الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

غضب غزة القادم ...

نشر بتاريخ: 06/03/2018 ( آخر تحديث: 06/03/2018 الساعة: 11:11 )

الكاتب: يونس العموري

أصبحت منسية، ويتم تجاهلها وتمضي لياليها بصمت، وصراخاتها صارت مزعجة بأعراف كل الجيران،،، وصارت تسمى عاصمة الفقراء والجوع، واضحت عاصمة عواصم امراء امارة الدين الجديد ... وقد يبتلعها البحر ... ولم يعد ناصرا او منتصرا لها ... وهي اليوم وحيدة بوجه قرارات وفرمانات صادرة عن الباب العالي، ومطلوب منها الإنصياع للأمر والأوامر، بصرف النظر عن الآمر، وهي الجريحة تنتظر القرار القادم من نبض الضفة الغربية، نصفها الأخر وما من مجيب، وغزة تزحف نحو البحر لتحقيق النبوءة الكبرى بفعل الابتلاع كونها كانت العصية على العدوان وظلت بالعربية ناطقة بلهجة فلسطينية وطنية بعيدة عن تجاذبات الأمراء هنا وهناك وقاومت العدوان ومزقت رايات الاستسلام، وارتضت بشرعية بنادق الثوار، وكانت الوفية لنداء الاحرار من احراش جرش وعجلون الى ملحمة الصمود ببيروت، وكانت المحتضنة لهم حينما عبروا الوطن لأول مرة وشكلت الحضن الدافىء لمن ضاعت هويته بعواصم التبعية والقرار...
غزة الفريسة واللقمة السائغة على موائد اللئام والرقم السهل في حسابات الارقام باتت تئن تحت وطأة الجوع والتجويع وكأن ثمة قرار بمكان ما بضرورة الخلاص من غزة وغبار سنينها ...
غزة باتت اليوم منكفئة على ذاتها تحاول ان تنهض من نومها غير مصدقة ما يجري تحت جنح ليلها وفي ازقة حواريها ومصاردة هويتها واحالتها الى كم مهمل بعد ان تم لفظها في الوادي السحيق ممن يدعي بأبويتها...
الا ان غزة قد ادركت الحقيقة ومارست أحقيتها بتلك الحقيقة ( فقد تعلمت وادركت غزة ومنذ البدايات ان الحق لا يُعطى لمن يسكت عنه ، وان على المرء ان يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد .. ) وغزة تريد وتريد، تريد حريتها وتريد عيشها بأمن وآمان وتريد كرامتها وترفض ان تصبح مفردة في خطابات المناكفة وتصفية الحسابات ...
هل من حق جماهير قطاع غزة المسلوب الأرادة والضائعة هويته والذي اضحى بلا عنوان او هوية، المباشرة باتخاذ خطوات احتجاجية للمطالبة بإعادة ما تم اقتطاعه من كرامتهم وعيشهم ...؟؟ ولإسماع صوت المعاناة التي باتت تطال الكل بأرض النخيل والقابع ما بين حكم الأمارة هناك وحاكمية السراب هنا، جماهير غزه التي باتت منفصلة عن نبض الضفة الغربية في ظل التغني بالوطن والوطن قد صار قابلا للقسمة والانقسام وهذه الحقيقة التي تكاد تكون الحقيقة الواحدة الوحيدة في ظل حسابات اللحظة الراهنة ..
هل من حق هؤلاء ومن يقف خلفهم من ابناء وبنات واحفاد وزوجات وأنساب واصهار المجاهرة بالإحتجاج على مختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية وحتى الطبقية التي ينتمون إليها...؟؟ أم أن مثل هذه الخطوات والتحركات تندرج في إطار الخطوات السياسية من طرف ضد طرف أخر... والتي قد يُقال عنها مناكفات واستغلال لمن يقف ضد شرعية اللحظة والمنصة، بمعنى أنها مجرد خطوات سياسية استثمارية خدمة لفريق سياسي على حساب الفريق السياسي القابع في الحكومة الحالية بهدف إحراج هذه الحكومة أمام موظفيها وجماهير الشعب الفلسطيني...؟؟ أم انه من حق (المجتمع الغزي) والذي بات بأغلبيته المطلقة يعيش تحت خط الفقر أن يرفع صوته منددا بالحصار الظالم والتعسفي المفروض عليه منذ العقد الأخير لا لشيء إلا لمجرد انه قد مارس فعل الانصياع لقرار اولى الأمر وامتثل للقرار الصادر عن عاصمة السراب..؟؟  
لاشك أن الغضب الذي يعتمر بالداخل الغزي والكامن بثنايا لحظاتهم في القطاع المنكوب بأكثر من نكبه له اكبر الدلالات التي من شأنها أن تعاود طرح المسائل الفلسطينية الداخلية من جديد على طاولة البحث الفصائلية والتنظيمية التي لطالما كانت قد تغنت أنها من الشعب والى الشعب وأنها خادمة لهذا الشعب... فهناك حقائق يجب تداركها، أولا أن الجماهير الرابضة تحت نير الاحتلال لا يجوز بالمطلق أن تتحول إلى خادمة لهذه التنظيمات وان يتم زجها في أتون صراعاتها وخلافاتها سواء أكانت تلك الأيدلوجية أو السياسية او حتى تلك السلطوية ومراكز النفوذ والقوى وصراعات الأضاد ما بين قبائل وزعامات منصة القول وجعجعة الكلام وان كانت من ذات المنصة الواحدة الموحدة تحت راية