الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

هناك من يسعى لإخراج العرب من التاريخ والجغرافيا

نشر بتاريخ: 20/02/2018 ( آخر تحديث: 22/02/2018 الساعة: 14:00 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

الاستعمار على مدار التاريخ أخذ أشكالاً متعددة، ما بين المباشر الدموي وغير المباشر بفرض النفوذ والإرادة على شعب أو على دولة، دون الحاجة إلى جيوش جرارة، من خلال التحكم في الاقتصاد والقرار، واليوم يعود الاستعمار لكي يستعمل الأسلوبين معاً وفي الوقت ذاته، ما بين تدخل عسكري وما بين التحكم "الناعم"، الدبلوماسي الهادئ في مصير شعب أو منطقة.
لكن ما الذي جعل منطقتنا العربية حاضرة قديماً وحديثاً في أجندة الدول الطامعة؟
أولاً. الموقع الجغرافي من حيث الأهمية والحيوية.
ثانياً. الخيرات المادية وفي مقدمتها البترول والغاز.
ثالثاً. ضعف بنية الدول العربية، وغياب الديموقراطية وقصور التنمية.، فدخلت الدول الطامعة إلى منطقتنا من بوابة مساندة "ثورات داخلية" ودعم مطالب الديموقراطية وحقوق الإنسان، أي أن هذا المدخل كان ذريعة، لكنها للأسف استندت إلى واقع القمع والاستلاب والفقر.
كانت البداية العراق لضرب مشروع دولة كان يمكن أن يكون لها مكانة وقوة نظراً لمجموعة من المقومات التي كانت متوافرة ، لكنهم زجوا بالعراق في مصيدة احتلال الكويت، فغرق الجيش العراقي والدولة في أزمة لا مبرر لها، فالكويت بلد عربي مستقل ولم يشكل تهديداً، فكانت المصيدة التي شاركت في حبكها السفيرة الأمريكية في العراق حينذاك، وما زال العراق يعاني تداعيات ذلك، وهو مرشح لمواجهة تحديات وأزمات لسنوات طوال، وانفتحت شهية الدول الطامعة، لتدخل إلى دول عربية من زوايا مختلفة، وها نحن نرى ما يجري في اليمن وليبيا وسوريا، فيما مخططات الطامعين تزحف إلى دول أخرى، لجعل الوطن العربي يغوص في وحل عملية تفكيكية طويلة الأمد، ليستمر مسلسل القتل والتدمير ونهب الثروات وإخضاع الشعوب.
من هنا فإننا نفهم لماذا حاربت الدول الاستعمارية فكرة قيام دول عربية قومية ذات ثقل عربي وعالمي وتوجهات تنموية حقيقية، وعندما حاول عبد الناصر وضع أساسات ومقومات هذه الدولة، حشدوا جيوشهم وأساطيلهم في العام 1956، بهدف تقويض مشروعه وحلمه، ولما فشلوا ونهض عبد الناصر قومياً وأممياً وصارت مصر لاعباً مهماً في السياسة الدولية من خلال مجموعة دول عدم الانحياز، تقرر استعمارياً ضرب مشروعه في حرب 1967، حيث قدمت الدول الاستعمارية كل ما تستطيع، من أجل هزيمته، لينكفئ داخلياً يضمد جراحه ويعيد بناء جيشه.
لأن دولة عربية مركزية ناهضة ومؤثرة، ستكون قادرة على تجميع العرب والحفاظ على كرامتهم وإحداث التنمية في بلادهم، وبالتالي إفشال مخططات السيطرة والنهب الخارجية.
ومعلوم أن القضية الفلسطينية هي قضية جامعة بالنسبة إلى الكل العربي، ومن هنا نفهم في هذه الأيام الموقف الأمريكي المعلن الرامي إلى تصفيتها، من خلال الضغط على القيادة الفلسطينية ومعاقبة الشعب الفلسطيني اقتصادياً، وإدخال بعض الدول العربية على الخط لتشكل عامل ضغط إضافي على الفلسطينيين، وإنشاء تحالفات جديدة تحت شعار "الخطر الإيراني" الذي هو في تقديري مفتعل ومضخم ويستعمل كفزاعة لإخافة بعض الأنظمة وزجها في حروب وتكتلات ونزاعات، تهدف إلى الدفع بالعملية التفكيكية في الدول العربية إلى أبعد مدى، مع إشغال الدول العربية الأخرى التي ما زالت تحافظ على بنيانها في مشاكل اقتصادية وأمنية، ودفع الجماعات التكفيرية المأجورة لضرب استقرارها واستنزافها واشغالها في معارك جانبية تقوض الإمكانيات وتضعف قدرات الجيوش وترهق الاقتصاد وتجهض التنمية.
ومن هنا يأتي حرصنا على استمرار الدولة العربية القطرية المستهدفة، في حين أن تماسك بنى الدول المتبقية، يشكل مطلباً حيوياً لكل من بات يدرك ويعي أن تدمير أية دولة عربية في هذه المرحلة، هو بمثابة خطوة تدميرية على طريق تنفيذ المشروع الاستعماري، وأن الحفاظ على الدولة العربية القطرية، باستخلاص العبر والدروس مما جرى في دول شقيقة أخرى، يتطلب تضافر جهود وتكامل بين القوى الحية الفاعلة، لكي يتم قطع الطريق على وصول المخطط إلى أهدافه الاستراتيجية، التي عنوانها إخراج العربي من التاريخ والجغرافيا، لتصبح بلدانهم وثرواتهم لقمة سائغة للطامعين الخارجيين المتذرعين بالديموقراطية، وكأنهم عندما يشفقون على الشعوب بحجة غياب الديموقراطية يطرحون لها بديلاً آخر وهو أن تموت وتنتهي في صراعات وحروب!!!