الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حينما يعود الشهداء والصراخ بوجه وقائع الواقع..

نشر بتاريخ: 17/02/2018 ( آخر تحديث: 17/02/2018 الساعة: 11:43 )

الكاتب: يونس العموري

قليل من الصبر، انتظروا الأقصوصة من اولها، هنا ارتقى الشهيد، وهناك كانت له رواية اخرى مع الحياة، وبدروب العشق كان ينتظرها، وبأزقة مدينته كانت له احلام ورؤى وقد تكون اساطير، كان الشاهد على فعل الذبح لمستقبل بسيط ينتظره ولقبلة يختلسها عند غروب الشمس، اقتحم لحظتي وتأهب بكل وقاره واختفى عن الانظار، وتاه بدورب الحقيقة ما بين الانتظار والمكوث عند بوابة بيت الرب، صرخ صرخة مدوية بوجه من يعتلي منبر جعجعة المفردات النحوية محاولا ان لا يخطأ بقواميس اللغة العربية، وتجهم وجهه الجميل.
انتظروا قليلا ... هنا النبي الفلسطيني الاول ابن البتول استشهد كشاهد على الذبح للمحبة منذ البدايات ورابية الجلجلة بقيت الشاهدة على جريمة الصلب .. وما بين ناصرة البشارة وارض الميلاد كانت مسيرة العذراء، وكانت القيامة وبالسماء عاد المسيح كشاهد على الفعل والذبح والقتل بأرض التاريخ ... والطريق واحد فما بين القيصر وقاطع الطريق الأن تبدو الصورة واحدة، فمسيرة ال عمران من اقاصي الشمال الى مغارة الميلاد دروب شائكة وجند القيصر بالطريق يتربصون، وابناء يهوذا ما زالوا بالمكان جالسون يبحثون عن انبياء المحبة المطاردين بتلال وجنان المسمى وطن الغار والتين والزيتون ...
حينما يعود الشهداء وهم العائدون دوما ينتظرون وينظرون لواقع اللحظة ويمضون، كأنهم يبعثون برسائل البعث مرة اخرى، هم اصحاب القرار وهم ارادة الفعل والفعل المضاد وهم من تصدى ويتصدون للعبث وللفراغ، ومن تحدى عبثية اصحاب القرارات الاخرى، والعسس كان ان جاب الطرقات بحثا عن احلامهم واساطير اقاصيصهم، جاوؤوا من البعيد نحو البعيد، وكان نداءهم بعيدا ايضا ، والتخريب للذات سيد اللحظة والموقف ، والذات هنا هي الذات الجمعية الجامعة لجموع الرابضين على أرض زهر اللوز والزعتر البري النابت بين الصخور والروابي والتلال ...
كان لهم القرار بالتصدي للقرار المضاد ممن يتقنون لعبة المرواغة والبزنس الجديد والإتجار بالاوطان والشعوب وبسطاء اللحظة ، كان لهم الفعل بخربشة معادلات الأمن والآمان الوهمي ، واسقاط نظريات التمرد على الإستكانة ، هم من صنعوا الإرتباك للساسة المحترفين في لعبة الشد والجذب ومن اسقطوا الرهان على قولبة الأزمان وفق رغبات الأخر، والأخر هنا قد يكون القيصر المرتبك والممسك بالعصا والجزرة ، ومن الممكن ان يكون من يحاول تطويع ارادة هؤلاء العائدون الى الحلم وايقاظ النخوة ..
حينما يعود الشهداء الى المشهد فكأنهم يصرخون بوجوه اللاهثين خلف سراب كاميرات البث لإستثمار الوجع ، يقفون عند الخط الفاصل ما بين الحقيقة والسراب وهم يدركون أحقيتهم وحقيقتهم ومرامي الفاظهم المسمومة حينما يحاولون بث سموم التطبيع والمعايشة والتعايش ما بين الشاة والسكين ، وللقادم مرة اخرى الى عرش المبادرة ويبحث بالدهاليز عما يسميه المبادرة المباغتة الجديدة والتي قد يسميها ( مبادرة اللحظة من القبلة العتيقة ) لإعادة زمام الإمساك بالتسوية السياسية وهو يدرك موت المبادرات والتسويات وهي كما بعض الغيوم قوية الرعودِ شحيحة المطر، والموقف المبدئي المبني على الحق للفلاح بحراثة ارضه والحرية للزرع ان ينمو وللحصاد ان يكون وللزهر ان يتفتح ، ومنهم من يزمجر بأعتى العبارات من شاشات الطرف الأخر ، المتحدثين باللغة العبرية وبعضا من عربية ركيكة ويعلو صوته بالشطر الغربي من ( اورشليم ) وكانه الفاتح المُبشر به من جديد ..
