الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

عمليات اغتيال القادة.. عملاء في دائرة الاتهام

نشر بتاريخ: 16/03/2018 ( آخر تحديث: 16/03/2018 الساعة: 12:12 )

الكاتب: د.ياسر عبد الله

تُعَدْ أساليب التنشئة الاجتماعية في أوساط الشباب الفلسطيني هي أساسُ بناءِ جيلٍ واعٍ مثقف يعي ما يدور حوله مدركاً مخاطر سلوكه اتجاه مجتمعه، وعليه فإن مؤسسات التنشئة الاجتماعية –الاسرة، المدرسة، الجامعة، دور العبادة تتحمل مسؤولية رئيسية لتحصين الاجيال من مخاطر جمة تلتف حولهم عبر التاريخ، فقد كانت التجارب التي مر بها الشباب الفلسطيني متناقضة منها تجارب في ساحات النضال والتضحية تلك التي يجب أن تدرس للاجيال وأن تكون قاموساً سياسياً وطنياً يستند عليه الشباب في بناء مستقبلهم ومستقبل الوطن، وقصص اخرى بقيت عاراً في تاريخ الشعب الفلسطيني فقد سقط عدد من الشباب- ذكورا واناث شباب وشيوخ واطفال في فخ العمالة والجاسوسية؛ ويعود ذلك الى قصور في مهام مؤسسات التنشئة الاجتماعية وأثر الاوضاع الاقتصادية الصعبة في حياة الفلسطينيين وان لم يكن ذلك سبباً منطقياً للخيانة الا ان أجهزة مخابرات العدو كانت تستغل كل الهفوات والثغرات في أوساط الفلسطينيين كي توقع بهم وتجعل منهم مصادرا للمعلومات حول المقاومة والثورة الفلسطينية.
فقد اغتيل العديد من المناضلين والقادة في الداخل والخارج ولم يكن ليحدث ذلك دون مساعدة من العملاء والجواسيس، ففي العام 1973 اغتيل كمال عدوان وسعد صايل والنجار حيث تمكنت اجهزة مخابرات العدو من الوصول الى فراش كمال عدوان حيث تم اغتياله أمام افراد عائلته، وكُتِبَ عن ذلك في صحيفة يديعوت أحرونوت:" إن سفن سلاح البحرية نقلت الجنود الإسرائيليين إلى ميناء بيروت، ومن هناك وصلوا إلى الشاطئ بواسطة قوارب كوماندوس. ولدى وصولهم إلى الشاطئ بملابس مدنية كانت في انتظارهم سيارات محلية يقودها عملاء الموساد ، وقاموا بإيصالهم إلى الأهداف المختلفة لتنفيذها."
وفي العام 1988 في 16 نيسان وبعد 15 عام من اغتيال القادة الثلاثة قاد المجرم بارك عملية اخرى في ملف الاغتيالات حين اشرف على عملية اغتيال القائد خليل الوزير في تونس في منزله مام افراد عائلته - زوجته وابنه نضال - وكان كمال عدوان قد اغتيل امام زوجته وابنه يوسف ايضا وكما ورد في وسائل الاعلام :" اغتيل خليل الوزير على يد فريق من الكوماندوز الإسرائيلي، التي أبحرت بحسب ما اعلن بقارب من إسرائيل، وبدعم على الشواطئ من عملاء الإستخبارات الإسرائيلية الموساد، وبإستخدام بطاقات هوية لصيادين لبنانيين خطفوا للوصول إلى وسيلة للدخول لمجمع منظمة التحرير" ؛ هنا ايضا العملاء قاموا بدورهم في تسهيل مهمة الكوماندوز الصهيونية الى فراش ابو جهاد واطلقوا عليه النار من مسافة الصفر امام اسرته؛ نفس السيناريو يتكرر دون تعلم من الدروس والعبر.
في بداية العام 1991 وفي 14 كانون الثاني تمت عملية اغتيال في منزل القائد ابو الهول (هايل عبد الحميد) حيث كان يعقد اجتماعاً ابو محمد العمري الملقب فخري العمري على يد عميل الموساد "حمزة ابو زيد" وهو أحد مرافقي هايل عبد الحميد والذي نفذ عملية الاغتيال وهذه المرة بيد فلسطينية تلوثت بوحل العمالة وخسرت الثورة قادة ثلاث من أعظم قادة الثورة الفلسطينية ولم نتعلم من الدورس والعبر فالوسيلة دائما هي العنصر البشري الفلسطيني في عمليات الاغتيال جميعها.
والاغتيال الاعظم في نهاية العام 2004، ما زال مجهول المعالم ولم يكشف، وهناك تململ ومماطلة في كشف خبايا عملية اغتيال الشهيد ياسر عرفات ولم تعترف اسرائيل باغتياله كما تفاخرت باغتيال القادة السابقين، فهل هو استراتيجية لحماية منفذي عملية الاغتيال لان الاغتيال هو سياسي بامتياز وانهاء حقبة من تاريخ القادة العظماء في تاريخ الثورة الفلسطينية، فقد ترددت اشاعات كثيرة حول عملية الاغتيال وتبادل للاتهامات ولكن القاتل ما زال طليقا وقد يكون يصول ويجول بيينا ولا نعرف متى ستكشف اسرار الحكاية والرواية.
