الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

القضية الفلسطينية بين التدويل والتدوير...

نشر بتاريخ: 08/02/2018 ( آخر تحديث: 08/02/2018 الساعة: 10:51 )

الكاتب: د.وليد القططي

بعد قرابة قرن على اتفاقية أوسلو عادت إلى الواجهة مرة أُخرى المطالبة بتدويل القضية الفلسطينية في محاولة للخروج من مسار أوسلو بعد أن دخل إلى نفقٍ مُظلم بدون مخرج، وبعد أن أخذ العدو منه ما يريد فاستخدمه غطاءً للتهويد والاستيطان وتكريساً لاحتلال الأرض والإنسان. وعودة مفهوم التدويل في ظل المأزق الوطني الحالي الناتج عن أوسلو والانقسام يتطلب تحديد وضبط مفهوم التدويل كي لا يكون مجرد تدوير القضية الفلسطينية دولياً ومدخلاً لتضييع الوقت والحقوق.
التدويل في اللغة مصدر الفعل (دوّل)، ودوّل الأمر جعله دولياً يخضع لإشراف دول مختلفة ومن شأن مجموع الدول، وعندما نقول: تدويل منطقة ما يشير إلى إخراجها من إشراف السلطة الوطنية إلى المسؤولية الدولية، ونفس المعنى إذا قلنا تدويل قضية يدل على نقلها من الدائرة الوطنية والإقليمية إلى الدائرة الدولية الأوسع، وهذا المعنى ينطبق على القضية الفلسطينية فتدويلها يعني تحويلها لقضية دولية تخص المجتمع الدولي سواء على المستوى الرسمي الحكومي أو الشعبي المدني أو المؤسسات الدولية الحكومية والشعبية.
وهذا المعنى للتدويل يتسق مع دلالاته في سياقه التاريخي وأهمها: تحمّل المجتمع الدولي المسؤولية السياسية والقانونية عن استمرار الاحتلال وعدم تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال وتقرير المصير وعودة اللاجئين. وجعل القرارات الدولية مرجعية حل الصراع والقضية وفق ما يُعرف بالشرعية الدولية. واعتماد إطار دولي كآلية لحل الصراع كالمؤتمر الدولي والرباعية الدولية. وطلب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال. وتوظيف الضغط الدولي على دولة الاحتلال لنيل الحقوق الوطنية أو جزء منها. واستخدام وسائل نضالية لا تتعارض مع القانون الدولي لمقاومة الاحتلال.
هذه المعاني لتدويل القضية الفلسطينية في إطار دلالاتها اللغوية والسياسية وفي سياقها التاريخي تجعلنا نعود لبداية تدويل القضية الفلسطينية عندما أرادت بريطانيا إضفاء الشرعية الدولية على وعد بلفور والكيان الاستعماري الصهيوني الناتج عنه، فدمجت وعد بلفور في صك الانتداب الذي أصدرته (عصبة الأمم) عام 1922م فأصبح إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين شأناً دولياً ومهمة أُممية وليست بريطانية فقط. والمحطة الثانية الأبرز في تدويل القضية الفلسطينية كانت بعد الحرب العالمية الثانية عندما أصدرت (الجمعية العامة للأمم المتحدة) قرار التقسيم عام 1947م وأعطت بموجبه أكثر من نصف فلسطين للحركة الصهيونية ليصبح قرار التقسيم وثيقة دولية استند إليها الصهاينة في إعلان دولتهم (إسرائيل) وشرعنة وجودها دولياً.
وفق هذا السياق التاريخي من الواضح أن التدويل قد خدم المشروع الصهيوني بإعطاء الشرعية الدولية لقيام كيانه السياسي، وبعد النكبة عام 1948م أصدرت منظمة الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة قرارات عديدة ممن نجت من الفيتو الأمريكي لصالح القضية الفلسطينية أهمها: قرار (194) عام 1948الذي ينص على حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، وقراري (242) عام 1967 و (338) عام 1973 المطالبين بانسحاب (إسرائيل) من الأراضي المُحتلة في حرب النكسة... وآخرها قرار رقم (2334) عام 2016 المُطالب بوقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، غير أن كل هذه القرارات لم تجد طريقها للتطبيق الفعلي وظلت حبراً على ورق.
وتدويل القضية الفلسطينية كان له ثمن تم دفعه من فاتورة الحقوق الوطنية الفلسطينية وعلى حساب أرض فلسطين التاريخية؛ فالتدويل يتطلب القبول بالشرعية الدولية، وهذا بدوره يقتضي تحوّل في الفكر السياسي الفلسطيني الوطني لينسجم مع مفهوم الشرعية الدولية، فاضطر للانتقال من مفهوم الشرعية القائمة على الحقوق الوطنية التاريخية للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين من البحر إلى النهر، إلى مفهوم الشرعية القائمة على القرارات الدولية التي قسّمت فلسطين بين أصحابها الشرعيين والغزاة المُحتلين في قرار التقسيم عام 1947م، ثم انتهى بها المطاف إلى اعتبار فلسطين هي الأراضي المحتلة عام 1967م فاقتصرت على 22% من فلسطين الانتدابية، وحتى هذه النسبة الصغيرة من الوطن أصبحت أراضي متنازعاً عليها وموضع مفاوضات في اتفاقية أوسلو، فالتدويل لم يساهم في استرجاع حقوقنا الوطنية أو جزء منها، بل ساهم في تحوّل الفكر السياسي الوطني باتجاه القبول بتقاسم فلسطين مع الغزاة.
خُلاصة الأمر أن مفهوم التدويل ينبغي ضبطه سياسياً ووطنياً كي لا يكون مجرد تدوير للقضية الفلسطينية في المؤسسات الدولية دون مخرجات إيجابية تخدم القضية الفلسطينية وتُسهم في انتزاع حقوقنا الوطنية، وكي لا يكون التدويل مدخلاً لتضييع الوقت والدوران في المكان. فضبط التدويل يجب أن يسلك مسارات محددة أهمها: تحرير القضية الفلسطينية من قبضة الاحتكار الأمريكي، ومحاصرة وعزل الكيان الصهيوني دولياً بفضح جرائمه ومحاسبته ومقاضاته دولياً، وتعزيز التعاطف والتأييد والدعم الدولي الرسمي والشعبي للحقوق الوطنية الفلسطينية، وترسيخ الهوية الوطنية والكيان الوطني الفلسطيني في المحافل الدولية، وتأمين الحماية الدولية لفلسطين الشعب والأرض، والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في المقاومة بكافة أشكالها وفي مقدمتها الكفاح المسلح المشروع بالقانون الدولي وفقاً لحقي الدفاع عن النفس وتقرير المصير، وانطلاقا من أن الحق الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية يحتاج لقوة تنزعه من فك الاحتلال، وبدون ذلك لن يخرج مفهوم تدويل القضية الفلسطينية عن إعادة تدويرها في المؤسسات الدولية.