صفراء ايضا واحدة تتنازعها الولاءات ... من هنا يجب اكتشاف المعادلة التي من شأنها أن تحكم حقيقة واقع الجماهير بالمسألة التنظيمية وبالقضية الوطنية عموما وبالمسألة المعيشية وتوفير مقومات الحياة والصمود وان لا تتحول التنظيمات والأحزاب والتكتلات السياسية وحتى المقاومة إلى عبء على هذا الشعب بمعنى أن هذه القوى والفعاليات يجب أن تبتدع الوسائل والأساليب المتوافقة والمنسجمة وواقع الجماهير وتجنيبها المأساة والمعاناة في المسائل الحياتية اليومية وإلا فإن الكارثة ستكون شديدة حينما يتحول الصراع مع لقمة العيش إلى هم يومي يشغل بال كافة القطاعات الجماهيرية.... ويأخذ الحيز الأكبر في الحركة الشعبية الجماهيرية في ظل الأوضاع السياسية السائدة وتواصل الفعل الإحتلالي بكافة أشكاله القمعية وتعدياته الصارخة على البشر والحجر...
إن الحقيقة الصارخة والواضحة والوحيدة التي يجب مواجهتها أن المعاناة الحياتية لم تجبر الشعب الفلسطيني على أن يستسلم أو أن يرفع الراية البيضاء أو أن يتنازل عن حقوقه وثوابته أو أن يتعاطى والأطروحات الاستسلامية هنا أو هناك ولكن بالمقابل وجد نفسه في خضم الصراع الأكثر قسوة والقاضي بتجويعه وكسر ارادته من خلال استهداف مقومات حياته وبالتالي صموده ووجد نفسه بذات الوقت أمام قيادة فلسطينية سواء أكانت تلك القابعة في الحكم أو من يقف خلفها عاجزة عن إخراجه من أتون المراهنات على التجويع والتركيع... 
فكان الفشل الذريع لكل البرامج السياسية والاجتماعية التي من شأنها أن تتلاقي وتتفاهم على الحد الأدنى مما يمكننا اعتباره تقديم العون والمساندة والمساعدة لهذه الجماهير التي قالت كلمتها ألف مرة ومن هنا جاء ويجيء هذا الغضب الغاضب لجماهير الجوع والمساس بالقوت اليومي في غزة والذي يجد نفسه بجزيرة معزولة عن باقي مكونات الوطن المسلوب الارادة، ورام الله واخواتها قد تتضامن لساعتين من الزمن برفع شعارات هزيلة بتجمع هزيل على دوار المناره ... ليوجه رسائله بأكثر من اتجاه وبشكل أساسي نحو العالم بكافة مؤسساته وتشريعاته التي تدعي العدالة وشرعة حقوق الإنسان كونها تشارك في جريمة إنسانية من الطراز الأول كون هذا الشعب قد مارس حقه بالتعبير عن ذاته من خلال ممارسة ما يسمى بالفعل الأنساني المستند للحق بالحياة وبمقاومة الغاشم وبديمقراطية معايشة اللحظة والتعبير عن الذت والتوق للإنعتلق من الاستبداد والاحتلال الذي يبدو انه كذبة كبرى أن لم تأتي نتائجه وفق رغبات رعاة الإمبراطورية الكبرى في العالم (أمريكا) وربيبتها إسرائيل... قد يكون شكل التحالف الراهن هو الاوضح هذا التحالف بقطبي معادلة حصار غزة ما بين الاحتلال والتجويع من قبل اولي بالصدفة ....
ومن هنا فإن هذا الغضب المتطور والمتدحرج وكأنه أراد أن يقول أن الفلسطينيون على استعداد لقلب الطاولة من جديد وإعادة خربشة أوراق اللعبة أيضا إذا كان المُراد التركيع والتجويع للكل .... وهو إنذار اعتقد انه ما قبل الأخير بهذا الاتجاه وإلا فإن ثورة الجياع ستكون شاملة وبكافة الاتجاهات....
والرسالة الثانية والتي لا تقل أهمية عن الأولى...
أن هذا الغضب انما يوجه الإنذار المباشر للجميع بتحمل مسؤولياتهم والكف عن المزايدات وإدارة شؤون المسماه بالدولة وفقا لإرادة جماهير الفقر والجوع والمنطق الوطني ، ووفقا لمفاهيم ادارة ( الدولة ) لا ان تتم ادارتها وكأنها ادارة لجمعية خيرية وان على الجميع واقول الجميع الإدراك أنهم في الوقت الذي ارتضوا فيه الدخول إلى الملعب السياسي الرسمي فلابد أن يكون التعاطى وقوانين هذا الملعب على أساس الثوابت الوطنية غير القابلة للتفريط ، ولابد من مغادرة الملعب في لحظة تاريخية ان كان هذا الملعب منقلب ومنفلت القوانين ، واعادة للفعل الوطني وفقا لقوانين مرحلة التحرر الوطني ، وتوجيه الغضب الغاضب نحو بوصلته الحقيقة وإستثماره في الاطار العملي لتحقيق الهدف بحق تقرير المصير وبالحق بالعيش بكرامة وبعدالة اجتماعية انظلاقا من الفهم الموضوعي والعملاني لمرحلة التحرر والتحرير الوطني .. وغزة تدرك هذه الحقيقة ....
ولابد من الادراك ان غزة متأهبة للحرب وللسلم وللحظة الفارقة والفاصلة لتشويه وجهها وحقيقتها ...
وغزة أدركت معادلة ساسة الاحتراف اللحظي وأيقنت ان الساسة ( ان تخاصموا أفسدوا الزرع واذا تصالحوا أكلوا المحصول ... )