الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

هكذا ستمرر امريكا "صفقة القرن"

نشر بتاريخ: 04/03/2018 ( آخر تحديث: 04/03/2018 الساعة: 11:27 )

الكاتب: د. هاني العقاد

تتكرر الكثير من التصريحات الامريكية وعلى مستويات مختلفة ان ترامب اقترب من الاعلان عن صفقة القرن، تلك الصفقة التي بنيت على اساس تفوق اسرائيل وبقائها دولة خارج كل القوانين في منطقة الشرق الاوسط بل وبنيت على اساس المشروع الصهيوني الكبير الذي يؤسس لدولة يهودية قوية بالمنطقة وابقاء باقي القوي الاقليمية قوي منقسمة ضعيفة غير قادرة على تثبيت حكمها في بلدانها تقضي عقود في محاربة ما يسمي الارهاب الذي تم صناعته بذكاء خارق. آخر هذه التصريحات كانت من قبل الضلع الثالث في المثلث اليهودي بالإدارة الامريكية نيكي هايلي مندوبة واشنطن بالأمم المتحدة التي قالت ان ادارة ترامب تشرف على الانتهاء من اعداد خطة السلام الامريكية لحل الصراع، وكان وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون خلال زيارته الاخير للأردن قد قال ان خطة جديدة للسلام في الشرق الاوسط تعمل عليها الادارة الامريكية بلغت مرحلة متقدمة جدا وان ترامب سيقرر متى سوف يعلن عنها، هذا يعني اننا على وشك معرفة كل ما تتضمنه تلك الخطة التي باتت في حكم المؤكد، بل واوساط سياسية كبيرة في البيت الابيض اليوم تعمل وتدفع باتجاه الاسراع في الاعلان عنها وخاصة بعد اعلان الرئيس ابو مازن عن خطة سلام فلسطينية قدمها للعالم من على منبر مجلس الامن فبراير الماضي.
يبدو ان الادارة الامريكية بالفعل تريد الاعلان عن الصفقة في غضون الاشهر القليلة القادمة وهذا ما يفسر رسالة محمد بن سلمان للرئيس ابو مازن والتي حملت معانٍ عديدة مع ان الافصاح عما جاء فيها كان مجرد كلام اعلامي فقط، الا انني اعتقد ان الرسالة جاءت كمحاولة من محمد بن سلمان لإقناع ابو مازن القبول بالدور الامريكي الجديد في عملية السلام واعتقد ان محمد بن سلمان ابلغ ابو مازن في رسالته ان الامريكيين حسنوا كثيرا من شروط الصفقة وخاصة بعد معارضة السعودية لموضوع اعلان ترامب الاخير ونقل السفارة.
ما بات متوقعا بقوة ان الصفقة سيتم الاعلان عنها قريبا من خلال مؤتمر دولي صوري تهيئ له واشنطن مع بعض من حلفائها من دول الاقليم والعالم وقد يكون المؤتمر في احدى الدول العربية التي تمثل مركز ومحور تأثير على القيادة الفلسطينية، ولعل ارسال ادارة ترامب دعوات لبعض القادة العرب لقمة امريكية عربية بحضور فلسطيني يأتي في اطار الخطوات العملية التي تقودها ادارة ترامب لإخراج صفقة ترامب من حالة الحصار التي فرضت عليها على اثر اعلان ترامب الاخير القدس عاصمة لإسرائيل وما تلي بعدها من اجراءات امريكية للإسراع في مقل السفارة الامريكية في تل ابيب الى القدس.
الاسبوع الماضي نشرت بعض التسريبات الهامة فيما بتعلق بصفقة القرن واليات حل الصراع وهذا تسريب مقصود ويكمن وراءه هدف خطير ودقيق تريد الولايات المتحدة الامريكية ان تفحص اولا مدى قبول الفلسطينيين لتلك الافكار وثانيا تريد ان تهيئ للصفقة في اطار ان ما سيتم الاعلان عنه لن يشكل صدمة للعرب وللفلسطينيين بشكل خاص وبالتالي تقل نسبة رفض المشروع ... 
القمة الامريكية العربية المتوقعة دليل على ان الادارة الامريكية تريد ان تهيئ الجمهور العربي الى ذلك وتريد ان تعلم الشعوب العربية عن الصفقة ليس من خلال قادتها بل من خلال الاعلام قبل ذلك بكثير، الان تنشغل الادارة الامريكية في توظيف كل ما تملك من ادوات وعناصر ومحركات وعرابين ومنسقين للسياسة الامريكية على كافة الاتجاهات مع الفلسطينيين والعرب ومصر والاردن ودول الخليج العربي لتسويق الحل الامريكي للصراع باعتباره الحل الامثل والقائم على حل الدولتين والقرارات الشرعية الدولية وما الى ذلك.
صحيفة الشرق الاوسط اللبنانية كانت قد كشفت قبل فترة ان واشنطن تنوي عرض خطتها في اطار مؤتمر دولي يعقد في احدى الدول العربية ورجحت ان تكون مصر او الاردن ولن تكون السعودية بالطبع لان اسرائيل سوف تدعى الى المؤتمر باعتبارها طرف الرئيس ولم تبرم السعودية معاهدات سلام او تفاهم مع اسرائيل بعد، واذا قررت امريكا عقد المؤتمر خارج الولايات المتحدة فان المؤتمر سيعقد في احدى دول الاقليم التي ابرمت معاهدات سلام مع اسرائيل كالأردن او مصر، ولعل وصول ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان للقاهر في زياره تباحثية هامة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي قد تكون في هذا الاطار...
وانا لا استبعد كثيرا هذا لان كل المؤشرات تدلل ان واشنطن تسعى وتحشد لمؤتمر دولي صوري تقوده ادارة ترامب وتهيئ له بكل دقة لتعرض الصفقة بعد ان تكون حصلت الادارة الامريكية على الموافقة المبدئية لتلك الدول في القمة التي ستعقد في واشنطن قريبا، عندها تشكل آلية لتحقيق بنود الصفقة التي بدأت بالفعل بمجرد ان اعلن ترامب القدس عاصمة لإسرائيل وبمجرد ان اتخذت وزارة خارجيته قرار بنقل السفارة الامريكية الى القدس بحلول ايار القادم.
آيا كان المؤتمر ومتى كان فانه مؤتمر صوري بني على اساس امتصاص الغضب الفلسطيني والرفض للصفقة ولا يمثل سوى طاولة امريكية بجرسونات عرب تتقن تقديم الطعام على اساس الطبخة الأمريكية التي لم يشترك العرب في صناعتها او تحضيرها بل من صنعها وطبخها طاقم يهودي صهيوني بامتياز (جاريد كوشنر وجيسون غريمبلات وديفيد فريدمان) السفير الامريكي في تل ابيب و(نيكي هايلي) مندوبة امريكا في الولايات المتحدة الامريكية وما على الحكام العرب بمن فيهم الفلسطينيين الا ان يأكلوا دون مناقشة ودون ان يقولوا شيئا عن مرارة الطعم وكراهية رائحته...
لعل ما بات مفهوما ان تلك الصفقة هي لتصفية القضية الفلسطينية بغطاء وتعريب عربي وتغيير خطير في الخارطة الجيوسياسية بالمنطقة لتصبح اسرائيل الدولة القوية التي تفرض وصايتها على الجميع وبالتالي يحق لها مشاركة العرب في ثرواتهم وامنهم واستقلالهم ويحق لإسرائيل ان تدوس على رؤوسهم وتهتك عرضهم وتبيع شرفهم وتزور تاريخهم.