الأربعاء: 17/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

التحديات الكبرى التي تواجه الفلسطينيين

نشر بتاريخ: 06/02/2018 ( آخر تحديث: 06/02/2018 الساعة: 11:53 )

الكاتب: د.محمود فطافطة

قبل الغوص في جوف هذه التحديات والآليات الكفيلة بمواجهتها نسجل جملة محددات،أهمها:
1.لا يوجد مجتمع أو نظام سياسي يخلو من تحديات، منها ما يمكن التغلب عليه إذا توافرت الإرادة السياسية،والإمكانات المادية،ومنها ما هو مزمن وعميق،قد يودي بزوال دول،وتفكك مجتمعات.
2.أخطر التحديات التي تُبتلى به المجتمعات يتمثل في الركون أمام التحدي تحت ذريعة “القدرية”، فيكون الاستسلام لبواعث هذا الداء هو القاعدة. فلا دواءٌ يَجدي،ولا ناصحٌ يَهدي.
3.اذا لم يُدرك المجتمع الأسباب الحقيقة لانتشار التحديات ومخاطرها فلن ينجح في إزالة ما بداخله من مكائد وويلات.
4.ثالوث الاحتلال والاستبداد والفساد لا يمكن القضاء عليه إلا بإستراتيجية وطنية، ووحدة مجتمعية، وإرادة شعبية، وتضامن الشقيق والصديق.
5.الترتيب الرقمي للتحديات لا يٌقصد منه أولوية الأولى على الثانية وهكذا، فمصادرة مواقف القراء أو النيابة عنهم في تحديد هذه الأولوية أو تلك يمثل قمعاً للحقيقة والحرية، وهذا ما أرفضه دوماً.
استناداً إلى هذه المحددات، فإن أبرز التحديات التي تواجه الفلسطينيين يمكن إجمالها في عشرة، مع التذكير هنا، أن هدفنا من سرد ذلك منطلق من "لا علاج بدون تشخيص ". والتحديات هي:
1.الاحتلال: هو أصل الداء، بسببه تتفرخ الكثير من المآسي والنكبات. بفعل هذا الاحتلال شُرد شعب من وطنه،واغتصبت أرضه ليُقام عليها المستعمرات والجدار العنصري.بسببه استشهد وجرح واعتقل ونفي مئات الآلآف من أبنائنا،إلى جانب ما نتعرض له من عذابات جراء الحواجز اللعينة، ومطاردة الإنسان في رزقه وتعليمه وصحته ومسكنه…إلخ.
2. الانقسام: انقسام الشعوب التي لم تخرج بعد من ربقة الاستعمار لعنة تصيب كل مقومات صمودها وإرادتها. بالانقسام تفتتّ الجغرافيا،وتجزأ النظام السياسي،وتوالدت الأحقاد والاصطفافات البغيضة،واعترى البرلمان شلل عميق. بالانقسام ضعفت الارادة وتشظت المقاومة. وبه انعدمت الرؤية الواحدة ، لستفردّ الرؤى التي تصب "الزيت على نار" الواقع الذي أصلاً هو ملتهب.
3.التسوية السياسية:مضى على "إتفاق أوسلو" 16 سنة،لم يتمكن خلالها الفلسطينيين سوى من بناء "سلطة" بلا أية سيادة. خلال هذه الفترة تضاعف الإستيطان ثلاث مرات،وتصاعد الفقر والبطالة بنسبٍ غير مسبوقة،واعتقدت دول كثيرة أن “قضية فلسطين” حُلت،وأن ما نقوم به من انتفاضات ضد الاحتلال ما هو إلا إرهاب ضد دولة مجاورة.هذه التسوية الظالمة منحت الإحتلال “شرعنة”جرائمه بحق المكان والإنسان الفلسطيني.تمسكنا بأميركا والأُمم المتحدة وقراراتها الدولية فلن نجد سوى انحياز لإسرائيل التي لفظت تلك القرارات،مثلما تفعل مع اتفاقات تلك التسوية.
