الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

لبنان بلد صغير بموارده وكبير بمواقفه ووزنه السياسي

نشر بتاريخ: 27/02/2018 ( آخر تحديث: 27/02/2018 الساعة: 17:21 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

ما ضخه لبنان البلد الصغير جغرافياً والمحدود على مستوى الموارد في التجربة العربية الحديثة، هو أكبر بكثير من جغرافيا صغيرة أو موارد ضئيلة، فقد قدم فكراً عميقاً انتجه مفكرون عمالقة كحسين مروة ومهدي عامل وكريم مروة، وقدم مدرسة الرحابنة والعملاقة فيروز ثم قدم الفنان الكبير وديع الصافي والفنان نصري شمس الدين ونخبة من المبدعين في الغناء والمسرح والسينما والشعر والرواية والفن التشكيلي، وكان رائداً في الصحافة ومن ثم في الإعلام الإذاعي والتلفزي، بل إن رواد القومية العربية قد انطلقوا من جامعاتها ونشروا فكرهم في كل الأقطار العربية.
وصمد لبنان مع الثورة الفلسطينية بعد أن احتضنها وقدم تضحيات جسام من أجلها، وعندما نقول لبنان فإننا نستثني من هذا التعميم تلك الفئة الصغيرة التي خرجت عن سياق القضايا العربية وارتهنت لحسابات وتحالفات ضيقة.
لبنان يقوده اليوم العماد ميشال عون وهو رئيس مجرّب واسع الأفق، اختلف مع سوريا في مرحلة ما، لكنه لم يظل حبيساً لردود أفعال وتصفية حسابات، بخاصة عندما استهدف الإرهاب، هذا القطر العربي مدركاً أن الإرهاب لا دين له ولا جغرافيا، لأنه عندما يستهدف دولة عربية معينة، لا سيما إذا كانت من دول الجوار، فإن خطره سيمتد إلى دول أخرى، وبالتالي نجح لبنان بالتحالف مع المقاومة في القضاء على الإرهابيين في المناطق الحدودية مع سوريا، وها هو يقف موقفاً واضحاً من القضية الفلسطينية، ويحذر من مؤامرات استهدافها وتصفيتها.
التناغم بين الجيش والمقاومة في لبنان هو نتاج حسابات دقيقة وقدرة على توظيف المرحلي التكتيكي في خدمة الاستراتيجي، من منطلق أن أي خلل في شقي المعادلة يعود بالسلب على الساحة اللبنانية وعلى الاستقرار الداخلي، وأن تلاحم الجانبين يعزز صمود ومنعة لبنان ويدعم هيبته.
وفي دفاعه عن حقوقه البرية والبحرية وموارده، يبدي موقفاً صلباً ويستمع إلى الوسطاء الدوليين بينه وبين إسرائيل، ويسمعهم ما يريد وما يخدم مصالحه دون أن يتراجع، مؤكداً أن كل ما يريده هو حقوقه التي لا مجال للتنازل عنها، تحت أية ضغوط أو وساطات.
لا يمتلك لبنان قنابل نووية أو طائرات حديثة، وإنما يستند إلى إرادته وتشبثه بحقوقه واستعداده للدفاع والذود عنها، دون أن يرتجف أمام التهديد والوعيد أو الضغط الاقتصادي أو التلويح بفرض عقوبات عليه.
اللافت في التجربة اللبنانية تنوعها وانفتاحها، فهو يقيم علاقات قوية مع أوروبا وإيران وروسيا والصين، إضافةً إلى علاقاته الأخوية مع البلدان العربية، فهي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، فيما يحاول دائماً أن يجسد مواقف مستقلة تعبر عن مصالح شعبه، وهو يدفع ثمناً باهظاً جراء ذلك لكنه في المحصلة النهائية يفوز بقراره المستقل.
يدرك لبنان أن زمن الإرهابيين مؤقت وسينتهي، بعد أن تستنفذ الدول الخارجية استخدامهم واستعمالهم في ضرب الوحدة الداخلية للأقطار العربية، وها هو دورهم ينكشف ويتعرى، في ظل اشتداد الضربات الموجعة بل الاستئصالية التي تطال الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا في مؤشر على أن هذا الدور بات يلفظ أنفاسه الأخيرة.
لكن من أجل أن يقترب الموقف اللبناني من العروبية النموذجية، لا بد من الالتفات إلى اللاجئين الفلسطينيين والتخفيف عنهم من معاناة تشتد يوماً بعد آخر، ولا بد من الحد من القوانين المقيدة لهم في العمل وحرية الحركة، فهؤلاء فرض عليهم اللجوء، ولا منطق في استمرار القوانين كما هي ودون تغيير، خاصة وأن هناك من يتآمر الآن على وكالة الغوث، في عملية تضييق إضافية على اللاجئين، على اعتبار أن تصفية الوكالة هي مدخل لضرب الأساس الذي قامت عليه القضية الفلسطينية.