الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اسرائيل والموقف الحقيقي من مشروع ترامب

نشر بتاريخ: 24/06/2018 ( آخر تحديث: 24/06/2018 الساعة: 13:33 )

الكاتب: د.سفيان ابو زايدة

الاخبار التي تتوارد حول ما سمعه مبوعثو الرئيس الامريكي خلال جولتهم في المنطقة في كل من مصر والسعودية والاردن والامارات، هي اخبار اذا ما كانت صحيحة مطمئنة جدا، حيث استمع الامريكان الى وجهة نظر عربية تؤكد على الثوابت الفلسطينية المعروفة في اي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية خاصة فيما يتعلق بقضايا الحل النهائي من قدس ولاجئين ودولة على حدود العام ١٩٦٧.
هذا الموقف العربي ينسجم مع الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي والفصائلي من هذا المشروع الذي يحمل في داخله بذور فشله حيث تم تصميمه بما يخدم ليس فقط مصالح اسرائيل بل مصالح اليمين الاسرائيلي.
مع ذلك، ورغم كل ما سيحمله المشروع من تجاهل للحقوق الفلسطينية، وعلى الرغم من اقترابه كثيرا او ربما تطابقه مع ما تريده اسرائيل، الا ان نتنياهو وحزبه وحكومته اليمينية لو تعلق الامر بهم حتى هذا المشروع لا يريدون ان يُطرح، وذلك لانهم ليسوا بحاجة ولا يشعرون انهم مضطرين او ملزمين بتقديم اي تنازل مهما كان بسيط للفلسطينيين.
الاسرائيليون يتصرفون من منطلق ان الزمن يعمل لصالحهم، وانهم ينفذون مشروعهم من خلال خطوات عملية على الارض دون الحاجة لصفقة او مشروع، وقبولهم بهذه الخطة التي ساهموا هم انفسهم في اعداداها فقط من اجل ارضاء ترامب وادارته.
اسرائيل تعمل في القدس كل ما تشاء ومؤخرا حصلت على اعتراف امريكي تبعه نقل للسفارة. منذ احتلالها للجزء الشرقي من المدينة وعملية التهويد مستمرة بوتيرة سريعة. خلق الوقائع على الارض مستمر. يتغلغلون في وسط الاحياء العربية مثل سلوان ووادي الجوز وضاحية البريد والعيسوية كما يتغلغلون في الحي الاسلامي والمسيحي والارمني في البلدة القديمة، وبدون صفقة ترامب هم يفكرون بالتخلي عن شعفاط وابو ديس والعيزرية والرام وسميرة ميس وكفر عقب، اي كل الاحياء خارج الجدار هي عبئ عليهم وسيأتي الوقت لفصلها نهائيا عن القدس واعتبار ذلك تنازل للفلسطينيين.
مشروع ترامب يتحدث وفقا للتسريبات عن ابقاء الاغوار تحت السيادة الاسرائيلية. بغض النظر عن الصيغة الالتفافية التي سيتم طرحها من تنازل الفلسطينيين او تأجيره لمدة تسعة وتسعين عاما، المهم ان الاغوار الذي تشكل مساحته ما يقارب ٢٠٪ من مساحة الضفة الغربية يبقى تحت السيادة الاسرائيلية. اسرائيل اليوم تتصرف على انه كذلك ولا تفكر مطلقا بالتنازل عنه وهي ليست بحاجة الى مشروع ترامب لكي يسهل عليها هذه المهمة.
مشروع ترامب من الناحية العملية يبقي المستوطنات سواء كانت الكتل الاستيطانية او المستوطنات المتفرقة تحت السيادة الاسرائيلية، هذا يعني ان تتحول الضفة الغربية الى جزر متفرقة ومدن معزولة محاطة ببوابات، تماما كما هو حادث اليوم. اسرائيل من الناحية العملية تنفذ هذا البند منذ سنوات وليست بحاجة الى مشروع ترامب. عمليا هي تفعل كل ما تريد في الضفة الغربية من تعزيز للاستيطان ومحاصرة الوجود الفلسطيني هناك من خلال جزر وكانتونات مسيطر عليها.
قضية اللاجئين الفلسطينيين التي تعتبر جوهر القضية الفلسطينية، الادارة الامريكية وبالتنسيق الكامل مع اسرائيل تعمل على القضاء التدريجي على هذا الحق بغض النظر اذا ما تم طرح مشروع ترامب او لم يتم، وبغض النظر اذا ما وافقت عليه القيادة الفلسطينية او رفضته.
الخطوة الاولى لذلك هي من خلال تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التي بدأت بتقليص الدعم لها وتجفيف عروقها، وتحويل هذه المساعدات الى الحكومات والمؤسسات الدولية الاخرى لتجريد قضية اللاجئين من بُعدها السياسي واقتصارها على البُعد الانساني فقط.
واخيرا، مشروع ترامب من الناحية العملية يحرم الفلسطينيين من اقامة دولة متواصلة جغرافيا بين غزة والضفة وتؤكد على الفصل بينهم. ايضا اسرائيل ليست بحاجة لمشروع ترامب، حيث هناك فصل حقيقي بين غزة والضفة وهناك حصار مفروض على غزة، ولكن وبكل ألم، الفصل يحدث بمساعدة فلسطينية سخية بعلم او بدون علم، بشكل مقصود او غير مقصود، عن جهل او عن خبث، كل ذلك لا يغير من حقيقة الامر بشيء وهو ان غزة مفصولة ليس فقط بفضل السياسة والاجراءات الاسرائيلية بل ايضا بفضل فشل النظام السياسي الفلسطيني وفشل التنظيمات الفلسطينية، خاصة فتح وحماس، وفشل القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس عباس في افشال المخطط الاسرائيلي.
خلاصة القول ومع كل الاحترام والتقدير للموقف العربي المساند، ومع كل الاحترام لموقف القيادة الفلسطنية الرافض لتمرير المشروع الامريكي الذي لا يلبي الحقوق الفلسطينية. مع ذلك يجب ان لا نتغنى كثيرا في بطولاتنا وانجازاتنا وصمودنا حيث ما يجري على الارض هو تطبيق عملي لمشروع ترامب، وهم ليسوا بحاجة الى موافقتنا، بل هم بحاجة الى استمرارنا في التنكيل بأنفسنا. بحاجة الى ان نبقي على انقسامنا ومناكفتنا لبعضنا البعض، ولن ينزعجوا كثيرا عندما نواصل الاحتفال في بطولاتنا الوهمية.

[email protected]