الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الشهيد باسل الاعرج لم يكن أعرجا..

نشر بتاريخ: 12/03/2018 ( آخر تحديث: 12/03/2018 الساعة: 18:28 )

الكاتب: وليد الهودلي

(في ذكراه السنوية الاولى )
"تحية العروبة والوطن والتحرير، أما بعد فإن كنت تقرأ هذا فهذا يعني أني قد مِتُّ، وقد صعدت الروح إلى خالقها، وأدعو الله أن ألاقيه بقلب سليم مقبل غير مدبر بإخلاص بلا ذرة رياء".
هذا مقطع من وصية الشهيد باسل الاعرج المختزلة والتي كتبها قبل لحظات من استشهاده .. في ذكراه السنوية ترفرف علينا روحه ، تزورنا محملة بالعطر والياسمين ،تلقي بضيائها وتنوء بأحمالها وتفتح آفاقا لا يدخلها الا الشهداء .. وأي شهيد ؟ شهيدنا جمع بين الثقافة والرصاصة ، فك لغز هذا المثقف الجبان أو ذاك المسلح الطائش الذي يجهل لغة الحق والحرية .. انه صاحب المعادلة .. هي ذات المعادلة التي حاور فيها عمر المختار جلاده عندما سقطت نظارته وهو يعلق على حبل الاستعمار المجرم القاتل .. ما أجمل المعرفة والعلم عندما يلتقيان مع المقاومة ومواجهة الظلم ، وما أبشع ان يتمسك احدنا بطرف من أطراف المعادلة فيمشي أعرجا بين الناس يقول ولا يفعل أو يفعل بلاعلم ، تلك وهذه مهاوي الردى ..
ها هي الساحة العربية تعج بحملة السلاح دون ان تكون له الوجهة الصحيحة أو الرشد الذي يضيء له طريقه ، وتعج ايضا بالاقلام والافواه التي تتشدق وتملأ الفضاء ضجيجا بلا ادنى رصيد أو ثمر بل بالعكس تماما تهتك نسيجنا وتدمي أرواحنا وتصب الزيت على نار لا تبقي ولا تذر .
كان شهيدنا من حملة الفكر المقاوم لسياسات الاستعمار بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية ، لم يكن مجرد مثقف بل كان يقود حراكا جماعيا وكان رائدا في هذا الحراك ، كان يتقد حماسا وشعلة تتحرك وسط ادغال الظلام ، لا تهمه قلة السالكين وكثرة الهالكين ، بل كان كل همه كيف تبقى الشعلة مشتعلة نورا ونارا ، كانت حركته عن علم وفكر ناضج يهيء نفسه ويهيء من حوله على الاحاطة بفهم التاريخ والمرحلة واستشراف المستقبل ، وفي نفس الوقت يقود حراكا ثوريا آخر في واقع الفعل ، كان بامكانه أن يتربع عرش المعرفة بما يمتلك من قدرات ميزته عن غيره فيعيش أكاديميا عالي المقام يشار عليه بالبنان ، فيصول ويجول والكل من حوله يصفق ويبدي الاعجاب وعلى صفحته الفيسبوكية ينتشي وجدانه وهو يرى الاعجابات وتعليقات الاطراء ، ولكن رجلا ينتبه وهو يواجه الموت المزلزل الى القلب السليم والاخلاص دون اية ذرة رياء لا يمكن أن يرضى بحياة عرجاء تسير بصاحبها على طرف واحد من اطراف المعادلة .. وهذا الصنف من الناس فيه خلق كبير .. أبى الا وقوفا شامخا مكتمل الاركان .. باسل الاعرج لم يكن أعرجا بل شق طريقه بكل قوة واقتدار بما يحمل من علم وسلاح .
كان همه الذي ختم به حياته القلب السليم الخالي من اية ذرة رياء ، الى الذين يلهثون خلف الكاميرات ، الى الذين نذروا حياتهم للاضواء ومايكروفونات الاعلام ، الى الذين يتناحرون في السباق المحموم للسبق الصحفي المزيف .. الى الذين رضوا بان يكونوا صغارا يلعبون لعبة الصغار فحولوا السياسة الى ملعب صغير وصارت عقولهم ترتمي هنا وهناك لاهم لها الا التقاط صورة أو الظهور في خبر ، تعالوا وانظروا ان كانت لكم قلوبا تفقهون بها ، انظروا الى هذا الذي يقول في وصيته : " وأنا الآن أسير إلى حتفي راضيا مقتنعا وجدت أجوبتي، يا ويلي ما أحمقني! وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد." ، وجد الاجابة عندما سلك بصدق طريق الشهادة ، وجد افصح وابلغ وصية هي فعل الشهيد ذاته دون اية كلمات .. دم الشهيد وحده هو أفصح الكلام وأبلغه ، هي حالة الشهادة الفلسطينية الحرة من كل اصار وأغلال ظلام الواقع المر ، الشهادة الفلسطينية التي خرجت من عبودية الطغاة وعبودية الاستعمار وعبودية دول العالم التي تدعي انها حرة بينما ترزخ في قيود الصهيوينة السوداء ، تحررت من كل اشكال العبودية وحشرت كل هؤلاء في محراب اسود ركع فيها الطغاة وكل اوجه الاستعمار ودول تسمي نفسها أنها حرة أمام تمثال بني صهيون الاخرق .. كشفت أرواح شهدائنا كل هؤلاء وفضحت اسرارهم بينما هي تفتش عن ذرة رياء في اخلاصها لتتحررمنه ..