الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

السلام عدو وجودي لليمين العنصري في اسرائيل

نشر بتاريخ: 07/02/2018 ( آخر تحديث: 11/02/2018 الساعة: 13:39 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

عدد الثقافات التي يتشكل منها المجتمع في اسرائيل قد يصل الى الثمانين وربما اكثر، مما يجعل من اسرائيل كيانا غير متجانس الامر الذي يتطلب توفير ادوات ربط غير تقليدية كي يتمكن هذا الكيان الصهيوني من الحفاظ على تماسكه، وذلك من اجل ان يستمر في كبت كل خلافاته الداخلية الناتجة عن عدم هذا التجانس النفسي الاجتماعي والعنصري قبل ان تتفجر وتطال اعمدة البيت الاسرائيلي.
معاناة اليهود الشرقيين في اسرائيل ما زالت قائمة بالرغم من اعتذار ايهود باراك لهم عندما كان رئيسا للوزراء في نهاية تسعينيات القرن الماضي كما ان التمييز العنصري ضد يهود الفلاشا ما زال قائما ولولا حكمة شيمون بيريز لتفجرت حرب اهلية عندما رفض اليهودي الابيض قبول التبرع بالدم من اليهودي الاسود في اواخر القرن الماضي.
طبعا الحديث عن احوال اليهود الروس شائك ويطول شرحه ولكن لا يمنع ان نذكر ان 82% منهم يرون ان هناك تمييز ضدهم باعتبار انهم يهود من الدرجة الثانية. هذه عناوين فقط لحقيقة ما يجري مع الذين هاجروا الى اسرائيل ظنا منهم انها ارض اللبن والعسل.
في مثل هذا الوضع المفكك في اسرائيل لم يكن هناك رابط افضل وانجع من الخوف والتخويف من التهديد الخارجي كيف لا والقصة المفضلة في اسرائيل التي يرويها الآباء لاطفالهم قبل النوم هي فظائع الهولوكوست. وبالطبع ابدعت الحركة الصهيونية في هذه الصناعة (الخوف والتخويف) ومنذ اليوم الاول من قيام اسرائيل وذلك بخلق اعداء جدد كل ما استدعت الحاجة.
من هنا يبرز السر وراء استماتة اسرائيل في الحفاظ على نفسها قوة نووية وحيدة في المنطقة كضامن اساسي لعدم افلاس بنك الاعداء لها اذ ان امتلاك اسرائيل لهذه الاداة الردعية ستمكنها من فرض السيطرة والتفوق للمدى الجغرافي التي تصل اليه طائراتها الحربية، كما ادعى شارون في احد الايام الخوالي. في هكذا ميزان قوى فان شروط اي علاقة مع اي دولة لانهاء العداء او للتطبيع تبقى في يد اسرائيل تمليها كما تريد وبالتالي يبقى التطبيع على الورق بينما على الارض يبقى العداء قائم كما هي الحالة في مصر والاردن.
بذلك تحافظ الحركة الصهيونية على مخزون العداء من الاغيار والذي هي بصدد تسوقه للداخل الاسرائيلي كما تشاء وتبقي عليه كما تشاء.
من اجل ذلك قامت اسرائيل بتدمير باكورة المفاعل النووي في العراق في عام 1981 ولاحقا في سوريا كما حاولت فعل نفس الشيء في الباكستان وضرب مفاعلها النووي في اواخر تسعينات القرن الماضي وذلك من خلال الهند التي رفضت ذلك في حينه.
بالطبع هذا يفسر الهوس الجنوني الاسرائيلي تجاه البرنامج النووي الايراني. هذا الهوس كلف اسرائيل اكثر من 11 بليون شيقل، دعاية وتخويف وتحضير وتدريب وتسليح من اجل تدمير هذا البرنامج الايراني في المهد وكان لفشل اسرائيل في ذلك سببا في حالة الطلاق بين نتنياهو واوباما خصوصا بعد توقيع اتفاق 5 1 والذي ما زالت اسرائيل تحاول المستحيل من اجل ابطاله من خلال شريكها الجديد ترمب.
لكل ذلك يضاف ما قام به الموساد الاسرائيلي من اغتيال للعديد من علماء عرب وايرانيين في المجال النووي من اجل نفس الهدف.
ولا ادري ان كانت الايام ستثبت علاقة بين ولادة البرنامج النووي في اسرائيل وبين موت الرئيس الديمقراطي كنيدي اغتيالا في عام 1963 , لانه الرئيس الاميركي الوحيد الذي كان سيرسل لجنة للتفتيش على مفاعل ديمونه لمنع اسرائيل من تصنيع أسلحة نووية وبالتالي وقف تحويل الحلم الصهيوني في الحصول على السلاح النووي الى حقيقة.
الاستيطان من الناحية الاخرى وقتله لأية امكانية في حل ممكن يلبي الحد الادنى لحق الفلسطينيين باقامة دولتهم وتوظيف اسرائيل لكل الامكانيات المتاحة لها من قتل وتعذيب وتدمير وتجويع للفلسطينيين اصحاب الارض التي قامت عليها اسرائيل هو ايضا اداة خبث ابداعي صهيوني لاستدامة استعداء الفلسطينيين من اجل الاطالة من عمر الصراع وادارته بدلا من حله. وهذا ما طالب به ليبرمان عندما كان وزيرا للخارجية ويطالب به الان كوزير للحرب.
لنفس الاسباب ابدعت اسرائيل في سن عشرات القوانين العنصرية ضد اكثر من 20% من مواطنيها من الفلسطينيين الامر الذي خلق وسيلة اخرى لتغذية حالة التهديد والتخويف وبالتالي تأجيل الانفجار الداخلي في المجتمع الاسرائيلي.
في حديث متلفز لوزير خارجية فرنسا الاسبق رولاند دوماس قال فيه ان رئيس وزراء اسرائيل قال له اننا سنتكفل بالدول المجاورة اما التي لا نقدر على التكفل بها سنحاربها، وفي نفس المقابلة قال ان كل دول العالم تحارب في سوريا لانها تعادي اسرائيل وان الحرب في سوريا كان يخطط لها منذ زمن وهو بصفته وزيرا للخارجية رفض المشاركة في هذه الحرب.
كلام وزير خارجية فرنسا يؤكد فعلا ان اسرائيل قادرة على التكفل بدول الجوار بدليل ان صولان وجولان بعض الدول العربية في الحرب الدائرة في سوريا لا يمكن تفسيره انه ضد الديكتاتورية ومن اجل دمقرطة سوريا لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
الرسالة هذه المرة موجهة للداخل الاسرائيلي وهي ان الفلسطينيين هم اصحاب الارض ولم يهاجروا الى فلسطين من كافة بقاع الدنيا ولا بد من التعامل معهم بناء على ذلك.
بالطبع هذا لن يتم في ظل حكم يميني عنصري زرع في يهود اسرائيل جينات الخوف وقتل اتفاق اوسلو واصحابه من الطرفين (رابين وعرفات) بالرغم من ان هذا الاتفاق منح اسرائيل شرعنة وشهادة ميلاد. اسرائيل لن تتمكن من الحفاظ على وجودها بقوة السيف لأن من يعيش بالسيف لا بد وان يموت به.
اليمين ان استمر في الحكم سيقود اسرائيل الى هولو كوست اخرى تمنح اسرائيل شهادة وفاة ولكن هذه المرة بقرار غير نازي.