الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

قطاع غزة على مفترق طرق

نشر بتاريخ: 13/02/2018 ( آخر تحديث: 13/02/2018 الساعة: 17:52 )

الكاتب: محمد حجازي

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن خيار قطاع غزة، بذهابها لتدبر أمورها لوحدها والبحث عن حلول جديدة، البعض أسماها بالتفكير خارج الصندوق، الحديث عن ترتيب وضع قطاع غزة ليس بجديد، فمنذ بدء الإنقسام كان هذا الخيار حاضرا، وخاصة لدى حركة حماس القوة المهيمنة والمسيطرة على قطاع غزة، كانت تقدم تبريرات عديدة منها أن القطاع بات منطقة محررة، وإستنادا لذلك تعامل حلفاء حماس على أساس أنه يمكن بناء كيان حمساوي يتبع حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة وبغض النظر عن التسمية، هذا الكيان يتم تعزيزه على حساب حكم فتح في الضفة الغربية التي تخضع للإحتلال ولحساباته في الإستيطان، وظن أصحاب غزة الكيان بأنهم باتوا على مشارف مرحلة سياسية عنوانها التمكين والإزاحة، التمكين بالسيطرة على الأرض بإستخدام القوة العسكرية، والإزاحة هي القدرة على إزاحة الوطنية الفلسطينية برئاسة حركة فتح عن المشهد، وبالتالي السيطرة على كل المؤسسات الفلسطينية، هذا حلم راود حركة حماس مرارا وتكرارا في إشارة إلى هدف الإخوان المسلمين الأوحد هوالسيطرة والتمكين وبناء نظام بمرجعية إسلامية، ولكن حسابات البيدر لم تتوافق مع حسابات الحقل، لا حلفاء حركة حماس إستمروا بوعوداتهم، ولا مكانة قطاع غزة ومساحته وتأثيرات الجغرافيا السياسية سمحت بذلك، ووصل الوضع إلى مانحن عليه، حركة حماس باتت طرفا غير قابل بالإندماج في الإقليم وخاصة المحور العربي، وهذا عكس نفسه على وضع قطاع غزة الذي يعاني من تراجعات كبيرة في الإقتصاد، تراجع دخل الفرد غلى مستويات غير مسبوقة وضعف القدرة الشرائية، وجاءت سياسة إضعاف وتقليص المساعدات التي تقوم بها الإدارة الأمريكية على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” لتزيد الوضع تعقيدا، وكان لفشل حركة حماس التي حكمت قطاع غزة طيلة أحد عشرة سنة تأثيرا أيضا مضاعفا ومنتظرا، لظروف مرتبطة بحسابات السياسة والمصالح ولموقف العالم من أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي وتراجعها عن المشهد، بفعل جملة من العوامل ليس من المناسب سردها في هذا المقال.
وأمام هذا المشهد وتعقيدات المصالحة الوطنية برزت هذه الدعوات “ياوحدنا”، ولترتيب الوضع في القطاع، تارة بالحديث عن تشكيل إدارة مشتركة من الفصائل وتارة أخرى بعودة حكومة حماس ولجنتها الإدارية التي لم تحل وبقيت تعمل إلى الآن، في رسالة موجهة للغزيين بأننا جربنا المصالحة ولم تنجح، وإن الإجراءات الظالمة التي إتخذتها السلطة الفلسطينية ضد القطاع زادت الطين بلة، وكشفت عيوب حكم حركة حماس لقطاع غزة، حيث إتضح أن خصومات السلطة على رواتب موظفيها والتي بلغت حوالي 22 مليون دولار، أجهضت القدرة الشرائية للمواطن حيث أن 90% من موظفي السلطة في القطاع والبالغ عددهم حوالي 55 ألف موظفا كانوا مقترضين من البنوك، لتأتي الخصومات لتدمير القدرة الشرائية للمواطن، والتي هي بالأساس ضعيفة، نتيجة عدة عوامل أهمها إنخفاض الأجور لأقل من 30 شيكل للعامل في القطاع الخاص ودخل الفرد لأقل من 1000 دولار في السنة، في حين أن دخل الفرد في الضفة الغربية تجاوز 2800 دولار في السنة، وهذا عكس نفسه على وضع التجارة في القطاع وعلى القطاع الخاص الذي في جوهره خدماتي بشكل كبير، خاصة قطاع غزة ذا الكثافة السكانية العالية، وبموارد محدودة جدا ومساحة جغرافية هي الأكثر كثافة سكانية في العالم.
كل هذه القضايا يضاف إليها كتلة قطاع غزة البشرية، التي حاولت إسرائيل في حروبها الثلاثة إزاحتها بإتجاه الجنوب “ولم تفلح” والآن تضع الحلول والسيناريوهات لتوطين سكان القطاع في سيناء، وبالتأكيد ستفشل لأنه لايوجد أحد يقبل بحل القضية الفلسطينية على حساب دولة أخرى هي مصر الشقيقة، حل مشكلة قطاع غزة هو بإتجاه الشمال فقط إما بالعودة أو بالإسكان في أراضي الضفة الغربية.
بعد كل هذا هل هناك إمكانية لحل مشاكل قطاع غزة بالعودة للحديث عن دولة غزة أو إدارة غزة بشراكة أو بدون شراكة؟ بالقطع لا، حتى وإن راهن البعض على دور ما لبعض دول الإتحاد الأوروبي بتحويل موازنات خاصة لقطاع غزة أو بإقتطاع حصة قطاع غزة من موازنات دعم السلطة الفلسطينية، كل هذا كلام فارغ ومضيعة للوقت وللإلتفاف على تحقيق المصالحة الفلسطينية التي تتراجع في هذه المرحلة، رؤية حركة حماس للمصالحة مازالت في مكانها رؤية تستند لمبدأ الإزاحة والتمكين والتخلص من عبء قطاع غزة التي فشلت في إيجاد حلول حقيقية طيلة 11 سنة مضت، والبقاء على السيطرة الأمنية والعسكرية للقطاع، وبمعنى آخر حماس فهمت من المصالحة بأنها تتحول من حكومة أمر واقع للقطاع إلى قوة أمر واقع بدون أن تتحمل أي عبء وتلقي كل مشاكل القطاع في وجه السلطة الفلسطينية، في حين طرف السلطة الفلسطينية، وخاصة في هذه المرحلة الحساسة، عليه التركيز أكثر على وحدة الفلسطينيين السياسية كجماعة سياسية واحدة، حتى ولو أدى ذلك للتنازل عن بعض القضايا لصالح لحركة حماس، رغم أن السلطة أهدرت العديد من الفرص، ومنها الفرصة الأخير.
لا خيار لقطاع غزة إلا بالوحدة وتحقيق المصالحة رغم التباطؤ والإجراءات الأخيرة.