4.التمويل الخارجي:الحديث عن التمويل طويل ومعقد،ولكن اوجزه ببضع كلمات منطلقاً من المثل العربي:إذا لم يكن طعامك من فأسك فلن يكون قرارك من رأسك”.كم هي كثيرة الأموال التي ضخت في فلسطين،ولكنها لم تخلق تنمية مقاومة أو حتى محركة لأية تنمية حقيقية.معظم هذه الأموال كانت إغاثية وليست تنموية،هدفها الحفاظ على "التسوية" وليست بناء قواعد لدولة مستقلة.لا اعمم ،هنا،بل هناك منح وظفت في مشاريع اقتصادية واجتماعية ساهمت في تشغيل الآلاف وتغذية الاقتصاد ولو بجرعات تنموية بسيطة.
5.تهميش"سداسية القضايا"، والتي نراها تتمثل في(التعليم،الصحة،المسكن،المياه،التقاليد،الديمقراطية). فالتعليم يزاحمه التسرب،والعنف،والأمية،وضيق المكان.أما الصحة فتعاني من إنعدام المشافي في الريف،وقلة الإمكانيات،وترهل الأجهزة،وضعف التدريب،والأخطاء الطبية.وبشأن المسكن فبيوت الملك غالية ومساكن الايجار عالية، والمقاولون يماطلون، و”العيب الخفي” ظاهرة لكثير من المنازل.وبخصوص المياه،فإن شحها يسبب سوء بالتغذية وانتشار للأمراض في كل صيف.كما أن سوء التوزيع، و”مافيا المياه”،وسرقة المياه سلوكيات لا تنقطع.أما التقاليد فغدت”الدين البديل”أو “الدين الشعبي” لأُناسٍ لا يجدون غضاضة في ترك نصوص الدين مقابل التمسك بزمام تقاليد بالية تسيء إلى العقل والقيم والضمير.وتبقى الديمقراطية،حيث أن غياب تداول القيادة في المؤسسات،وسوء الادارة،وفقدان الرسالة،والاهداف والاستراتيجية،ولفظ الآخر،وقمع الند،ومطاردة الحريات،وترويض الصحافة،،وتخمة التوظيف،ونسج المكائد،وضعف الانتاج،وتراجع الانتماء كلها سمات تلازم الحياة الاجتماعية،وتجعل من النهج الديمقراطي بعيد المنال .
6. تراجع القيم: وفقاً للعديد من الدراسات والشواهد فإن البعد المالي طغى على الطابع الروحي والإنساني لدى نسبة كبيرة من الناس،وأن نسبة، مثلها، من”الشباب” غير قادرة على تحديد “هِوية” حاضرها أو رسم معالم مستقبلها.كما أن أُناساً كُثر أصبحوا “متفرجين”على الواقع،لا يتلفظون سوى بأمثال تعبر عن خنوعٍ لحالٍ بائس،فنسمعهم يرددون”اللهم نفسي والطوفان من بعدي”و”الحيط الحيط وقول يارب الستيرة” و”فخار يكسر بعضه” و” حط راسك بين الروس و قول يا قطاع الروس”و” إبعد عن الشر و غنيله”وغيرها كثير.كذلك،فمن أسوأ القيم المنتشرة: عدم الالتزام بالموعد،الكذب،عدم المتابعة،التفكير والحكم الغيبي،التعميم،الإنانية،وعدم الإكتراث،وغيرها.
7. الجواسيس:سألت يوماً سفير الهند السابق لدى السلطة، وهو عالم في السياسة(ذكر الرحمن جوهر)عن أخطر تحدٍ يواجه شعبنا،فأجاب: الجواسيس.ومثل جوابه سمعته من بعض المفكرين والسياسيين العرب والاجانب.هذه “النبتة الشيطانية” زرعت الكثير من النكبات لشعبنا.فمعظم الصف الأول من الشهداء والأسرى ومن اتبعهم من قيادات ومقاومين استشهدوا أو اسروا بفعل هؤلاء الجواسيس المتزايدة أعدادهم،مقابل ضآلة مواجهة شرورهم من السلطات القائمة.
