الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

فلسطين تزهو بنسائها

نشر بتاريخ: 08/03/2018 ( آخر تحديث: 08/03/2018 الساعة: 13:12 )

الكاتب: ابراهيم الشاعر وزير التنمية الاجتماعية

في الثامن من آذار تذكرت حواراً خاصاً دار في منزلي عام 1994 مع المفكر الكبير هشام شرابي، حول ضرورة الإصغاء للمرأة، وضرورة تقدير وتعظيم دورها بما يتناسب مع أثرها الحقيقي في العائلة والمجتمع؛ حيث قال شرابي أنه لا يمكن للمجتمع العربي الانطلاق والتحرر الا اذا قضى على ثلاثة أنواع من الاضطهاد: اضطهاد الفقير، واضطهاد الطفل، واضطهاد المرأة. ووصف المرأة العربية بأنها "صانعة الإنسان العربي" واذا لم تكن حرة لا أحد يتوقع ولادة انسان عربي حر، ولن يتحقق التغيير المنشود، لذلك ربط شرابي تحرير الإنسان العربي والمجتمع العربي بتحرير المرأة للوصول إلى مستقبل أفضل.
نحن الفلسطينيون ضحايا الظلم والقهر والاستبداد، من أكثر الناس احساساً بآثار الظلم والقهر والاحتلال، وندرك تماماً أهمية انصاف المرأة وتمكينها لأنها شريكة الرجل في عمليتي التحرير والبناء، وتلعب دوراً محورياً في تشكيل البناء الاجتماعي لدولتنا. ونؤمن أنه من المحرمات على شعب يناضل من أجل الحرية أن يتوانى عن العمل الجاد لتحرير المرأة من القيود التي يمكن أن تعيق مشاركتها القوية والفعالة في معركتي تحرير الوطن وبناء المجتمع.
ومن هنا ينبع اهتمام القيادة والحكومة الفلسطينية بتمكين المرأة مضموناً وليس شكلاً، انطلاقا من قيمنا وأخلاقنا الحضارية السامية وانسجاما مع ثقافتنا الوطنية الدينية السامية التي كرمت المرأة ورفعت من شأنها وأعطتها حقوقها الانسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، بعيداً عن بعض سلبيات الموروث الاجتماعي؛ ليس تقليداً لأحد وانما في اطار الحرص على مواجهة الفكر السلبي بفكر نقدي ايجابي يعزز الثقة بالنفس، ويركز على الجوهر والمضمون ويبعدنا عن استيراد كل ما هو زائف وسطحي. ولهذا تعمل الحكومة الفلسطينية ضمن رؤية متكاملة لتمكين المرأة في اطار حداثة اجتماعية موزونة وواعية لا تتعارض مع قيمنا الاخلاقية والدينية والوطنية الموروث الاجتماعي الايجابي.
المرأة الفلسطينية تعاني اضطهادا مزدوجا: الأول مرتبط بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في مختلف مجالات الحياة، والثاني مرتبط ومبني على النوع الاجتماعي ومنبعه بعض سلبيات الموروث الثقافي القائم على التمييز ضدها، حيث لا زالت المرأة الفلسطينية كغيرها من النساء في باقي المجتمعات والدول النامية والمتقدمة على حد سواء، تعاني من بعض أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي.
وبناء على ما سلف، وإيماناً من وزارة للتنمية الاجتماعية بكون المرأة الفلسطينية صاحبة حق في العيش بأمن وأمان وكرامة وسلام، فإننا نبذل قصارى جهدنا لتفعيل ما أنيط بنا من مهام ومسؤوليات تتعلق بتفعيل وتوفير وتطوير خدمات الحماية والتأهيل والتمكين للنساء ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى المشاركة في تطبيق قرار مجلس الأمن 1325 "المتعلق بحماية النساء في مناطق النزاعات والصراعات المسلحة".
تولي الحكومة الفلسطينية اهتماماً كبيراً بتعزيز دور المرأة ومكانتها في المجتمع وتسعى جاهدة لتعزيز المساواة ولتمكين المرأة ومكافحة كل أشكال العنف ضدها. مستلهمين بكل أمانة ما ورد في وثيقة الاستقلال، وفي القانون الأساسي... كيف لا والمرأة الفلسطينية حامية بقائنا وحارسة نارنا الدائمة. وهي جنبا إلى جنب مع الرجل في صلب مسيرة الكفاح والتحرر الوطني للخلاص من الاحتلال.
