الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اسرائيل : مستقبل قلق متصارع

نشر بتاريخ: 14/03/2018 ( آخر تحديث: 14/03/2018 الساعة: 20:39 )

الكاتب: عوني المشني


السؤال : هل كلمة صراع تصلح لتوصيف العلاقة داخل المجتمع الاسرائيلي بين المتدينين - بشتى أصنافهم - من جهة والعلمانيين من جهة اخرى ؟؟!!! عندما يرى المحلل السياسي الاسرائيلي مئير كوهين بان بعض الاسرائيليين يَرَوْن في تنامي التيار الديني القومي في اسرائيل بانه يمثل خطرا على المجتمع الاسرائيلي اكثر من خطر النووي الإيراني فان مصطلح صراع يكون في محله تماما ، فالعلاقة لم تعد اختلاف وجهات نظر او فوارق اجتماعية سياسية ، إنما هو صراع للسيطرة على المجتمع بفرض قناعات وأنماط ثقافية واجتماعية عليه وعلى الدولة ايضا بالسيطرة على صناعة القرار فيها . ربما ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو الأكثر خطرا على اسرائيل بالمفهوم الاستراتيجي ، هذا يأتي في باب التحديات الخارجية ، ولكن حتما فان صراع العلمانيين والمتدينين في اسرائيل يأتي في الباب الاول من التحديات الداخلية ، والوقت الذي سيُصبِح فيه خطرا على كل الصعد ليس ببعيد ، ليس ببعيد بعد ان اصبح المتدينين في اسرائيل يمثلون ما نسبته ٢٥٪؜ من السكان ، واذا ما ازلنا بعض الفوارق بين التيارات والفرق الدينية اليهودية فان هذه النسبة ترتفع الى ما يقارب ال ٤٠٪؜ . ومع الأخذ بالاعتبار نسبة الولادة العالية جدا لديهم مقارنة بالعلمانيين فانهم سيصبحوا نصف سكان الدولةبعد حوالي عقد من الزمن اقل او اكثر ، يقابلهم اكثر من ٢٠٪؜ من الفلسطينيين العرب مما يجعل العلمانيين اليهود أقلية في المجتمع . وبعض الباحثين اكثر تشاؤما فيقول الباحث انطون شلحت " نسبة التكاثر الطبيعي في أوساط المتدينين أعلى بكثير من نسبة التكاثر في أوساط العلمانيين، وهذا يؤدي عامًا بعد آخر إلى قلب الميزان الديموغرافي، حتى إن التوقعات لعام 2020 تشير إلى أن عدد اليهود المتدينين سيكون الأكثر بين السكان اليهود .
والاهمية لهذا الوضع لا تكمن في العدد رغم تأثيره ولكنها تكمن في السياسة الممنهجة الحريديم الاسرائيليين في السيطرة على المدن والمرافق والمؤسسات ، فبعد حسم القدس كمدينة حرديم تم حسم طبريا وعديد اخر من المدن ، وفِي مواجهة اكتساح المدينين للمدن الاسرائيلية تجد العلمانيين يهربون الى مدن اخرى ذات طابع علماني لعدم قدرتهم على التكيف مع اُسلوب حياة المتدينين ، الموضوع الثاني ذات الأهمية وهو ادارة الاختلاف لدى المتدينين لا علاقة لها بالمنهج الديمقراطي فهم لا يقبلون الاخر المختلف ويكرهونه الى حد المقاطعة واكثر ، يريدون فرض ثقافتهم ومنطقهم وأسلوب حياتهم على الاخرين عنوة وهذا ما يجعل الاختلاف يرتقي الى حد الصراع في غالب الأحيان . جانب اخر له دلالاته هو ان للمتدينين اليهود مؤسساتهم الثقافية ومدارسهم الخاصة والتي تثقف وتعلم على اساس الكراهية والعنصرية ليس للعرب فحسب بل والعلمانيين اليهود ايضا منا ينتج اجيالا من المتعصبين الذين لا يؤمنون بالتنوع والاختلاف .
