم حلها، وإعلان دولة تحت الاحتلال تعني تغيير العلاقة التي كانت قائمة بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية !!!! وهنا تبدأ الأسئلة البريئة تظهر تباعا.
وهل العلاقة بيننا وبين الاحتلال نحن اصحاب القرار فيها لوحدنا ؟؟؟ العلاقة بين طرفين يحددها الطرف صاحب اليد العليا، فهل الحدود والمعابر الدولية والحواجز الداخلية والاستيراد والتصدير بيدنا حتى نحدد آلية التصرف مع دولة الاحتلال ؟؟!!!!! وهل الكهرباء والمياه والاتصالات والشوارع بين المدن بيدنا حتى نمنع حركة الاحتلال عليها او على اقل تقدير نتصرف بحرية عليها ؟؟؟!!!! وهل الامن حتى في مناطق الف الخاضعة أمنيا للسلطة بيدنا ام ان دوريات الاحتلال تدخل وتخرج متى تشاء رغما عنا ؟؟!!!! اذن ما الذي نحدده في علاقتنا مع الاحتلال ؟؟؟!!!! لا يبقى لنا سوى حرية الإعلان، وفِي هذا لا مشكلة لدى الاحتلال حتى لو أعلنا عن امبراطورية او خلافة اسلامية او دولة عظمى !!!! اكثر من هذا سنبقى سلطة باسم دولة والأعباء في ادارة شئون المواطنين ستبقى على كاهل السلطة الدولة ولن يحمل الإعلان هذا دولة الاحتلال اي عبئ إضافي ويبقى الاحتلال دون كلفة !!!!
السؤال البريء الثاني: ما دام الامر كذلك، لم الإعلان عن دولة تحت الاحتلال ؟!!!
خبراء السياسة الفلسطينيين يقولون ان الاعلان هذا سيضع المجتمع الدولي امام مسئولياته في الضغط لإنهاء احتلال الدولة المحتلة !!!!!
المجتمع الدولي يعترف ومنذ 51 عاما ان الضفة الغربية وقطاع غزة مناطق محتلة ويوجد عشرات القرارات في ادراج الامم المتحدة تؤكد ذلك بوضوح فهل استطاع ان يغير من واقع الاحتلال شيئ ؟؟؟ ماذا سيضيف الإعلان للمجتمع الدولي ؟؟؟ نعم سيكون قرار اممي جديد بالانسحاب من أراضي الدولة المحتلة !!! قرار يضاف الى سلسلة القرارات الدولية التي علتها الغبار ، وما الضرر في ذلك ؟!!! قرار جديد ، لم لا ؟؟!!!
حتى الان لم أضف جديدا لما يقال ، أليس كذلك ؟؟؟؟
نعم ، لم أضف جديد ، هذا صحيح ، لنأتي للجديد .
الجديد ان اعلان دولة تحت الاحتلال ينطوي على أمرين اثنين : الامر الاول للهروب من التساؤلات حول دور السلطة في ظل انسداد الأفق امام حل الدولتين ، فالسلطة تعتبر سلطة حكم اداري ذاتي مؤقتة وفق اتفاقات اوسلو ستنتهي بالانسحاب الاسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية ، وفِي ظل انسداد هذا الأفق تصبح سلطة حكم اداري ذاتي دائمة ، ولم تعد طريقا للدولة ، هذا الوضع المربك جعل التفكير في اعلان دولة احت الاحتلال عملية دفن للرأس في الرمال ، نظريا نصبح دولة وعمليا تستمر سلطة حكم اداري ذاتي ، انه طريقة ملتوية للتعاطي مع الامر الواقع بأساليب ملتوية ، ان استحقاقات الإعلان عن دولة تحت الاحتلال جزء اصيل من الإعلان ، ولكن عندما نعلن عن دولة تحت الاحتلال ونهرب من المعنى العملي لهذا الإعلان وهو تحميل الاحتلال مسئولية وكلفة الاحتلال ، فإننا نجري عملية تجميل لسلطة الحكم الاداري الذاتي لا اكثر . الامر الثاني الذي ينطوي عليه هذا الإعلان هو الإبقاء على حقيقة النخب التي خلقتها واقع السلطة بما يعني من امتيازات لها ، ان الواقع الذي نعيشه خلق موضوعيا فئتين في المجتمع الفلسطيني ، فئة حققت امتيازات اجتماعية واقتصادية وسياسية وهي نخب سياسية واقتصادية متحالفة ، وفئة - وهي الغالبية العظمى من الجماهير - زادت معاناتها من الاحتلال من جهة ومن تردي الواقع الاقتصادي من جهة اخرى ، ان اعلان دولة تحت الاحتلال يكرس هذا الوقع ويعمقه .
