السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ترنيمة في الوعي.. جيفارا الفلسطيني.

نشر بتاريخ: 22/04/2018 ( آخر تحديث: 22/04/2018 الساعة: 12:27 )

الكاتب: عبدالله زماري

باحث في شؤون التنمية
امام ناظريك تبرز صورة تشي جيفارا على متعلّقات بعض الشباب (الثوري) الفلسطيني، مثل الملابس الكتب الميداليات خلفيات موبايل وصور بروفايل على وسائل التواصل الاجتماعي..الخ، وليس سرّا ان غالبية هؤلاء هم ممن يعتنقون او يميلون للفكر اليساري، مع انه ليس حكرا عليهم، سواء انتموا لتنظيمات أم لا. ليس لدي موقف مضاد لجيفارا كشخص او كونه ايقونه ثورية اممية، ولكن ربما اسميه تحيّز للفلسطيني، هو امر مرتبط بالوعي الوطني، ومفهوم ووجود القدوة الوطنية الملهمة للشباب الفلسطيني، ايقونه فلسطينية تشكل الجيفارا الفلسطيني وليكن اكثر من ذلك. وهنا اسأل، لماذا جيفارا؟ وماذا يعني لفلسطين؟ وهل ليس هناك من فلسطيني يصلح ليعتلي قمصان الشباب وميدالياتهم وصور بروفايلاتهم؟ واسئلة اخرى من هذا النوع...
مرة اخرى الوعي الوطني، برأيي المتواضع فان ارتباط الثائر الفلسطيني بقضيته سيكون اقوى واكثر التصاقا لو كان ايقونته (قدوته) او ملهمه فلسطينياً، نعم انه من الجيد استلهام تجربة الثوريين في العالم فجيفارا او جياب او نيلسون مانديلا او غاندي او حتى هوجو شافيز وغيرهم، ثوار وقفوا في وجه القوى الاستعمارية والامبريالية، او مهما كانت التسمية التي احببتم اطلاقها على الاستعمار واستعباد الشعوب والسيطرة على مقدّراتها، وجميل ايضا التضامن مع دعاة الحرية والمقاتلين في سبيلها في كل العالم وخاصة من تضامن منهم مع الشعب الفلسطيني في اي مرحلة من مراحل نضاله، ولكن، أليس من الأولى ان تكون ايقونتنا فلسطينية وان يكون ملهم شبابنا وشاباتنا من ابناء الارض التي يدافعون عنها ويسعون لتحريرها؟
اغتراب فردي ام تنظيمي
جانب اخر يثير التساؤل حول اسباب هذا الاغتراب في القدوة، ألم تستطع التنظيمات الفلسطينية تبني قدوتها (ايقونتها الملهمه) لانصارها واعضائها الشباب منهم خاصةً والاكبر سناً؟ أم ان تراجع اداء التنظيمات وتأثيراتها وابتعادها عن ساحة العمل الميداني ذو الزخم هو السبب في ابتعاد انظار هؤلاء الشباب الثوريون عن قدوة محليّة (وطنية)، ودخول التنظيمات نفسها في حالة اغتراب، ام ان الفجوة بين الاجيال، ما بين الحرس القديم في التنظيمات وجيل الشباب المتوقد طاقة والمتحفز فعلاً، هي السبب في اختلاف الوعي بهذا الجانب، ام ان ذلك مظهر اخر من مظاهر التردي والتراخي الذي اصاب كل جوانب الفعل النضالي والسياسي الفلسطيني؟ هل هي وسائل التكنولوجيا والتواصل الحديثه التي فتحت اعين الشباب على تجارب الآخرين فجعلت تبني النماذج العالمية للثوار امرا متاحا وجاذباً، مع ان جيفارا مثلا ليس امرا جديدا طارئا بل ارتبط باليسار الفلسطيني منذ عقود؟ وايضا في الجانب التكنولوجي، لماذا لا تتعولم النماذج الايقونية الفلسطينية مستغلين الثورة في عالم الاتصال والتواصل والمعلومات الرقمية وهو امر ليس صعبا بالمناسبة فتسريحة شعر عهد التميمي اكتست نوعا من الالهام في اوروبا مثلا اضافة الى الساحة الداخلية، كما ان حنضلة الفلسطيني اصبح رمزا عالمياً للنضال والكفاح الفلسطيني.
