السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

لا حل بدون امريكيا.. لا حل بوجود امريكيا

نشر بتاريخ: 07/02/2018 ( آخر تحديث: 07/02/2018 الساعة: 11:45 )

الكاتب: عوني المشني

كثر الجدل حول دور امريكيا في الحل ومن خلال هذا الجدل برزت ثلاث وجهات نظر: الاولى تقول ان لا حل الا بوجود امريكيا كوسيط منفرد، ويتبنى وجهة النظر هذه امريكيا نفسها واسرائيل، وجهة نظر اخرى يتبناها الموقف الرسمي الفلسطيني بعد قرار ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة لاسرائيل، تقول ان اطار متعدد الأطراف ومن ضمنه امريكيا هو القادر على ايجاد حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، اما الرأي الثالث فيقول ان إمكانية الحل معدومة سواء كانت امريكيا لوحدها او في اطار متعدد وهذا الموقف يعتقد به الكثير من القوى الوطنية والمفكرين العرب والاوروبيين.
وان كان لكل وجهة نظر ما يبررها فان احدى تلك وجهات النظر ما يمتلك مصداقية اكثر من غيره، فافتراض الصواب يوجب وضع وجهات النظر هذه على المشرحة لدراسة معطيات ونتائج هذه الاّراء.
لا حل بدون امريكيا منفردة، هذا الموقف ينطلق من التفكير الكلاسيكي القائل بان امريكيا هي الحليف الاستراتيجي لاسرائيل وهي الجهة الوحيدة التي تمتلك إمكانيات الضغط على اسرائيل لإجبارها على الحل ، وهي وجهة نظر سليمة حتى الان ، لكن باستكمال التحليل ينتج لدينا شيئ مختلف ، فامريكيا لا يوجد لها مصلحة ، ولا يوجد عليها ضغط ، - حتى الان - يجعلها تفكر في ممارسة ضغوط على اسرائيل ، وهي بالقيادة الجديدة - ترامب وفريقه - اكثر تطرفا في مواقفها من مواقف اسرائيل نفسها ، وبالتالي مبرر انفراد امريكيا بالحل يسقط لان امريكيا بهذه الوضعية تتحول الى جزء من مشكلة وليست عامل مساعد في الحل ، وانفراد امريكيا يشجع اسرائيل على التمسك بمواقفها المناهضة لأي حل تكون استحقاقاته انسحاب إسرائيلي من أراضي الدولة الفلسطينية .
اما يعتقد بان اطار دولي بمشاركة امريكيا سيأتي بالحل فهو يرى بان المجتمع الدولي قادر على فرض حل ، والحقيقة التي اختبرتها التجارب التاريخية تقول ان هذا صحيح بالنسبة للكثير من مناطق الصراع في العالم ولكن عندما يتعلق الامر باسرائيل فان الدعم الامريكي لاسرائيل يعطل مفاعيل القانون الدولي ويحول دون تأثير حقيقي للمجتمع الدولي ، وحتى في الحالات النادرة التي غضت امريكيا النظر عن بعض القرارات التي تدين اسرائيل فان تلك القرارات قد بقيت حبرا على ورق . هذا يجعل من الإطار الدولي المقترح شكلا من أشكال الحراك الدبلوماسي يفيد في زيادة تجنيد الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية خاصة في ظل الرفض الاسرائيلي الامريكي له ، وهذا الدور رغم أهميته الا انه لا يحقق حلا للصراع .
تبقى الرؤيا القائلة ان إمكانية الحل معدومة بوجود امريكيا كوسيط وحيد او باطار دولي ، يبدو ان الاستنتاج الاخير من وجهتي النظر السابقتين يقود لتلك النتيجة فامريكيا لا تضغط على اسرائيل والمجتمع الدولي عاجز عن فرض حل لهذا فان انعدام الحل هو النتيجة !!! ولكن هذا استنتاج ميكانيكي ولا يكفي لوحده لتبرير الرؤيا هذه ، اذا ما أضفنا لهذا بان ميزان القوى الذي يميل بشكل حاد لاسرائيل يعطل إمكانية تحقيق عادل يؤدي لتحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية ، اذا ما أضفنا هذا تصبح هذه الرؤية منطقية على اعتبار ان اي حل سياسي بين خصمين هو ترجمة لميزان القوى .
لكن هناك ما يقوض هذه الرؤيا وان كان ليس على المدى القصير ، فتفاقم أزمة المشروع الصهيوني نتاج عودة الشعب الفلسطيني كشعب حي الى الخارطة السياسية بقوة وشبه اجماع دولي ، وصمود هذا الشعب على تراب وطنه رغم كل المضايقات بما يعنيه ذلك من تفاقم أزمة الديمغرافيا ، وانكشاف عورة اسرائيل كنظام فصل عنصري كريه ، هذه العوامل مجتمعة تشكل أزمة حقيقية تتفاعل مع الوقت لتصبح اهم سؤال وجودي يتعلق بمستقبل هذا المشروع برمته ، ان انعدام الحل السياسي يفاقم الأزمة وبشكل متسارع وهذا الوضع سيجعل من الحل السياسي مصلحة إسرائيلية لانه ينهي الى حد كبير ازمة الديمغرافيا ويفك العزلة عن اسرائيل ويزيل المخاطر الاستراتيجية عن الوجود الصهيوني ، وان كانت صفقة العصر محاولة يائسة لوقف تفاقم الأزمة فإنها صفقة تحمل بذور فشلها في داخلها ، وهي اقرب الى المحاولة الاخيرة التي تسبق التسليم بالحقوق الوطنية الفلسطينية ، فما دام الفلسطينيون يرفضون صفقة العصر وخلفهم مد جماهيري عربي واسلامي وايضاً كارهي العنصرية في العالم فان بضعة أنظمة متحالفة مع الولايات المتحدة لن تستطيع فرض تلك الصفقة ، وربما ان ازمة هذا التحالف قد بدأت قبل ان يبدأ التحالف ذاته ، ويكفي ان لا دولة واحدة باستثناء امريكيا واسرائيل تستطيع المجاهرة بقبول صفقة العصر هذه ، هذا يعبر عن رعب هذه الأنظمة من جماهير امتنا الرافضة لهذا المنهج .
هي المحاولة الاخيرة ، وليس ببعيد ذلك اليوم الذي يتضح فيه فشل صفقة العصر ليبدأ التسليم تدريجيا بالحقوق الوطنية الفلسطينية ، كثير من الصلابة الاستراتيجية ، وكثير من الحكمة ، وكثير من التحمل والصبر ، وكثير من حسن الادارة السياسية والداخلية ، هي كل ما نحتاج ، ان الأصوات الخافتة في اسرائيل التي تحذر من الجمود السياسي وانعدام الحل السياسي ستصبح اكثر قوة مع تفاقم الازمة ، نعم ان الفلسطينيين بثباتهم الاستراتيجي ومرونتهم التكتيكية يستطيعون ان يسرعوا ازمة اسرائيل ، ان المراهنة على الزمن لتحقيق مثل هذا الوضع مراهنة في مكانها فالزمن اقوى المحاربين . ولكن الزمن وحده لا يكفي ، فالزمن عنصر أساسي ولكن ادارة الزمن في العمل السياسي عملية اكثر تعقيدا مما هي في العمل الاداري ، وهذه مهمة سياسية بامتياز وهي التي ستغير الوضع السياسي برمته وصولا للحقوق الوطنية الفلسطينية .