حينما يعود الشهداء ويقفون على اطلال الأمكنة فثمة رسالة ومعنى للوقوف ولابد من القول البليغ المبين ، الذين خطوا بأقدامھم دروب سھول الأرض العطشى للأحمر القاني ... وسطروا ملاحم الأقاصیص والحكایا ، والدمار سيطر ويسيطر على المشهدية الراهنة ، فالواقع بات مسموما حاقدا لكل الفعل والافعال الماضية منها والحاضرة ، والمستقبل اصبح الغائب الجاثم على الصدور بالخوف السقيم من الجوع والتجويع والذي بات الهدف للقابعين والمحشورين بيوميات احلامهم ....
انتظروا قليلا فالرواة مختلفون وسرد الحكاية تتأول وفقا لأهوائهم ، فمنهم من يقول ان الشهيد سقط سهوا وتناسوا انهم اصحاب القرار ومناجاة الرب بلحظة الارتقاء تكون لهم وبقرارهم وبارادتهم بمواجهة من يغتال الحلم الفاصل ما بين الحقيقة والسراب .. وهو القرار بالحياة ولتكون ممكنة ...
حينما يعود الشهداء وينظرون الى الوجوه هل من الممكن ان يتألمون ..؟؟ او عساهم بالصمت يلوذون ..؟؟ والسادة المتربعون على العرش ماضون بصناعة فنون التسوية لصراع وردة الجوري مع فأس الإقتلاع ، والعابث بقوت ذويهم والطارد للبنين من المشهد والصامت عن هدم العرين لمن كان يأوي ابطال الأزمان ..
حينما يعود الشهداء وهم العائدون باستمرار ، تكون للعودة فلسفة اخرى بمفاهيم الفعل فهم وحدهم قد اضحوا الرموز وصاروا الأيقونات والتعويذات المرتلة ترتيلا بمعابد المتضرعين لسداد رمق العيش والمتصارعين مع وجودهم وأحقيتهم بالحياة في ربوع التين والزيتون والبلد الآمان المطمئن بعيدا عن غدر فنون التسوية الواعدة برغد العيش في ظل الأحرف العبرية الدالة على إمتهان كرامة العابرين ليلا للبوابات المتشابكة والفاصلة ما بين العاشق وانثاه القابعة بالشطر الأخر من الأسوار العاتية العالية ...
يداهمنا الشوق للإشتباك مع حقيقتنا ، ويداهمنا الشوق لكرامة الأنبياء ومنهم نتعلم ونسطر معانينا ومرامي مفرداتنا ، ونتوق للعيش في فسحة الأمل من عطاء عودة الشهداء الى المشهد وهم العائدون بإبتسامة محيرة مقلقة لمن يتربص بصرخة الطفل القابض على لعبته في الدروب العتيقة ،
ايها السادة بكل مواقعكم وبمختلف مناصبكم وبصرف النظر عن صراخكم الأجوف ، لن يكون لكم الإنجازسوى الخراب ، فالشهداء يتربصون بفعلكم وافعالكم وسيعبرون الى ثنايا ايامكم ولحظاتكم ويقضون مضاجعكم فقد كان لعبورھم الى ھذا الشمال بھدف قول كلمة یحفظھا التاریخ .. وكان لمكوثھم ببطن الأرض الحبلى بشقائق النعمان بھدف تعریة تاریخ اغتصاب فراشات زھر البرتقال، وبعودتھم الدائمة تدوینا لروایة تارخ عشاق الحیاة، فموتانا یحضرون عند كل ابتسامة طفل یمارس لھوه في حواري مدینة الاسوار ویأتون عند كل صبح مع قطرات الندى ... ھذه الحكایة من اولھا ... وھذه قصة من عبروا یوما .. فقد حلموا بلیلة