الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما بعد حل الدولتين

نشر بتاريخ: 22/01/2018 ( آخر تحديث: 22/01/2018 الساعة: 12:22 )

الكاتب: حيدر عيد

برزت على السطح مؤخرا قضية تبني حل الدولة الديمقراطية الواحدة كرد فعل على الخطوات العملية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية، والحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وتصويت حزب الليكود اليميني الحاكم لصالح قرار بضم أراضي الضفة الغربية. وتبلور إجماع فلسطيني، كردة فعل، على أن إعلان الرئيس الأمريكي أصبح نقطة تاريخية فارقة في مسار القضية الفلسطينية والحلول التي تم تبنيها طوال الفترة الخيرة اعتماداً على وساطة أمريكية كنا قد اقتنعنا أنها مؤيدة لحل الدولتين، وبالتالي فإن المطلوب منا كان إبداء المرونة المطلوبة فيما يتعلق بحقوق اللاجئين و فلسطينيي ال48. البعض، كحركة حماس، التحق بقطار هذا الحل متأخراً من منطلق القناعة بأن ما يسمى بالمجتمع الدولي لن يسمح بأكثر من ذلك، و أن "المرونة السياسية" فيما يتعلق بالحقوق الأساسية مطلوبة.
وكرد فعل أيضاً، بدأ بعض أنصار حل الدولتين بإشهار فزاعة "حل الدولة الواحدة- ثنائية القومية" متناسين أن الولايات المتحدة أيضا دول واحدة, كذلك المملكة المتحدة! ولكن المشكلة تكمن في "ثنائية القومية" في السياق الكولونيالي, حيث أن هذا الطرح مبني على أساس وجود مجموعتين قوميتين, اليهود والفلسطينيين, وأن لهما نفس الحقوق في الأرض وبالتالي التبعية الأخلاقية. وهذا طرح ملغوم بإشكاليات تاريخية وأيديولوجية كون اليهود مجموعة دينية تحاول الصهيونية أضفاء طابع قومي عليها وبالتالي يتم ربطها بحقوق قومية و تاريخية بالأرض على حساب السكان الأصليين. وتكمن الإشكالية أيضاً أن تبعيات ذلك تعني القبول باعتبار الصهيونية حركة وطنية تدافع عن حقوق اليهود كونهم قومية لها حقوق تاريخية في هذه الأرض تساوي حقوق الفلسطينيين التاريخية. وهكذا تتحول حركة استعمار استيطاني إلى حركة تحرر وطني بموافقة المستعمَر!
وهنا يتحتم على قوى الشعب الفلسطيني الحية أن تسأل الأسئلة الصعبة المتعلقة بالبديل.
معارضو حل الدولة الديمقراطية الواحدة، المرتبط بعودة اللاجئين وتعويضهم، وهؤلاء عادة إما ينتمون لما يسمى "اليسار الصهيوني" أو اليمين العربي العلماني (مع انضمام حماس مؤخرا للقائمة) و يؤيدون حل الدولتين العنصري "كقدر" مرتبط بإرادة دولية, لم يكونوا أيضا يتصورون مستقبلاً به جنوب أفريقيا بلا أبارثهيد! فالغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن لتسمح بسقوط النظام الأبيض , واحة الديمقراطية في القارة السوداء في مواجهة البربرية الأفريقية! ألم يكن هذا موقف الرئيس الأمريكي ورئيسة وزراء بريطانيا في ثمانينيات القرن المنصرم؟ ألم يبق اسم مانديلا على قائمة الإرهاب الأمريكية حتى عام 2008؟ ألم يُعتبر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والحزب الشيوعي هناك منظمتان إرهابيتان؟
وعليه، فإننا، سكان المناطق التي احتلت عام 67 و سكان المنافي و مناطق ال48, مطالبون ببلورة رؤية استراتيجية واضحة المعالم لا تتعارض بأي شكل من الأشكال مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و لا القانون الدولي، على الرغم من سيئاته، في إدانته للأبارثهيد كثاني أكبر جريمة ضد الإنسانية، بعد الإبادة الجماعية، رؤية تعرّف طبيعة العلاقة بين إسرائيل كدولة استعمار استيطاني بكل ما تعنيه الكلمة و شعب أصلاني يناضل ضد هذا الشكل من أشكال الاضطهاد الكولونيالي. وبعيداً عن الفرقعات الإعلامية، والخلافات الداخلية التي تستنزف طاقات الشعب الفلسطيني، يتم العمل الكفاحي بطريقة خلاقة تعلم إسرائيل جيداَ مدى جديته وخطورته الاستراتيجية على نظامها الاستعماري في القرن ال 21, عمل كفاحي يربط بين المقاومة الشعبية على الأرض وحركة تضامن أممي تقودها وتوجهها حركة المقاطعة، بي دي أس، التي تتبنى أدوات لا تستطيع إسرائيل مواجهتها، كما تثبت التقارير اليومية القادمة من أروقة الاستخبارات والحكم.
المطلوب، في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، قلب صفحة خرافة "الاستقلال الفلسطيني" التي استنزفت الطاقات على مدى عقدين من الزمن والبدء بطرح رؤية استراتيجية تبعث الأمل مرة أخرى بإمكانية، بل وواقعية التحرير.