الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

" الحب في زمن الكوليرا "

نشر بتاريخ: 30/05/2018 ( آخر تحديث: 30/05/2018 الساعة: 16:03 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

من يكتب مقالة عن الكوليرا والحب في وقت يكتب فيه جميع العقلاء الان عن غزة والكاتيوشا والحروب والغارات ومسيرات العودة ومرض الرئيس وسوريا ولبنان ورام الله!!
والحقيقة أنني أرى هذا هو الوقت المناسب لنكتب عن الأدب ، لان كثير من السياسيين قليلو أدب . ووجب علينا تذكيرهم أن علوم السياسة أوصت أن يكون القائد سياسي وليس عسكري، لان العساكر والجنرالات لا يفكّرون بغير استخدام القوة، فهم لن يمضوا ساعات في محاولة فتح الباب، وإنما يكسرون الباب فورا.
رجل السياسة يجب أن يملك الحلول، ولكن في العالم العربي وحين فقد الساسة القدرة على ايجاد الحلول، استدعوا الجنرالات لكسر الأبواب!!! فبقينا في العراء بلا باب يحمينا من وحوش الحياة.

ونحن نشاهد التلفزيون . لفت أنتباهي ضحكة عالية من بعض الأصدقاء حين جاء مقطع فيه إسم رواية الاديب العالمي جابرئيلا ماركيز ( الحب في زمن الكوليرا ) . ضحك الأصدقاء كثيرا حين قام الفنان الكبير عادل إمام برمي الرواية من النافذة . سألتهم لماذا تضحكون ؟ هل لأن الفنان عادل إمام رمى الرواية من النافذة ؟ أم لان عنوان الرواية الحب في زمن الكوليرا ؟
فاجابوا أن اسم الرواية مضحك !! وهل قرأ أحدكم الرواية . سألتهم ؟
بعضهم إستدرك الأمر وكفّ عن الضحك ، وبعضهم حاول التبرير بان الفنان عادل إمام فنان كبير وهكذا .
لا شك ان الفنان عادل إمام فنان كبير وله جمهوره ، ولكنني لا أتفق معه ومع كاتب السيناريو لفلم السفارة في العمارة ( وهو فلم وطني مصري جدير بالمشاهدة ) على أن تكون رواية " الحب في زمن الكوليرا" مثار للسخرية الهستيرية . لأنها من أهم روايات الأدب العالمي في العصر الحديث . فهل يجوز لسكان الكاريبي مثلا أن يسخروا من رواية أم سعد لغسان كنفاني أو رواية المتشائل لايميل حبيبي أو رواية فوضى الحواس لأحلام مستغانمي أو رواية الأبنوسة البيضاء لحنا مينا ؟ او رواية يعقوبيان لعلاء الأسواني أو رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ او رواية موسم الهجرة الى الشمال للطيب صالح !!!!!!

بالعكس . نحن العرب ، نعيش الاّن في زمن الكوليرا الحقيقي ، بل إن الواقع الذي تحدث عنه ماركيز في الرواية هو ما ينطبق الان على رام الله وغزة وعمان والقاهرة وبغداد وبيروت ودمشق وعدن وظفار ومراكش و.....الخ . لا سيما وان الشباب العربي يموت من القهر .

تقول " رواية الحب في زمن الكوليرا " : في قرية صغيرة في الكاريبي، وقع شاب فقير ( فلورينتينو ) في حب تلميذة ( فيرمينا دازا )، وتعاهدا على الزواج . لكن "فيرمينا دازا" تزوّجت من طبيب غني ويملك ما لا يملكه فلورينتينو . والعاشق لم ييأس ولم ينتحر ولم يرم نفسه في النهر ، وإنما : 

إنتظر العاشق 50 عاما حتى توفي زوج دازا ، وذهب في نفس يوم وفاة الزوج لطلب يدها . فوبّخته وطردته وقالت له إنه مجنون جاء يطلب يدها بعد أن أصبح عمرها 70 عاما !!!
الحبكة في الرواية هي موقف ابن السيدة وأبنته هو من كل هذا . إبنته إعتبرته مجنونا يهذي ، ولكن إبن السيدة دازا شجّعها ان تمضي الشيخوخة مع شخص تحبه .
وفي الرواية نصائح حول تأملاتنا في الحياة ومفهومنا حول الزواج والشيخوخة وانها لا تختلف عن تأملات أولادنا في الحياة وموقفهم من الشباب والثورة والإصرار والوطن.
الرواية قاسية لكنها مليئة بالعبر. هل نقبل الشيخوخة كبوابة موت؟ أم أننا قادرون على الموت بطريقة أفضل وندفع شخصياتنا لتقبله.. وماذا يحتاج الانسان في عمر 70 (قبل اختراع الفياغرا حين كتبت الرواية). ماذا يحتاج سوى الحنان والأحاديث والتأملات وهو يرى فيها الحبيبة رغم تبدل مظهرها وذبولها وتجاوزهما عمر (70 عاما)، ويتصادقان مع تشجيع إبنها الذي يفرح لأن أمه وجدت رفيقا من عمرها يتفاهم معها ومع نقمة ابنتها التي ترى الحب في هذه السن (قذارة)، مما يؤدي بالأم لطردها من بيتها.

أجمل ما في الرواية. أن هذا العاشق المتأخر، قام باختراع كذبة لطرد ركاب السفينة والانفراد بالعجوز التي يرغب في الحديث معها بهدوء، فادّعى أنه مصاب بالكوليرا هو وحبيبته العجوز. وهرب جميع الركاب، ونزلوا على ضفاف النهر، وما كان منه سوى أن واصل الكذب ورفع علم الاصابة بالوباء فوق ظهر المركب حتى يبقى معها لأطول فترة ممكنة. ورغم ان دائرة الحجر الصحي اكتشفت كذبه. الا أنه واصل الابحار في النهر، معها، لوحدهما يختبئان وراء راية الكوليرا.

في نهاية الرواية يقول ماركيز: إن احدا لا يستطيع تعليم الاخرين الحياة.
وكأنما يقول لنا نحن في العواصم العربية أننا نستطيع نحن ان نقرر كيف نعيش، إذا فشل السياسيون في منحنا الحياة.