8.ضمور التضامن:بعد أن كانت قضيتنا منذ اربعينيات القرن المنصرم تسبح في “التدويل”،و”الأسلمة “و”التعريب”،ولها من التأييد الواسع،أصبح طابع”الفلسطنة” يخيم عليها،ليضمر التأييد،ويٌقتل التعاون بأيدينا.فالانقسام والقرارات غير الصائبة،وعدم الاهتمام “بدبلوماسية التجنيد” كلها دوافع لهذا الضمور.ولن نسقط ،هنا، قوة العدو في التجنيد لصالحه،وتخاذل بعض قادة العرب وغيرهم في مساندتنا. فأصبحنا بلا أي عمق عمق دولي أو عربي ـ إسلامي،إلا من قليلٍ من الأحرار هنا وهناك.
9.نزيف الأدمغة:هجرة الادمغة الفلسطينية،كما العربية ظاهرة خطيرة على واقع ومستقبل التنمية والتطور.فعندما “تُصدر” عقول المفكرين والباحثين والتقنيين إلى دول أخرى،فإن العمود الفقري للبناء يفتقد،وميزان الحضارة يختل،ونسيج الطبقات يفكك،خاصة المتعلق بالطبقة الوسطى.نزيف الأدمغة نزيف لا يُقدر بثمن، لأن”المهاجر” لا يحقق أي ثمن لوطنٍ قد خدمه في الصغر ليتخلى عنه في الكبر.
10.ترهل المجتمع المدني :الحالة الفلسطينية الصعبة،بأوضاعها السياسية والأمنية والاقتصادية،إلى جانب التمويل الخارجي المشروط حيناً،والمنقط أو المنقطع أحياناً،فضلاً عن غياب استراتيجية جامعة أو رؤية واضحة.كل ذلك ساهم في ترهل المجتمع المدني.فالوظيفة الاساسية لهذا المجتمع هي: تقديم الخدمات الاجتماعية وتنفيذ برامج التنمية الأخرى كمكمل للعمل الحكومي.ولكن ما هو ملموس يجانب هذه الوظيفة،وإن استثنيت بعض المؤسسات،فهي قليلة التأثير،عديمة القرار.لا ننسى هنا الأحزاب،التي بعضها دخل حلبة التصارع،والبعض الآخر يصارع البقاء،ونوع ثالث غدا صريعاً، فلا أثر له أو تأثير.
تصور للحل:لا تجدي مع الاحتلال إلا المقاومة، والانقسام يجب إنهائه فوراً، والتسوية يستلزم إعادة النظر في جدواها. أما التمويل فيجب البحث عن بدائل وطنية وعربية له. و”سداسية القضايا”تتوجب قرار سياسي فاعل،واهتمام دائم لمضاعفة الايجابيات فيها ونفي السلبيات منها،وكذلك الحال بشأن القيم. أما الجواسيس فيمكن زجرهم بالعقوبة القانونية المغلظة. وبخصوص التحديات الثلاثة الأخيرة فعلينا أن نعزز تضامنَا مع الصديق والشقيق، وكذلك،يستلزم منا بناء اقتصاد وبيئة تولي المبتكرين والأذكياء أولوية في الدعم. وعلى من يتصل بالمجتمع المدني كروابط ومؤسسات أن يفعل نفسه ويزيل الترهل عن روحه حتى لا يفقد معناه وبالتالي وجوده.
وقد يسأل البعض:لماذا عشرة تحديات تواجه الفلسطينيين. نقول: قد تقل أو تزيد في نظر هذا الشخص أو ذاك،ولكننا، بعد تمحيص،وجدناها عشرة أساسية، ولها فروع عديدة.