الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

انسان "الجمهوريات"

نشر بتاريخ: 25/05/2018 ( آخر تحديث: 25/05/2018 الساعة: 09:33 )

الكاتب: موفق مطر

نعتقد بضرورة إعادة الاعتبار لموضوع الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني في ارض وطنه فلسطين عند طرح القضية عموما والقدس خصوصا، بما يحقق التوازن على الأقل بين طرحين الأول: يعتمد المقدسات (الرموز والأماكن الدينية) لبناء مواقف أو استحداثها أو حث الرأي العام على التفاعل مع القضية، فيما الطرح الآخر مرتكز على مبدأ الحقوق التاريخية والطبيعية والسياسية والقوانين والقرارات الدولية، وكذلك المنتوج الثقافي للشعوب والأمم الحضارية التي ثبتت اسم فلسطين ليس مجرد اسم علم وإنما حقيقة مادية جغرافية وبشرية سكانية منذ فجر التاريخ، ونتاج حضاري معلوم مدون ومؤرخ، تمكن أي باحث عن الحقيقة بتجرد استخلاص شواهد وبينات مادية لا يمكن للغزاة طمسها او تدليسها.
تبقى المساحة الزمنية للمقدسات محدودة، تقاس منذ النشأة الأولى لعقيدة سماوية وحتى اليوم، أما المساحة الزمنية للحقوق التاريخية والطبيعية والبنية الحضارية لشعب فلسطين فهي أبعد وأعمق بكثير، ويكفي القول ان (اريحا) هي أول مدينة مأهولة في الدنيا لإثبات ما نذهب اليه، آخذين في الاعتبار أن بدايات ازمان الرسائل السماوية باتت معروفة للعالم، فيما العالم نفسه يعلم أيضا ان معنى الشعب والدولة قد نشأ وتجسد على الأرض بأشكال متعددة قبلها بآلاف السنوات، حتى وان اتخذت لنفسها مصطلحات اخرى كالامبراطورية، أو المملكة، لكن فكرة الدولة بنظامها القائم على القواعد الثلاث الأرض وسلطة القانون والشعب، كانت موجودة، وقدم الفلاسفة والحكماء تصوراتهم لأنظمة سياسية (جمهوريات) يمكننا استخلاص التشابه الكبير بينها وبين الدول الديمقراطية في عصرنا الحديث، كمملكة سبأ، ودولة الفراعنة في وادي النيل، وقوانين العين بالعين والسن وبالسن الآشورية، أما الاغريق والرومان فلجمهورياتهما وعاصمتيهما روما وأثينا جزء رئيس مهم من مكتبة التجارب الانسانية في موضوع الفكر والنظام السياسي والاجتماعي وأركان الدولة.
تتغير حدود الجغرافيا المرسومة على أسس دينية، لكن الحدود الوطنية للشعوب تبقى قائمة حتى لو وصلت في زمن ذروة القوة لأن تصبح اشبه بالحدود القارية، ما يعني ان الاعتداد بالمساحة الزمنية للمقدسات يبقى في اطار الاعتداد بحدود الجغرافية الوطنية، ذلك انها جزء أصيل من مكون الهوية الوطنية، بخصائصها الثقافية والحضارية الانسانية، فإنسان هذه الأرض فلسطيني أولا وأخيرا منذ فجر التاريخ ومنذ بداية نشوء المجتمع الانساني، مازال العلماء يبحثون عن بداياتها، وكلما وصلوا الى حلقة ظنوا انها الأولى اكتشفوا ان من قبلها سلسلة حلقات ايضا.
عاد الذين غزوا بلدانا وأقطارا في العالم وساروا بحملاتهم الاستعمارية الاحتلالية تحت يافطات دينية الى مواطنهم الأصلية في نهاية المطاف بغض النظر عن تأثيراتهم الايجابية او السلبية، وعن شكل العودة، هزيمة كانت بعد حين، او انسحابا طوعيا، او قسريا نتيجة ثورات اهل البلاد الأصليين، أما اليوم فان العالم لم يعد يصدق مروجي هذه اليافطات، وبات يمتلك مناعة كافية، تحميه من الانزلاق في صراعات وحروب دينية، مهما بلغت دقة تزوير المراجع الدينية، ومهما بلغت كثافة المصطلحات الدينية والمقدسات في خطاب الحرب والصراع الديني.
ارتكازا على ما تقدم وباعتبار ايماننا بتكامل الحضارات والثقافات الانسانية، وبأن مصطلح حروب وصراع الحضارات والثقافات ماكان إلا لضرب مبدأ السلام الفردي والجمعي، وتضليل وعي الانسان، فان مهمتنا ونحن ننتصر لقضيتنا، وجوهرها وروحها القدس هي استحداث ادق حالات التوازن في طرح قضية المقدسات باعتبارها شأنا انسانيا،وعاملا في ترقية النفوس البشرية، تطهرهها من تعاميم العنف وتقديس سفك الدماء باسم الله والرب، وتعزز وشائج السلام والمحبة بين الشعوب بدون ادنى فوارق أو تمييز، وبين طرح الحقوق التاريخية والطبيعية والسياسية والقانونية باعتبارها قاعدة السلام والأمن والاستقرار في أي مكان في العالم، تؤمن لأتباع العقائد والديانات الحرية والسلام.