الأربعاء: 08/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

كيف نحمي القدس ونهزم ترامب؟

نشر بتاريخ: 03/02/2018 ( آخر تحديث: 03/02/2018 الساعة: 09:27 )

الكاتب: رفعت شناعة

الاجابة تحدد مصير القضية الفلسطينية، ومستقبل الشعب الفلسطيني، والتحول الذي ستشهده المنطقة جراء الصراع العنيف والحاد والجذري في المنطقة. سياسياً هو صراع بين محورين أساسيين، المحور الترامبي الاسرائيلي - الصهيوني الذي يقوده الرئيس الاميركي الحالي، والذي يحمل لواء تصفية القضية الفلسطينية، ونَسْفِ كافة قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بمصير الشعب الفلسطيني، ويسانده، ويبارك ويدعم خطواته كافة رمزُ التطرف الارهابي الصهيوني نتنياهو، والذي يشكِّل أخطر وأَهم محرِّض وشاحن مملوء بالأحقاد التاريخية، والملطَّخة يداه بدماء أطفالنا ونسائنا. ويسعى نتنياهو ومعه فريقه اليميني الصهيوني ليبرمان، وبنيت لعصْرِ طاقات ترامب، واستنفاده حتى الحثالة، وليس مهماً بعد ذلك كيف ستكون ردود فعل الشعب الاميركي على سلوك هذا الرئيس الارعن، الذي وضع المصالح الاسرائيلية الصهيونية فوق كافة الاعتبارات والمصالح التي تعني الشعب الاميركي الذي إعتاد عليها مع الرؤساء السابقين.
إنَّ ترامب أشعل النار في المنطقة، وهو أشبه بنيرون الذي أحرق روما، وجلس يتمتع برؤية اللهيب، تماماً كما يتمتع اليوم ترامب باشعال وحرق عملية السلام، وفرض القوانين الصهيونية العنصرية لنسفِ الحقائق، وتكريس المزاعم والخرافات والأضاليل التي عممتها أَحزاب اليمين الاسرائيلي على حساب مجريات التاريخ، وتضاريس الجغرافية الفلسطينية.
ونحن لا نبالغ اذا قلنا بأن العالم يقف اليوم على رجلٍ واحدة مصدوماً بحالة الرعب السياسي، والمفآجات المدمِّرة والمصيرية. ولكن متى سيتمكن هذا العالم من الوقوف على رجليه بثبات ليقول كلمته الحاسمة بشأن عدم السماح لأي طرف دولي، أن يفرض سيطرته وهيمنته على هيئة الامم المتحدة، وأن يصادر قراراتها، وان يتحكم بمصير أعظم وأخطر قضية، وهي القضية الفلسطينية.
أما المحور الثاني فيتزعمه الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين وعاصمتها القدس، وهذا المحور يفتقر إلى وجود الصواريخ والقنابل الذرية والنووية، ويتميَّز بأنه جائع إقتصادياً، ومحاصرٌ مالياً، ويتعرض لحرب إعلامية قاسية وخبيثة ومدروسة، نابعة من مدارس صهيونية، واجنبية حاقدة، وأخرى يتحدث بعضها باللغة العربية المسمومة، وبعض الكتاب الذين استنفدوا ما لديهم من عبارات ومصطلحات الحقد، والضغينة، والتأليب، وزرع الفتنة، وتوجيه الطعنات ليل نهار للقضية الفلسطينية، ولقيادتها الشرعية، التي تحمل لواء التحدي بوجه أعظم وأخطر مؤامرة عرفها التاريخ المعاصر، وهؤلاء الاعلاميون بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، أو العقدية، أو المذهبية، أو القطرية، وعبر القنوات، والاذاعات، والصحف، والوكالات متعطشون لقراءة الفاتحة على تصفية القضية الفلسطينية، وعلى كل من يحمل راية الصمود بوجه جبهة ومحور ترامب نتنياهو.