وهنا نشيد برزمة الإجراءات التي أعلنها دولة رئيس الوزراء د. رامي حمدالله خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت اليوم الإثنين 5 آذار 2018 والرامية إلى تطوير القوانين، وإلغاء الممارسات المجحفة بحق المرأة الفلسطينية، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وإقرار هذه الرزمة يعبر وبكل وضوح عن الإرادة السياسية الداعمة لحقوق المرأة ممثلة بفخامة السيد الرئيس محمود عباس "أبو مازن" وبدولة رئيس الوزراء د.رامي حمدالله، ومجلس الوزراء. وتأتي هذه الرزمة ترجمة حقيقية لسياسات وبرامج حماية المرأة الفلسطينية وتمكينها وتحرير طاقاتها لتساهم بفاعلية واقتدار في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين.
ونحن نؤكد على أن مجمل هذه الإجراءات يعزز وجود بيئة آمنة وممكّنة لعمل الوزارة وشركائها الحكوميين والأهليين في مجال النهوض بواقع المرأة، ويعزز منظومة حماية المرأة، سواء تلك المتعلقة بتعديل قانون العقوبات، وعدم التسامح مع قتل النساء على خلفية شرف العائلة أو دواعي الشرف، أو تلك المتعلقة بالاعتراف بالمكانة والأهلية القانونية للمرأة، من خلال منحها حق التقدم بطلب جواز سفر لأبنائها، أو فتح حساب بنكي لهم، أو نقلهم من المدارس.
إن الحكومة الفلسطينية وبعد إطلاق أجندة السياسات الوطنية الجديدة 2017-2022 وضعت المرأة على سلم الألويات من خلال الأولوية السياساتية - تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وما يترتب على ذلك من تدخلات سياساتية: إزالة كل اشكال التمييز ضد النساء والفتيات، والقضاء على جميع أشكال العنف ضدهن. وكذلك إزالة كل العوائق التي تحول دون المشاركة الكاملة للنساء في التنمية المجتمعية والاقتصادية والحياتية العامة.
وفي إطار جهود الحكومة لتوطين أهداف التنمية المستدامة 2030، وتحديدا على مستوى الغايات، فإننا ملتزمون بضمان تمتّع جميع الرجال والنساء، ولا سيما الفقراء والمهمشين منهم، بذات الحقوق في الحصول على الموارد الاقتصادية، والخدمات الأساسية، وعلى حق ملكية الأراضي والتصرّف فيها وغيره من الحقوق المتعلّقة بأشكال الملكية الأخرى، وبالميراث، وبالحصول على الموارد الطبيعية، والتكنولوجيا الجديدة الملائمة، والخدمات المالية، بما في ذلك التمويل المتناهي الصغر. وتمكين وتعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للجميع، بغض النظر عن السن أو الجنس أو الإعاقة أو العرق أو الإثنية أو الأصل أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك. وملتزمون كذلك بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعنا عليها وفي مقدمتها اتفاقية "سيداو".
إننا كوزارة في طور التحول نحو التنمية الاجتماعية، نولي المرأة الفلسطينية مكانة مرموقة في توجهاتنا السياساتية الجديدة سواء في مجال تمكين المرأة أو في مجال مكافحة العنف ضدها.
ففي مجال التمكين، وكنتيجة لمراجعة سياساتية لبرامج ومشاريع التمكين الاقتصادي للمرأة، تبين أنه على الرغم من أثر هذه المشاريع على مساعدة النساء في توليد ومراكمة بعض الدخل، إلا أن هذا الدخل لم يساهم بشكل ملموس في رفع مكانة المرأة اجتماعيا، ولم يؤثر على إعادة توزيع الأدوار التقليدية داخل الأسرة... لقد بتنا مقتنعين أن المدخل الحقيقي للتمكين الشامل هو التمكين الاجتماعي بما يترتب على ذلك من تعزيز ثقة المرأة بنفسها وبدورها، ومن احترام خياراتها وقراراتها. وكذلك تخفيف عبء الرعاية الاجتماعية عن كاهلها لكي تتمكن من التفرغ للنشاط الاقتصادي والانخراط في سوق العمل. وتمكينها من التمتع بحقها في الميراث كمدخل أساسي لمكافحة فقر المرأة.
