الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

فلسطين رأس حربة ضد صفقة القرن

نشر بتاريخ: 05/02/2018 ( آخر تحديث: 05/02/2018 الساعة: 11:36 )

الكاتب: عوني المشني

من جديد وتأكيدا للظنون يؤكد المسئول الامريكي غرينبلانت ان صفقة العصر في في اخر مراحلها قبل الاعلان ، " الطبخة تحتاج الى بعض الملح والبهارات فقط"، والصفقة ليست مرهونة بموافقة الفلسطينيين حيث انها صفقة إقليمية والفلسطينيين ليسو طرف مقرر فيها ، ويرى المبعوث الامريكي لعملية السلام ان هدف الصفقة هو حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي للتمكن من تشكيل تحالف إقليمي ضد ايران .
هذه التصريحات توضح معالم المرحلة التالية والتي يفترض قراءتها بعناية وبعمق
اولا : طالما ان حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفق التصور الامريكي الجديد ليس مرهون بموافقة الفلسطينيين فان ذلك يعني ان صفقة العصر جاءت لتفرض على الفلسطينيين بسطوة القوة الامريكية الاسرائيلية وبتواطؤ إقليمي ، فالصفقة وفق غرينبلانت مطروحة للتنفيذ وليس للمفاوضات .
ثانيا : ان هدف الصفقة هو تشكيل تحالف ضد ايران ، هذا يعني ان الأطراف المعنية بهذا التحالف موافقة ضمنا على الصفقة ، وكل ما يقال غير ذلك ذَر للرماد في العيون ، فالعدو المركزي لهذا التحالف هو ايران واسرائيل دولة حليفة
ثالثا : ان الحل يقوم على أسس أصبحت واضحة : القدس عاصمة اسرائيل وخارج التفاوض ، إنهاء قضية اللاجئين وفق منطق غرينبلانت نفسه ان من ولد في بلاد اخرى ليس بلاجئ ، والمستوطنات ليست عقبة امام السلام ، وهذا يعكس طبيعة هذه الصفقة بوضوح. بدون رتوش .
الى هنا يكفي لتحديد ملامح المرحلة المقبلة ، مرحلة أصبحت واضحة وتعني : لا يوجد في الصفقة ما يجعل اي فلسطيني يوافق عليها او يتعاطى معها مهما بلغ من الاستعداد للتنازل ، وان الاصطدام ببعض أنظمة الإقليم بات أمرا لا مفر منه حيث ستنخرط بعض تلك الأنظمة في الصفقة لمواجهة ايران ، وسيكون ذلك مقدمة ليس لحرب بل لحروب قادمة ، وثالثا انه وفِي سياق هذه الصفقة سيعاد تشكيل تحالفات إقليمية جديدة فيها جزء من ملامح الوضع الراهن ولكن في ذات الوقت فيها ما هو جديد ومختلف .
يقول أفلاطون ان " اقوى المحاربين هما الوقت والصبر " ، فهذه الصفقة سيكون عدوها الأكبر هو مقدرة الفلسطينيين على الاحتمال واستعانتهم بالوقت لإفشالها ، وعوامل فشل الصفقة كامنة فيها ، فصفقة تقوم على تصفية حقوق شعب اخر وتشجيع المعتدي هي اخر ما يتوقع له النجاح خاصة انها تتعاطى مع شعب حي استطاع وعبر مئة عام من الصراع ان يفرض وجوده ويواصل كفاحه دون كلل او ملل ، والصفقة قائمة على التحضير لحروب قادمة وبالتالي سيتشكل اكثر من محور ضدها ليس أقله محور ايران وروسيا وسوريا والعراق ولبنان والذي ستنضم له تركيا في مرحلة ما اما الاردن سيبقى خارج " محور الصفقة " ان لم يكن في المحور الاخر ، وليس اخيرا فان قوة الشارعين العربي والإسلامي ومعه الى حد كبير المواقف في اوروبا وغيرها من الدول ستكون جميعها ضد الصفقة ونتائجها لذلك سيكون محور الصفقة معزول دوليا لا يتمتع باي دعم او إسناد .
ان الفلسطينيين سيشكلون رأس حربة في افشال الصفقة بالإبقاء على قضيتهم حية فاعلة ورفضهم الانصياع للضغوط ولهذا فان هذه القضية ستبقى العقبة الكئداء الاقوى في وجه الصفقة ، هذا ليس بالقليل فامريكيا ودور الحلف خاصة العربية منها تدرك تماما ان بقاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي سيكون عائقا أساسيا امام هذا الحلف هو ما يؤرقهم وهذا ما يجعلهم يستميتون لانتزاع قبول فلسطيني بالصفقة مستخدمين مرة الاغراء بالاموال الطائلة ومرة التهديد ، لا عجب ان كنّا نحن الفلسطينيين الطرف الاقوى والاهم في إسقاط هذا التوجه ، هذا ما يفترض ان يترجمه الفلسطينيين في المرحلة القادمة ويحولونه الى استراتيجية قائمة على الثبات الاستراتيجي وتوسيع دائرة العمل في المستويات الشعبية والاوروبية ، ان إدراكنا لهذا سيجعلنا في موقف قادر على افشال المخطط . وهذا ليس صعبا وان كان يحتاج الى قوة احتمال وحكمة وصلابة . وأولا وقبل كل شيئ يحتاج الى علاقة وطيدة بين القواعد الشعبية والقيادات السياسية مبنية على تعزيز الثقة .
اننا امام صفقة آيلة للسقوط وحلف هش يقوده الجنون والتطرف . مثل هذا الحلف سيكون مدانا عالميا اولا ، ومعزولا ثانيا ، ومعادي الديمقراطية وحقوق الانسان وخارج عن منظومة العلاقات الدولية الطبيعية ، وبالتالي لن يكون سهلا عليه تحقيق أهدافه .
ان دولا عديدة ستكون ضده من زوايا مختلفة ، ولعل القدس وفلسطين ستكون سببا مباشرا لعزله ، والازمة امام هذا الحلف ان الفلسطينيين لم يكونو موحدين في تاريخهم بقدر ما هم موحدين ضد صفقة القرن هذه وبالتالي فان انتاج أدوات فلسطينية توافق عليها أشبه بالمعجزة في عصر لم يعد فيه معجزات .
ان فشل صفقة العصر ليس هو الموضوع ، الموضوع متى وكيف ؟؟، فالفشل تحصيل حاصل ، وربما ان هذا الفشل سيشكل المرحلة ما قبل الاخيرة قبل ان تفرض الدولة الفلسطينية على الخارطة .
هذا التفائل ليس نتاج امنيات ، انه نتاج قراءة لمعطيات الواقع ، فالهيمنة الامريكية وان كانت قوية لدى بعض الأنظمة العربية فإنها في ظل ترامب تتاكل عالميا والجبهة العالمية ضد سياسات ترامب تتسع وتتعمق ، واسرائيل تتسع عزلتها وتتعمق بفعل نظام الابارتهايد الذي بات مشرعا وبشكل واضح ، وحتى دولة حلف صفقة القرن العربية فإنها غارقة في مشكلات داخلية واقليمية تكاد تعصف بها ، ولهذا لا قوة حقيقية لهذا الحلف وان كان يمتلك مقومات عسكرية كبيرة ، وهذه المرة فلسطين هي الصخرة التي ستتحطم عليها المؤامرة ، وربما من حسن الطالع ان ترامب بدأ مشواره لتصفية القضية الفلسطينية بالقدس تلك المدينة التي تشكل عنصر توحد عربي إسلامي حولها وبهذا كانت البداية متعثرة .