السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الرجل أخذ موقفا والرجال مواقف

نشر بتاريخ: 31/01/2018 ( آخر تحديث: 31/01/2018 الساعة: 11:40 )

الكاتب: عوني المشني

ربما انه ليس ثوريا كجيفارا او كاسترو، ولا يمتلك مدا جماهيريا كجمال عبد الناصر، وليس لديه قوة عسكرية مثل ماوتسي تونغ او برجنيف، لكنه يمتلك ما يؤهله لان يقول لامريكيا وبالفم الملآن وبدون اي مجاملة: نرفض مواقفكم، ولا نريد وساطتكم، وسنبقى متمسكين بالقدس.
ان تقول هذا لامريكيا يعني ان تمتلك ثورية جيفارا، وجماهير عبد الناصر وقوة برجنيف... ان تقول هذا يعني ان تواجه القدر الامريكي، السطوة الامريكية، الكارتيلات الامريكية، جمهوريات الموز الامريكية... ان تقول ذلك يعني ان تضع روحك اولا وتاريخيك ثانيا ومستقبلك ثالثا على كفك .... ان تقول ذلك يعني ان تعلن الحرب على اكبر قوة على وجه الارض ، ان تقول ذلك يعني ان تواجه قدرا امريكيا استعماريا غاشما وظالما.
ترى على ماذا يستند الرئيس محمود عباس عندما يقدم على هذه " المغامرة المجنونة " ؟؟!!!!
هو ليس بثورية جيفارا وكاسترو ... نعم ، هو لا يمتلك الجماهيرية التي يمتلكها جمال عبد الناصر ... نعم ، هو لا يمتلك الرؤوس النووية التي يمتلكها برجنيف .... نعم . ومع ذلك يمتلك قلب أسد ويقين نبي وزهد قديس ويعلن جهارا ليس رفضه لقرار امريكيا بل ورفضه لإرادتها وسطوتها وهيمنتها ووساطتها ، على ماذا يستند ؟!!!
ربما ان الرجل يتصرف بمنطق انه وبعد هذا " العمر الطويل " لم يبق ما يخاف عليه، ربما ان الرجل قد فاض به الكيل بعد ربع قرن من " مجاراة امريكيا "، ربما ان الرجل قد وصل الى قناعة صادمة ان امريكيا تخدعه بعد ان لبى كل متطلبات استحقاق الدولة، كل ذلك يأتي من باب التخمين والتوقع والاستنتاج، لكن الشيئ المؤكد والذي لا جدال فيه هو ان الموقف الامريكي قد تجاوز كل الخطوط الحمراء ولم يبقي اي مجال للمناورة ، الموقف الامريكي وصل الى القدس ، التي استشهد ياسر عرفات من اجلها ، القدس بوابة السماء الى الارض ، القدس أولى القبلتين ، وعندما تصل الامور الى القدس يرتفع الأدرينالين الى الحد الذي لا يبقى فيه خوف او مهادنة او حتى احترام .
الرجل ادرك ان امريكيا ترامب لم تعد حليف اسرائيل فحسب بل القوة الكامنة خلف استمرار الاحتلال ، والفرق كبير بين امريكيا كمساند لاسرائيل وامريكيا كمساند للاحتلال الاسرائيلي ، وعندما تصبح امريكيا كذلك لا يجوز الا الموقف التي اتخذ .
صحيح اننا كنّا ننتظر ساعات في " الكارودور " انتظارا لمرور اي مسئول امريكي رسمي ولو من الصف العاشر ليلقي علينا التحية ، صحيح اننا بذلنا جهدا وقدمنا مواقف من اجل ان تقبل امريكيا بالتعاطي معنا في منظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني ، صحيح اننا وظفنا كل وسطاء الارض لفتح خطوط مع امريكيا ، ولكن الصحيح ايضا اننا سنضرب كل هذا بعرض الحائط عندما يتعلق الامر بتصفية القضية الفلسطينية واهدار دم القدس .
نعم فان الرجل ناعم الملمس ولكنه قاسي العظم ، ينحني امام اي هبة ريح ولكن لن تقتلعه العواصف ، دبلوماسي الى حد المهادنة ولكنه صلب الى حد الفولاذ ، يستطيع التنازل الى حد الاتهام ولكن عندما تصل الامور للخطوط الحمراء فانه صلب الى حد الدوغماتية .
من قال ان الرجل لا يهتم للمساعدات المالية ؟؟!!!! انه يهيم على وجههه بحثا عن اي فلس لاستكمال مرتبات الموظفين، ولكن "تجوع الحرة ولا تاكل بثدييها" فالقدس هي شرفنا وكرامتنا وعرضنا ، نجوع ولا نفرط بها . من قال ان الرجل يستهين بانتقام امريكيا ؟؟!!! امريكيا قوة غاشمة لا تعرف الرحمة ولكن الرجل يخشى الله اكثر ، ويخشى ضميره اكثر ، ويخشى انتماءه الوطني وعروبته اكثر .
قرارات ترامب لم تبق للرجل الا شرف الموقف، وغزة النفس والكبرياء الوطني ، والمسألة مسألة وقت ، القدس درة التاج وعروس المدائن ستبقى مكانها فلسطينية عربية اسلامية ، وفلسطين ستفرض نفسها على الخارطة الكونية ، واليوم الذي ستدرك فيه الادارة الامريكية انها ارتكبت خطأ عمرها ليس ببعيد ، هذا ليس من باب الأمنيات ، والمواسم لا تكذب أيامها .
الرجل انتصر لشعبه ولوطنه ولكرامته ولدينه ، وما كان له الا ان ينتصر . الرجل صبر صبر ايوب على امريكيا ولكن فاض الكيل ، الرجل اخذ موقفا والرجال مواقف .