بحضن الجبل المنتصب شموخا على شاطىء حیفا وبمعمودیة بمیاه شواطىء یافا، وكانوا ان سمعوا نداء حفیف اوراق اشجار الصنوبر، ونعیق اصوات غربان لیل غریبة عن المكان وطارئة بتاریخ الزمان، فمنھم من ركب البحر وناجي القمر وشھد الموج على ملحمة سطرتھا أكفھم بعتمة لیل اضاءتھ انتصارات الحب المتشكل بین ضلوعھم على قسوة من عاثوا بالأرض فساد، وكانت ان احتضنتھم ارضھم ورحبت بمن یأتون مھللین مكبرین مبتسمین فقد كانوا ھنا حیث وقف المسیح یوما مناجیا رب عرش السموات والارض لیشھدوا انبلاج حقیقة اشیاءھم كما البتول مریم حینما أتھا عیسى المخلص نصیر فقراء كل الأزمان .... جاؤوا لیرتلوا تعویذة جداتھم المعلقة بأفئدتھم منذ عرفوا ان ثمة وطن مسیج بالغار والیاسمین وتنبت فیھ ارواح الأنبیاء المتجولة ما بین قدس الجلجلة وناصرة البشارة، مأسورا بثنایا خرفات تاریخ قتلة الحلم، ومغتالي عصافیر البراري كونھا تشدو الصبح زقزقة عند أضرحة الشھداء .... أتوا عابرین ملوحین بقبضات ایادیھم، وساروا بدروب منابت الزعتر والمیرامیة وبكل خطوة بمسیرتھم تنھیدة وأمل بأن تتوالي خطوات العبور والتجوال ... فھم الأن على أرض الله التي تسمى فلسطین ... وكنعان حفر اسمھا على صخور تأبى ان تلین ... جاءوا من كل المدائن ... وحطوا ترحالھم ببراریھا ومارسوا عشقھم لأول مرة تحت الشمس وقالوا كلمة من كلمات الرب بحضرتھا وامسكوا بشيء من حقیقتھم وعرفوا معنى ان تتوحد روحك بقلبك وبما تؤمن بھا ایمانا مطلقا فكانت بالتالي الحكایة ... من كل الأجناس كانوا عربا وعجما اتجھوا صوب شمس تلال الجلیل، وعزفوا سمیفونیة الخلود، حینما عبروا الأرض البكر أقشعرت ابدانھم وأدركوا سر ابتسامة الشھداء، فركعوا وصلوا ورتلوا من مزامیر كنعان، وبكوا وضحكوا وخاضوا معركتھم وحملوا أماناتھم وترجلت ارواحھم نحو السماء، مارسوا عشقھم فعشقتھم الأرض الطیبة وابتلعتھم ببطنھا، واعداء النھار جاؤوا بھم وفتشوا بثنایاھم ورسموا شارات حقدھم على محیاھم، وزرعوا لھم ارقاما فنبتت اشجار الزیتون وتألقت اخضرارا ... وظلت شاھدة على من عبروا ... ھي قصص وروایات لأزمان كان فیھا اكتمال لمعنى ان تكون عاشقا مقاوما، تجوب الأرض وتستجدي فعل العبور، وتنتظر حتى تأتیك البشارة وتتھيء لیوم الولوج عبر الدروب والمتعرجات لتصعد الجبل الشامخ ھناك وتنحدر نحو السھل المخضب بدماء الأولین، لتستشعر تاریخھم وتعلم حینھا معنى ان تقاوم وتقاتل على أرض فلسطین .... انتظروا كثیرا، وظلوا بلا اسماء، فمنھم من قضى ببزتھ وبندقیتھ السمراء، ومنھم من ینتظر لحظة اعلان حقائقھم ..
حينما يعود الشهداء وهم العائدون دوما يوجهون نظراتهم الثاقبة المؤمنة نحو هذا الواقع المرير، وهو الشهيد الشاهد الصارخ ،( انا عصفور باب القدس اعبرها شهيدا) ..