الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

من عين الحنيّة الى عين العذراء

نشر بتاريخ: 08/03/2018 ( آخر تحديث: 08/03/2018 الساعة: 11:52 )

الكاتب: عيسى قراقع

من عين الحنيّة الى عين العذراء لا بد من أنوثة لذكورة الوقت
في الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، نكتشف ان كل الشهيدات الفلسطينيات ارتقين في القدس او في الطريق الى القدس، المرأة تتوجه الى الصلاة ملغومة بالايمان والبرهان، تدعو الجميع الى عشائها الاخير هناك بين سبع بوابات وتحت قبة المسجد وقباب الكنيسة وتراقب اهدابها كي تظل ساهرة في ضوء دمها، تحرس حدائق الغائبين والانبياء.
في الثامن من آذار تنتظرك طاقة اخرى في صورة امرأة تتكيء على باب مغلق خلف قضبان السجون، تحمل مفتاحا وقلبا في فضاء يفتح يديه، يقوده الغيم ، لترى امرأة تمسك بيد الربيع في رقص أخضر، زهرة لوز تتفتح ، حينها تصدق ان الفضاء نساء، تجمعن كل يوم كي يقسن المسافة بين الحب والسماء.
في القدس زرعنا حديقة ورود وفاءً للاسيرات المناضلات ، الامهات والقاصرات والجريحات، الارض انثى، السماء أنثى، البهجة والدمعة والفرحة والنجمة والشهقة والثورة والوردة والشجرة والرصاصة والقصيدة والقبلة التي تقيم صداقة بين الصمت والشفتين وتطلق النداء.
في الثامن من آذار وتحت أقدام نساء فلسطين ترن اجراس العالم ، من يسمع الاجساد الانثوية التي تقلب الليل والنهار ولا تتوقف عن الحلم؟ عطرهن يحمل من زنازين الموت بريد المساء، جدائلهن تتدلى على اكتاف الجدران، تستدعي الرجال الحاضرين والغائبين ، يفيض الكلام والصمت وما لم تبح به الاشجار ليأس الهواء.
من عين الحنية في قرية الولجة الى عين العذراء في مدينة الناصرة، البتول مريم تسقي الماء للناس، تضخ الماء من بئرها العميق ، تتفجر ينابيعها في الاضلاع الخمس والمسارات المنحوتة في اللحم والعظم والحجر، صوت ملاك يلقي عليها السلام : انت مباركة ايتها العذراء، الرب فضلك على نساء العالمين، هناك نبي قادم، فإن حفروا وهدموا وجففوا وصادروا وصلبوا فكل انثى هي نقطة ماء.
من عين الحنية الى عين العذراء، اكثر من خمسة عشر الف امرأة فلسطينية دخلن سجون الاحتلال، من فاطمة البرناوي حتى ربيحة ذياب ، ومن سميحة خليل حتى زكية شموط، ومن عائشة عودة حتى لينا جربوني، ومن خديجة ابو عرقوب حتى عهد التميمي، هن اللغات ، يبذرن المخلوقات والشهب والرعود البارقات، لهذا قمر فلسطين يظهر دائما في شكل امرأة.
ما هذه المرأة الكنعانية التي قضت شبابها على بوابات السجون تعبيء الانتظار ببريقها دون ملل؟ هناك فارس سوف يأتي ، يطل بعد قليل يرتدي كوفية، في يده وردة ، يملك ناصية الغزل، وما هذه المرأة التي تقف فوق قبر ولدها تزغرد وتنعف التراب كأنها تزرع حقولا من أمل؟
من عين الحنية الى عين العذراء، قالوا المدن نساء، لهذا أحكم الاسرائيليون حواجزهم وحصارهم لكل مدينة، هناك فتاة تتقدم بطفولتها الجريئة الى الموت، هناك اعدام ميداني ودم، شتلة نعنع خضراء في الخاصرة، مريول مدرسيّ يقرع جرس المدرسة هذا الصباح.
قالوا قوة الفلسطينيين في الفلسطينيات، قوة الانثى العظمى، تغطي جرحها بورق الزيتون، تغتسل بانوثتها حتى ينضج التين والعنب، وتفوح رائحة الصيف في ليالي الاعراس.
من عين الحنية في قرية الولجة الى عين العذارء في مدينة الناصرة، المرأة الفلسطينية انوثة الكون، هي الحياة، اخت التراب، اخت السماء، نضع نحن الرجال آلامنا وأحلامنا في جرارها ونعتقها وننتظر المخاض، لا بد من انوثة لذكورة الوقت، لا بد من انوثة لكسر الاغلال، الماء يسيل، هي انثى الماء، الجريحة والمربية والشهيدة والمعلمة والمتفوقة والعاشقة والحبيبة والجميلة والعنيدة والشهيّة ، ترويك وترويك ، تفتح صدرها في اتجاه الكواكب والقدس، الاقرب دائما الى مدارات العين.
من عين الحنية الى عين العذراء ، المرأة والارض والسماء سرّة واحدة، وتسمع صوت الماء هاتفا لا تخف، لا تقتلني تحت ذريعة جريمة شرف، لست طيرا مقصوص الجناح، لست عبدة او جارية، لست فتنة او مجرد غثاء وحيض، في فراشي ولد كل الشهداء ، الموت والحياة والحق والمساواة في عين امراة واحدة .
لا بد من انوثة لذكورة الوقت، قالت الارض، وفي الساحات والشوارع رأيناها، في المنافي والمخيمات والنكبات رأيناها، في السجون وفي المدارس والمظاهرات رأيناها، تحمل ولدها في يمينها والقدس في شمالها وتجلس البلاد كلها على ركبتيها، تتعطر بالزيت والليمون ، تروي الف ليلة وليلة لكل الرجال، لا يضجر الصباح ، رائحة قهوة وتراب احمر في فناء البيت .