الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

نحن والعرب والتسوية

نشر بتاريخ: 13/01/2018 ( آخر تحديث: 13/01/2018 الساعة: 18:11 )

الكاتب: د.محمد المصري

الأسلوب الأمريكي الجديد في معاقبة الفلسطينيين ومحاولة تركيعهم، يتناغم مع التسارع المتغول لدى الاحتلال الإسرائيلي في تطبيق ما كان هذا الاحتلال يحلم به، فمن جهة، يحاول الأمريكي أن يجفف مصادر دعمه للسلطة الوطنية وللأونروا، وأن يضغط باتجاه التخلي عن أسر الشهداء والأسرى، ويحاول إثارة ما يسمى بالتحريف في المناهج الفلسطينية، من أجل أن يبرر لذاته التوقف عن دعم المؤسسات الدولية التي تنفق على الشعب الفلسطيني وتجمعاته المختلفة، ومن جهة أخرى، فإن الإسرائيلي المحتل يرى في وجود ترامب وقراراته، فرصة قد لا تعوض من أجل تغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي والسياسي.
يرى الأمريكي والإسرائيلي معاً، أن هذه فرصة تاريخية قد لا تتكرر أبداً، من أجل القيام بأمرين هامين باتجاهين مختلفين، الأول: هو إخضاع الفلسطيني ونفيه وإخراجه من المشهد كله، أما الثاني: فهو دمج الإسرائيلي في المنطقة، من خلال قبوله والتطبيع معه دون أن يدفع ثمن ذلك.
يرى الأمريكي والإسرائيلي معاً، أن هذه فرصة لا يجدر فيها التفاوض مع الفلسطيني أو حتى الاعتراف به، فما يقوم به كلٌ منهما إنما يشير إلى أنهما يريدان فرض التسوية بالقوة، تسوية يتم فيها إخراج الفلسطيني من المشهد وإدخال أو احلال الإسرائيلي مكانه، وما كان هذا ليكون لولا أن الأمريكي استطاع فرض معادلة جديدة للصراعات، وأنه استطاع أن يملي على المنطقة نوعية تحالفاتها وحجمها، فقد استطاع من خلال دعمه وتغطيته، بشكل علني أو من خلال وكلاء، أن يختلق ويفرض صراعات طائفية وجهوية وقومية ودينية في المنطقة، تواري معها الصراع الأساسي والحقيقي، بل أكثر من ذلك، إذ يتبجح البعض بأن الصراع ضد الإرهاب أو ضد إيران أهم من التهديد الإسرائيلي، ونحن لا نقلل من خطر الإرهاب ولا خطر الهيمنة الإيرانية، ولكن ذلك ما كان ليكون أيضاً لولا التهاون والتراخي وحتى الهزيمة أمام المشروع الصهيوني.
الآن، وقد حدث ما حدث، فإن ما يجري حقيقة هو حشر القيادة الفلسطينية في الزاوية، بحيث تقلل من شروطها وتتنازل عن مواقفها وتنزل عن الغصن العالي من الشجرة التي صعدت إليه، مرة بحجة العقلانية، ومرة بحجة أن ليس هناك من راعٍ سوى أمريكا، ومرة بحجة أن الواقعية تقتضي بعض المرونة، ومرة بحجة أن من الحكمة عدم إغضاب أو حرق السفن في الموانئ العربية، وحتى لا ندخل في تفاصيل محرجة ومروعة، فإننا نعتقد أن موقف القيادة الفلسطينية حتى الآن هو موقف يلتقي ويحقق المطالب الجماهيرية بالمجابهة والوقوف ضد الهجمة الأمريكية والإسرائيلية غير المسبوقة، وبالتالي سينعقد المجلس المركزي في رام الله يوم الأحد الموافق الرابع عشر من هذا الشهر، بعد تباطؤ في دعوته، من أجل إنجاز المشاورات والاتصالات، رغبة من القيادة بأن يحضر الكل الفلسطيني .. وبعد كل هذا، ماذا بعد أن الشعب الفلسطيني، بكافة قطاعاته، لا يطلبون من القيادة شن حرباً نووية ضد الولايات المتحدة، ويُعرف لأبناء شعبنا بأن أمتنا العربية تمر بظروف لا تسمح لها "بخوض حرباً" إلى جانب حروبها المستعرة فيما بينها، وبالرغم من ذلك، شعبنا يطالب قيادته بأن تأخذ القرارات التي يجب أخذها، قرارات تؤكد على الحق الفلسطيني، وترد على المعتدي بحجم وقدرات شعبنا، هذه القدرات من الإرادة والإمكانية بأن تهزم المشروع الاستعماري الأمريكي الصهيوني.
نريد قرارات يمكن تنفيذها، تعيد تقويم العلاقة مع دولة الاحتلال بشكل واضح، والبدء بمرحلة جديدة بالمواجهة الشعبية، وهي قادرة على هزيمة المحتل.
نريد قرارات تلامس عقول وقلوب كل شعبنا، أي نريد الأفضل لدى القيادة، وليس الممكن، لأن ترامب لم يبقي لنا شيئاً، ويريد منا كفلسطينيين وكعرب أن نرفع الراية البيضاء ونستسلم، وهذا لن يكون.
وبما أن الإسرائيلي والأمريكي يبدأن صفحة جديدة من الصراع، عنوانها الأساسي هو إخضاع الفلسطيني وعدم التفاوض معه، وترويض العربي وإجباره على قبول إسرائيل، فإن من الممكن أيضاً أن نبدأ ذات المرحلة بعنوان أساسي هو: إعادة النظر في العلاقة مع الإسرائيلي والأمريكي على قاعدة من الندّية وعدم الخوف.
وهذا يعني أن الأخوة والأشقاء العرب عليهم أن يروا وأن يعتبروا من مألات التسوية أو السلام مع الإسرائيلي أو الأمريكي، إذ أن هذه المألات غير مضمونة وغير آمنة، فالأمريكي – من خلال صحافته مرة أو من خلال مسئوليه مرة أخرى – يستطيعون كشف المستور أو الابتزاز لأقرب المقربين.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، كم شعرنا بالإهانة والذل ممن كنا نعتقد أنهم لن يفعلوا ذلك.
السلام أو أي تسوية، إن لم تكن تقوم على قاعدة الندّية والتكافؤ والمصلحة، فإنها تسوية تقود إلى الهاوية، هذا درس علينا جميعاً أن نتعلمه.