ما لا نقول
الى جانب ما اريد ان اقوله، هناك ما لا اقوله، مثلا، انا لا اقول ان هناك خطر داهم ناتج عن استلهام جيفارا كايقونة ثورية ملهمه، ولا اقول ان ليس هناك رموز فلسطينية ملهمه وقديويّة، ولا اقول ايضا ان هذا هو السبب الوحيد لحالة الاغتراب التي يعيشها جزء كبير من شبابنا، لكنه بالتأكيد جزء من الاسباب، وما اخشاه هو دخول نسبة كبيرة من شبابنا في حالة تيه، ربما كان احد اسبابها غياب القدوة الوطنية الملهمة، وما دمنا في حالة سعي نحو التحرر فانا اعتقد جازما ان القدوة لا بد ان تكون وطنية بالضرورة، لما في ذلك من ارتباط نفسي يتراكم في الوعي الفردي والجماعي ويشكل دافعا نحو استمرار نبض الثورة، والتي حتى لو ابتعدت عن الفعل المؤثر الآن، الا ان ذلك لا يعني انطفاء جذوتها، فما اسهل ان تتغير الظروف المحليه والاقليمية لتعود الى الواجهة اشكال نضالية غابت بسبب هذه الظروف.
وعي التاريخ، وعي هوية ووجود
مرة اخرى الوعي، الوعي بالتاريخ، الوعي بالهوية، والوعي بالرواية التي يجب ان نرسّخها ونورثها للاجيال، قادة النضال، الشهداء العظام، العلامات البارزة في القتال والفكر على حد سواء يستحقون ان يخلّدوا، ولكن ما نفع التخليد في ادبيات الحركة او الجبهة او الفصيل ان لم يدخل هذا التخليد الى طبقات الوعي الحاضر والمتراكم عبر الاجيال.
نسأل سؤالا هنا ربما المكان المناسب له، قد يكون بسيطاً، لكن اجابته مؤشرٌ لما نحن عليه الان: كم شابا ذو فكر ثوري يعرف عمر القاسم، ايمن الرزة، ثائر حماد، بهاء عليّان، محمود الزرعيني، اشرف ابو لبده، رائد الكرمي، وغيرهم عشرات ربما اكثر منهم بروزاً، من يعلم شيئا عن النسر الأحمر والفهد الاسود .. وغيرها من التشكيلات التي كانت علامات بارزة في تاريخ العمل النضالي الفلسطيني، قد يعرف القليلون معلومات عن اسم او اكثر من هؤلاء، في ظل عدم تمكن اغلبية الشباب بعمر العشرينيات عن معرفة صاحب صورة خليل الوزير، فيصل الحسيني، جورج حبش، مثلا، وعدم معرفتهم ماذا تعني الحروف (م ت ف) او (ق و م) والحديث هنا عن طلبة جامعيين بالذات، في ظل هذا الجهل فانني اشك ان 2 من كل عشرة شبان سيعرفون شيئا عن الاسماء اعلاه ويكاد يكون مستحيلا ان تجد شابا في العشرينيات يعرف كل الاسماء اعلاه، فما بالك لو سئلوا عن اعلام في الفكر والادب المقاوم.
من يتحمل المسؤولية
المسؤوليه بالتاكيد يتحملها الاكبر سنا (الاهل، التنظيمات، مؤسسات السلطة، وسائل الاعلام، والشباب انفسهم، وانا وانت) لا احد بريء من مسؤوليته هنا.
والتغيير الواجب يتحمل عبئه ايضا من ذكروا اعلاه، لنبدأ جميعا في اعادة صياغة روايتنا، صناعة قدواتنا لتلهم القادم من الاجيال، فلم يفت الاوان بالتاكيد، ولكن ذلك يستدعي ان تقوم الحركات والتنظيمات الفلسطينية باعادة صياغة نفسها وتعريف دورها للخروج من حالة ما يشبه الاغتراب التي دخلت بها بنسب متفاوتة، مبتعدة عن اثبات الوجود من خلال محاولة نفي الآخر او على الاقل تجريمه وتخوينه في لعبة تشبه (مسك المماسك المتبادل) ما بين التنظيمات المختلفة.