بالمقابل، نعمل على تصميم تدخلات تمكين اقتصادي مصممة خصيصا للمرأة بحيث تمكّنها من تملك الأصول والموجودات، ومن الولوج إلى الأنشطة الاقتصادية، ومن توليد الدخل. ونعمل على خلق نظام اجتماعي واقتصادي عادل وممكّن للمرأة. وتم توسيع استهدافات برنامج التمكين الاقتصادي ليشمل المرأة كفئة مستقلة. نحن متوجهون لمكافحة فقر المرأة من خلال التمكين الاقتصادي وخلق بيئة ممكنة لممارسة النشاط الاقتصادي والانخراط في سوق العمل.
ونعمل على إعادة تحديد الاستهدافات بالتركيز على الاستهداف الجغرافي لمناطق بعينها، وعلى فئات بعينها بناء على تحليل الأوضاع ودراسة الحالة. أثبتت التجربة أنه لا يمكن استهداف النساء بنفس التدخلات حيث المرأة ذات الإعاقة، أو المرأة المسنّة لها احتياجات مختلفة ويجب أخذها بعين الاعتبار. كذلك مشاكل واحتياجات النساء ليست متشابهة حسب المنطقة الجغرافية.
أما في مجال مكافحة العنف، فإننا نؤمن باتباع النهج المتعدد القطاعات في التعاطي مع ظاهرة العنف ضد المرأة. وهو نهج يتقاطع عبر عدة قطاعات تشمل: الصحة (الصحة النفسية الاجتماعية والصحة العقلية)، الخدمات الاجتماعية، العدالة/القانون، الحماية والأمن، والتعليم. وهذا النهج يرتكز على الاحتياجات والحقوق للناجيات من العنف، والوصول إلى الخدمات، والسرية والسلامة. والجيد في هذا النهج هو تشجيع انخراط المجتمع المحلي في الوقاية وفي التصدي للعنف، وتحديدا يشرك النساء والفتيات المعنفات في تصميم التدخلات وتنفيذها ومتابعتها.
إن الحكومة الفلسطينية تعمل على عدة مسارات: تفعيل وتطوير نظام التحويل الوطني للنساء المعنفات، تفعيل استراتيجية القضاء على العنف وخطتها التنفيذية، تنفيذ الخطة الوطنية التنفيذية لقرار 1325 للأعوام 2016-2018، إنشاء المرصد الوطني الفلسطيني للعنف ضد المرأة، الانتهاء من مراجعة التشريعات والتعديلات المطلوبة بناء على تقرير "سيداو"، الانتهاء من قانون حماية الأسرة من العنف، تطوير الاستراتيجية الوطنية لتشجيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية، تطبيق وتنفيذ موازنات حساسة للنوع الاجتماعي، تطوير مؤشرات قياس العنف، وتوفير بيانات العنف على مستوى جزئي وتفصيلي.
كنا قد عقدنا العزم بعد المصالحة الوطنية على حشد الجهود للنهوض بالشطر الثاني من الوطن "قطاع غزة الصامد"، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نجدد العزم والأمل في أن تثمر جهودنا المبذولة نحو تحقيق التنمية بمعناها الشامل والمتكامل لأبناء وبنات شعبنا الفلسطيني في جميع أنحاء الوطن وخصوصاً في العاصمة الأبدية لفلسطين القدس الشريف.
وفي الختام نقول، في الثامن من أذار، نجدد التزامنا بالعمل من أجل مزيد من الانجازات التي تصون حقوق المرأة الفلسطينية ومشاركتها وحمايتها، وكل عام وشعب فلسطين بخير.. اشواقهم تسبق امنياتهم في رؤية فلسطين التي نتمنى .. فلسطين السلام.. فلسطين المحبة.. فلسطين التنمية التي يلمسها كل مواطن ومواطنة.