هل اصبح الامر واضحا ؟؟!!! ربما اصبح اقرب للوضوح ، لكن ليكون الامر واضحا كما يفترض فان تلك الخطوة تشكل تصعيدا شكليا وابقاء عمليا للواقع وبالتالي تحقق رضا الجماهير الفلسطينية النسبي وتعطي النخب مبررات لاقناع الجمهور بان شيئا قد تغير بينما في واقع الحال تبعث رسالة للآخرين بان لا شيئ موضوعيا قد تغير سوى المسميات التي لا تقلق اسرائيل او امريكيا بها . نستطيع الفهم تماما ان النخب طالما لا تريد تجاوز فكرة السلطة لا تستطيع حتى لو رغبت وقف التنسيق الأمني ، او وقف التعاطي مع الاسرائيلي بذات السياقات السابقة ، فإنشاء السلطة بالنسبة للاسرائيليين هو مشروع أمني بالدرجة الاولى وثانيا هو مشروع لتخفيف كلفة الاحتلال واذا ما انتفت هاتين المسألتين ستقدم اسرائيل ذاتها على هدم السلطة ، لهذا فالهامش الفلسطيني هو التحرك كيفما يشاء الفلسطينيين مع الحفاظ على تلك المسألتين .
خبراء السياسة الفلسطينيين او بعضهم يقول ان التصعيد اكثر مما تم سيجعل الفلسطينيين يدفعون الثمن غاليا ، ربما هذا صحيح ، لكن عدم التصعيد سيجعلنا ندفع ذات الثمن لكن ببطئ ، فلم نكن نصعد عندما اتخذ قرار امريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ولم نكن نصعد عندما اتخذ قرار بتطبيق القانون الاسرائيلي على المستوطنات او إعدام الاسرى او بناء عشرات الالاف من الوحدات الاستيطانية او .... او .... او .... مما لا يحصى من إجراءات جميعها تهدف لتشريع الاحتلال وترسيخه وتحويله الى امر مشرع سياسيا . وثانيا في ظل عدم التصعيد ماذا ننتظر ؟؟!!!! هل من أفق لأي شيئ سياسي ؟؟!!!! سيقول البعض وهل نملك موضوعيا ما يغير هذا الوضع ؟!!! سؤال في مكانه ، ولكن نملك القدرة على بناء استراتيجية تجعلنا في وقت ما وليس ببعيد جدا ان نغير هذا الوضع ، وليس صحيحا اننا فقدنا الخيارات ، فدائما هناك خيار اخر ، لكن وبما فقد البعض القدرة على تحمل تبعات الخيارات الاخرى .
اننا امام منطق في التفكير لا يخرج عن السياقات التي اوصلت الحالة الفلسطينية لمثل هذا الوضع ، وليس قدرا اننا وصلنا الى وضع كهذا ، انه نتاج سياسات كان من الممكن انتهاج غيرها . لكن ومهما حاولنا الاحتيال على الواقع وإطالة امد المرحلة فإنها قد انتهت او تكاد تنتهي ، ولكل دولة رجال .