إن الرئيس محمود عباس الذي كان أول من فجَّر معركة التحدي بوجه ترامب وبكل جرأة، وقال له ومِن على كافة المنابر الدولية، أنت لسْتَ وسيطاً نزيهاً، ونحن نرفض دورك في رعاية المفاوضات السياسية لأنك غير صادق، وأنت بقرارك الأخير تقديم القدس الفلسطينية العربية، والاسلامية المسيحية عاصمة للاحتلال الصهيوني، وتحديك لقرارات الامم المتحدة أصبحتَ في جبهة الأعداء. ونحن طلَّقنا الرئاسة الاميركية لانحيازها وتآمرها على حقنا في تقرير مصيرنا كشعب فلسطيني مشرد منذ سبعين سنة، وكنا ننتظر المكافأة لنا من العالم الحر، لكن ترامب الذي تسكنه الصهيونيةُ وجَّه لنا وللعالم صفعةَ العصر، التي سمَّاها صفقة العصر.
إنَّ الرئيس محمود عباس الذي يحمل لواء القضية الفلسطينية، وهموم الشعب الفلسطيني بكل جرأة، وبكل وضوح هو متسلحٌ اليوم بإرادة شعبه الوطنية، ومتمسك بضرورة إتمام الوحدة الوطنية الصادقة، والتي عنوانها بناء استراتيجة فلسطينية بعيدة عن المحاصصة، والمناكفة، والانتهازية، وتقاسم الأدوار، وانما تكون قائمة على المصداقية، وحسم الخيارات الوطنية، وتكريس الشراكة الفلسطينية، وتفعيل الأطر الوطنية، وتجديد الشرعيات عبر الانتخابات الديموقراطية، لتسهيل عملية التوافق على اتخاذ القرارات المصيرية في مواجهة التحديات الكبيرة.
الرئيس أبو مازن يتصدر قيادة محور مواجهة ترامب الذي يحمل مشاريع جهنمية لتقويض القضية الفلسطينية، سواء ما يتعلق بالتآمر على مصير القدس، أو ما يتعلق بالغاء وكالة الانروا التي أُسست بقرار من الامم المتحدة العام 1949، وبالتالي هي الشاهد السياسي والقانوني على مأساة الشعب الفلسطيني، وأيضاً فإن قرار إعتراف الجمعية العمومية بوجود دولة اسمها (إسرائيل) مرتبط بالتزامها في تنفيذ قرار 194. أي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم التي شردوا منها، والتعويض عليهم. والكيان الصهيوني يريد بوجود ترامب أن يتخلَّص من كافة القرارات التي تؤكد حقَّ الشعب الفلسطيني في أرض فلسطين التاريخية المحتلة من قبل الجانب الاسرائيلي.
والرئيس أبو مازن حدَّد مسار الكفاح الوطني الفلسطيني في هذه المرحلة، فهو يدعو دول العالم، والهيئات الدولية بما في ذلك مجلس الامن والجمعية العمومية إلى تنفيذ قرارات الامم المتحدة، والمؤسسات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لأنها من حقوق وانجازات الشعب الفلسطيني. كما أنه يسعى إلى فتح الجبهة الدبلوماسية والسياسية لإشغال المنظمة الدولية باتخاذ قرارات لحماية الشعب الفلسطيني أسوة بباقي الشعوب. وأيضاً تفعيل مشروع القرار السياسي الذي يطلب من مجلس الامن ومن الجمعية العمومية الاعترافَ بدولة فلسطين كاملة العضوية وعاصمتها القدس الشرقية تحت الاحتلال. وهذا ما يساعد في شق الطريق أمام الاستقلال، والسيادة، والحرية، وإزالة الاحتلال. وبالتالي تنفيذ القرارات تحت البند السابع نظراً لسطوة الاحتلال. واصراره على منع شعبنا من تقرير مصيره.
