الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

من وحي الثامن من آذار: المرأة الفلسطينية مبدعة صمود وتنمية

نشر بتاريخ: 09/03/2018 ( آخر تحديث: 09/03/2018 الساعة: 09:13 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

في الثامن من آذار من كل عام، وفي يوم المرأة، اعتدنا قراءة مقالات تمجد المرأة في العالم ودورها وإسهامها الحضاري والتنموي. وغالباً ما توضع المرأة الفلسطينية في سياق توصيفي يتداخل فيه الخاص بالعام، ونحن لا نعارض ولا نقلل من أهمية ذلك، ما دامت المرأة الفلسطينية تشكل مفصلاً أصيلاً في جسم المرأة الكونية، بيد أن هذا المفصل له ما يميزه لا كنوع من الغرق في الإقليمية أو الوقوع في أسر الشوفينية، بقدر ما تتطلب هذه المناسبة، أن نشمّر عن سواعد أقلامنا لإنصاف المرأة الفلسطينية، لأن معظم ما كتب عن دورها حتى الآن ظل قاصراً عن إعطائها حقها في التوصيف والتحليل، فإذا قلنا إن المرأة الفلسطينية هي نصف المجتمع، فإننا ننتقص من حقها كأم وزوجة وعاملة ومناضلة وأسيرة وركن رئيس في العملية التنموية وكاتبة ومبدعة ومخرجة سينمائية وفنانة مسرحية ومعلمة " تستطيع أن تتبوأ المرأة الأولى كأفضل معلمة على مستوى العالم" وأستاذة جامعية ومربية ومدبرة ومزارعة منتجة في الحقل ومصدر مودة وحب وتوازن وأم الشهيد.
بل الشهيدة والجريحة والمسعفة والمعالجة والساهرة على راحة مجتمع بأسره امرأة تصنع معجزة بصمودها وعنفوانها وقدرتها اللامحدودة على التحمل، فهي رئيسة للجمعية والبلدية ووزيرة ورئيسة دائرة أكاديمية في الجامعة، لذا فمن الطبيعي أن لا نستطيع إيفائها حقها في مقال واحد، مهما حاولنا التكثيف، فالحلقات كثيرة ومتعددة الأبعاد، وهي أكثر من أن نحصيها ونحددها، لكننا سنحاول في هذا المقال التوقف عند دور المرأة النضالي والتنموي في الانتفاضة الأولى "انتفاضة العام 1987"، لعلنا نجيب بنوع من الاختصار عن سؤال:-
ماذا فعلت المرأة الفلسطينية في تلك المرحلة؟
من بين الكثير الكثير نستشهد ببعض الأمثلة والنماذج على ما قدمت وأبدعت:
أولاً. خاضت معترك النضال في سنوات الانتفاضة، تظاهرت واعتصمت واستشهدت وجرحت وأسرت ودافعت عن الشبان في الميدان وآوتهم وأطعمتهم وأغاثتهم وأسعفت وضمدت الجراح، ودفعت ضريبة باهظة هي أعلى من كل الضرائب.
ثانياً. كانت ذراعاً تنموياً فعالاً ومحورياً، فأسست الاقتصاد المنزلي في سنوات المقاطعة وزرعت وقامت بتربية الأغنام، حلبت وصنعت اللبن والجبن والمربى والمخلل، وعلبت كل ما تستطيع من أغذية لتطعم مجتمع محاصر مستهدف.
ثالثاً. شاركت في الجمعيات التعاونية، في القرى والمخيمات والمدن، وقد تحولت هذه الجمعيات إلى أنوية مصانع ومشاغل ومعامل صغيرة، أسهمت في توفير الضروري لمجتمع منتفض.
رابعاً. أسست رياض الأطفال وشاركت بفعالية في التعليم الشعبي وعملت في التعليم الشعبي، و"البديل وطني"، عندما أغلق الاحتلال المدارس والجامعات.
خامساً. واكبت الفعل الانتفاضي من خلال ما انتجت شعراً وروايةً ونصاً مسرحياً وأغنية ولوحة تشكيلية، وكان لها حضورها في الفرق الفنية التي أهتمت بإحياء التراث الشعبي وتعميمه من خلال الدبكة أو جمع وعرض الأزياء والأدوات التراثية.
سادساً. تقاسمت مع الرجال مهمة السهر الليلي على حماية الأحياء، وكان لها دور في لجان الحراسة الشعبية.
سابعاً. انتظمت في فصائل العمل الوطني وانخرطت في اللجان التنظيمية والسياسة وصولاً إلى أعلى المواقع كما فعلت على سبيل المثال لا الحصر "سميحة خليل وحنان عشراوي وزهيرة كمال وخالدة جرار وربيحة ذياب وآمنة الريماوي وآمال خريشة وأخريات كثيرات كثيرات.
وبعد كل هذا الذي فعلته وأنجزته وأبدعته، يأتي كاتب غافل عمّا جرى ويجري في مجتمعنا ليسطح مكانة المرأة الفلسطينية، ظاناً أنه ينصفها، عندما يحشرها في مربع زوجة المعتقل وأم الشهيد أو الجريح، وكأنها تابع أو مجرد رد فعل لحدثٍ أو موقف، غير مدرك أنها كانت هي صانعة الحدث وصانعة الاقتصاد المنزلي وبطلة التنمية، في مرحلة لم تكن التنمية مفصَّلة على مقاس جهات خارجية، جعلت التنمية "معلبة"، كما كانت المرأة تعلب المخلل في الانتفاضة الأولى، وشتان بين تعليب وتعليب، فالتعليب الأول مرده إملاء وتطويع، فيما التعليب الثاني إبداع للانتصار على الحصار والتجويع.