قضية محاولة اغتيال "طارق ابو رجب" ما زالت تسجل ضد مجهول فلم تعلن اسرائيل واجهزتها حتى الان عن مسؤوليتها عن محاولات اغتيال "ابو رجب"؛ فقد كان قائداً اميناً فذاً وكبيراً بحجم الوطن واغلق الملف ضد مجهول كما هي العديد من محاولات الاغتيال اغلقت ضد مجهول؛ فمن وراء اغتيال هؤلاء العظماء؟
تاريخ الاغتيالات للقادة الثلاثة في بداية تكوين الثورة وفي ذروة العمل الفدائي واغتيال ابو جهاد مع بداية أعظم انتفاضة شهدها التاريخ الفلسطيني إنتفاضة الحجارة، وإغتيال "ابو اياد" مع نهاية الانتفاضة نفسها واغتيال امير الشهداء ابوعمار مع نهاية انتفاضة الاقصى التي لقنت العدو درساً في العمل الفدائي وبرهنت ان الشعب الفلسطيني ما زال في جعبته الكثير للوقوف في وجه الاحتلال وها نحن اليوم نقف امام انتفاضة القدس؛ ولكن نقف في وجه اكبر قوة في العالم وهي امريكا راعية المشروع الصهيوني، وما زل ملف الاغتيالات قائم في اجندة الموساد-والاطراف ذات المصالح - ولن يتردد في اقصاء اي قائد يقف في وجه حلم دولة صهيون.
ومحاولة استهداف موكب رئيس الوزراء الفلسطيني ورئيس جهاز المخابرات العامة مؤخرا تندرج تحت سيناريوهات ثلاثة:
الاول: ان تكون حماس لا ترغب بالمصالحة. وهناك تجربة اغتيالات الانقلاب الاسود بدم بارد فما زل دم أكثر من 380 شهيدا من فتح معلق برقاب حركة حماس وكتائب القسام.
الثاني: ان تكون إسرائيل تريد تخريب جهود المصالحة. وهذا سيناريو متوقع من العدو ولكن لو كان هناك نوايا حسنة من طرف حماس للمصالحة لكن هذا السيناريو قد أعدم في عقر بيتهم.
الثالث: صراعات داخلية وخصوم الشرعية وراء الحادث.
وللوقوف امام السيناريوهات الثلاثة لا يستبعد ان يكون هناك مصالح مشتركة بين الاطراف الثلاثة التي تسعى الى استهداف المشروع الوطني والتي قد تكون اتفقت على تنفيذ مثل هذا الجرم بهدف إنهاء جهود مصر في اغلاق ملف المصالحة لان تلك الاطراف قد افلست من الاكاذيب والمبررات التي تحاول بها أن تشوه القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، وبدأت تتخبط وتتهور في تصرفاتهم الغبية، ولكن السيناريو الاكثر خطورة ان يكون خصوم القيادة الفلسطينية من الفلسطينيين المطرودين من الحركة قد حاولوا بدهاء تنفيذ العملية لانهم الاكثر تضررا من المصالحة في حال تم ذلك.
وفي معادلة المصالح، فإن الخيارت جميعها مطروحة امام ما حصل وما يحصل وما سيحصل، فهناك العدو الصهيوني بالدرجة الاولى يسعى الى تعميق الخلاف في فصائل الشعب الفلسطيني وحركاته السياسية ويسعى اخرون لهم مصالح ذاتية ومطامع في الاستحواذ على السلطة بغض النظر عن مصلحة الوطن والمواطن، ومن يملك تلك النزعة الذاتية وحب التملك والاستحواذ مؤكدا انه يعمل بكافة الوسائل والسبل دون مباديء واخلاق ويتحالف مع الكل – العدو والمعارضة – من اجل الوصول إلى السلطة.
وحتى نثبت للاحتلال وللعالم صِدقَ النويا وان ما يحدث صنيعة الاحتلال، يتوجب على حماس في غزة – المحافظات الجنوبية لفلسطين – أن تمكن الحكومة من مهامها وبذلك تُغلق الابواب وتتوقف الاتهامات، أما أن تبقى الامور على ما هي حتما أصابع الاتهام ستبقى موجهة لهم ولمن يتحالف معهم من خصوم الشرعية ويبقى الاحتلال وأجهزة مخابراته هم من يحرك الفتنة، ويجب أن يعي الفلسطينيون أن الموساد قد زرع عملاء له في فصائل المقاومة مهمتهم تنحصر في زرع بذور الفتنة والتحريض ضد وحدة الشعب وخلق معوقات في فصائلهم بهدف إعاقة تمكين الشرعية من مهامها والقيام بواجباتها إتجها محافظات الوطن الجنوبية "غزة".
وفي الختام تعددت الاساليب والادوات في ملف اغتيال قادة الفصائل الفلسطينية عبر سنوات النضال الطويلة؛ والقاسم المشترك في كافة العمليات هو العنصر البشري الفلسطيني الذي جندته المخابرات الصهيونية للتتمكن من اعظم قادة في تاريخ الثورات في العالم وفي تاريخ الثورة الفلسطينية، ولم نتعلم الدروس والعبر من ذلك فما زال الكثير يسقط في فخ العمالة حتى يومنا هذا ومازالت المخابرات الصهيونية تجند عملاءها في كل مكان لأهداف مختلفة تصب في خدمة المشروع الصهيوني، ويعود ذلك الى العقم في اساليب التنشئة الاجتماعية والعجز في معالجة تلك الظاهرة واقتلاعها.