الرئيس أبو مازن من خلال قراءته للواقع الدولي والعربي الذي يقف إلى جانبنا في التصويت في الامم المتحدة، ولكنه غير مستعد أن يخوض معركة مصيرنا نيابةً عناَّ. فالدول اليوم تحكمها المصالحُ وليس المبادئ، وترامب يحارب دول العالم بقطع الاموال، وتجفيف الموارد، وشل إقتصاد الكثير من الدول لفرض الاملاءات السياسية عليهم، ومحاصرة القضية الفلسطينية. ولذلك فإنَّ الرئيس محمود عباس الذي يكملُ اليوم رسالةَ الرمز ياسر عرفات بالصمود، والتحدي، وخوض معركة القرار الفلسطيني المستقل، ورفض الوصاية، والتهديدات، والإملاءات مهما كانت قّسْوتها ومآلاتها.
هو يدرك أنَّ معركتنا اليوم شرسة وقاسية وخطيرة، وتحتاج إلى الحكمة والدراية، والحفاظ على القدرات الذاتية، وحسن إدارة المعركة من حيث الأهداف، والادوات، والأساليب، ودراسة الواقع، وتجييش العالم إلى جانب حقنا المشروع في الاستقلال، وإزالة الاحتلال. وعندما يركز الرئيس في قراراته مع القيادات والأطر الفلسطينية على المقاومة الشعبية السلمية ، فهو يقول عملياً نحن نريد مقاومة شعبية مستمرة تشد العالم إلينا، ونحن أيضاً لا نريد الانتحارَ أي الموت الجماعي، نحن نريد أن نقضَّ مضاجعَ الاحتلال، وأن ندفع العالم إلى أخذ دوره، وفضح الممارسات الصهيونية الاميركية الاسرائيلية، وأن يغطي الصمودُ الفلسطيني، والمواجهاتُ اليومية، والاخبارُ الفلسطينية كل ساحات العالم وشعوبه.
إن الرئيس أبو مازن الذي يتقدم الصفوفَ اليوم متحدياً كل الاجراءات الاجرامية، هو نفسه الرمز ياسر عرفات الذي تحدى كلينتون ورفض الاستسلام، وأعلنها إنتفاضةً جامحة بدأت مقاومةً شعبية كما كان المخطط، ولكنها تحولت عسكرية، وكانت التكلفة باهظة. فدائماً تطورات الصراع هي التي تفرض على القيادة اتخاذ القرارات المناسبة، بما يتعلق بالقرارات العسكرية، والسياسية، والامنية.
نصيحتنا لكل المضلَّلين، والمحَّرضين، والمكلَّفين بتعمُّد الاساءة والتشهير لسيادة الرئيس أبو مازن، والنيل منه أن يتوقفوا عن هذه المهمة القذرة التي مارسوها ضد ياسر عرفات، وهو محاصرٌ على فراش المرض، وبعد استشهاد ياسر عرفات شهيداً.. شهيداً.. شهيداً.. جاؤوا ليقدموا الاعتذارَ لفتح لأنهم كانوا يجهلون الحقيقة. واليوم السيناريو نفسه يتكرر. فالرئيس أبو مازن يصدُّ الهجمات، ويقاتل على العديد من الجبهات، فمن جهة يتصدى لمشروع ترامب التصفوي، ومن جهة أخرى يتصدى لحكومة نتنياهو الاحتلالية الصهيونية، ومن جهة ثالثة هو يصمد ويصبر على سهام ذوي القربى المسمومة المتناغمة مع الاعلام الإسرائيلي. ولا ننسى أن بعض هؤلاء يحلمون بأن يكون لهم موقع متقدم في السلطة على أنقاض مسيرة القائد أبو مازن.
وهناك من يريد أن يكون شاهداً ومشاركاً عبر الابواق الاعلامية، والدهاليز الأمنية على تمزيق الإنجازات الوطنية، لفتح الطريق أمام روابط القرى، والانتهازيين، والمتسلقين للحصول على شهادة حسن سلوك من الاحتلال الصهيوني.
_________________
* عضو المجلس الثوري