اسرائيل تتحول بفعل هذا الوضع الى دولة فيها ثلاث مجموعات غير متجانسة ومختلفة في جوهر العقد السياسي الاجتماعي الذي يجمعهم ، العلمانيين ، الحريديم ، الفلسطينيين ، بهذا المعنى لم تعد الصهيونية بمفهومها التقليدي كافية لتشكل قعدا سياسيا واجتماعيا بين المجموعات الثلاث هذه ، وكما يقول الرئيس الاسرائيلي ريفلين بان اسرائيل تحتاج الى عقد سياسي جديد لان العقد السابق لم يعد صالحا ، نصف سكان اسرائيل لا يخدمون في الجيش ، اثنين من كل ثلاث أطفال يدخلون المدرسة ليسو صهيونيين بالمفهوم التقليدي ، وريفلين امام هذا الوضع يدعوا لدولة ثنائية القومية بعقد جديد يقوم على المساواة ، اكثر من هذا فانه يدخل الصراع الفلسطيني في الحل بضم الضفة الغربية وإعطاء الفلسطينيين حقوقا متساوية .
لكن ريفلين يغرد خارج السرب فالأغلبية في المجتمع الاسرائيلي لا زالت منقسمة وتسعى كل من موقعه للسيطرة ، والديمغرافيا لم تعد ما يؤثر في الصراع الفلسطيني فحسب بل وفِي الاختلاف داخل المجتمع الاسرائيلي بين المتدينين والعلمانيين .
الاخطر من ذلك هو ان هذا الصراع يمس مناحي مختلفة في المجتمع الاسرائيلي ، يمس كل مظاهر العلاقات بما فيها العلاقات مع الدولة ذاتها ، مسألة تجنيد المتدينين أصبحت عنوان الصراع في هذه المرحلة ، وهناك صراع " حتى العظم " حول هذا القانون ، استطاع نتنياهو تأجيله الى حين حفاظا على حكومته ولكن سيبقى متأججا وسيزيد من اتساع الهوة سواء تم النجاح في تجنيد المتدينين ام لا ، وقبل ذلك اضطر نتنياهو الى الخضوع لرغبة المتدينين في موضوع عمل المواصلات يوم السبت ، ووصل الامر الى صبغ بعض النشاطات العسكرية بطابع ديني ، وطبعا تحول الاستيطان من عمل سياسي الى تنفيذ " لارادة الله " في تمكين اليهود .
ان تحول اسرائيل الى دولة دينية بالمفهوم الاجتماعي والسياسي قد تجاوز مرحلة البداية بل وقطع اشواطا كبيره ، هذا يضرب في العمق طابعها الصهيوني السياسي اولا وطابعها الاجتماعي الديمقراطي ثانيا والعلاقات الداخلية القائمة على تقبل الاخر ثالثا ، والاهم من هذا وذاك فان هذا التحول لا يأخذ في كل الأحوال طابعا هادئا بل سرعان ما يأخذ أشكال صاخبة تصل الى حد العنف الاجتماعي ، ربما بازدياد قوة التيارات الدينية يزداد الصخب حدة ، لتنفيذ " أوامر الرب " لا يحتاج المتدينين لقرار أغلبية !!!!! . ان من اهم العوامل التي تجعل هذا الصراع محكوم بسقف متدني هو الصراع الخارجي حيث الخطر الخارجي يجعل من التوافق بين القوى المختلفة في اسرائيل إجباريا ، ان ابقاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي قائما بوتيرة منخفضة عامل مثبط للخلافات الداخلية في اسرائيل ، لكن التداخل الذي يفرضه الوضع السياسي الناتج عن غياب حل الدولتين والاقتراب تدريجيا من الدولة الواحدة العنصرية سيجعل هناك تداخل قوي بين الداخلي والخارجي وسيجعل من الصراع بين فئات المجتمع الاسرائيلي المختلفة مرتبطا ومتداخلة مع الصراع الخارجي ، هذا سينشئ علاقات معقدة بين الداخلي والخارجي وسيقود الى مشهد إسرائيلي مختلف جذريا عما هو سائد .
في نهاية المطاف اننا امام اسرائيل الجديدة ، اسرائيل الدولة المنقسمة على ذاتها إثنيا وقوميا ودينيا والتي لا يوحدها عقد سياسي اجتماعي متفق عليه بل يكاد ان يكون هذا العقد احد عوامل الانقسام ، اسرائيل القلقة المتوترة ، اسرائيل المسكونة بغياب اليقين فيما يخص المستقبل وعلى مختلف الصعد . اسرائيل المستقبل تتآكل فيها القيم المحفزة لتحل قيم المجموعات مكانها ولكل مجموعة قيم خاصة بها .