الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ذكــّـر إن نفعت الذكـــرىٰ

نشر بتاريخ: 10/07/2018 ( آخر تحديث: 10/07/2018 الساعة: 15:43 )

الكاتب: أسامه منصور "أبو عرب"

تمتد جذور الحركة الأسيرة كامتداد الزيتون في فلسطيننا المحتلّة، وتمتد معاناتهم كأسرى أبطال عظماء كأنها أيقونة حزن مرافقة بشكل دائم لكل مراحل النضال والكفاح والثورة، بعضهم استشهد معتقلاً .. بعضهم استشهد بعد إنهاء اعتقاله .. بعضهم ما زال يعاني من الأمراض ينتظر استشهاده .. بعضهم حر قوي طليق يتذكر ويُذَكّر والبعض مازال معتقلاً وهـٰـؤلاء هم شهداؤنا الأحياء.
وتمتد معاناة أهاليهم بنفس الدرجة والعمق والأبعاد، فهم دائماً يستحضرون أطيافهم بكل المناسبات، كما يظلون يتساءلون في أعماقهم وعن حالتهم وكيف يمارسون حياتهم في ظل اعتقال مؤذي يسعى لسلبهم حريتهم الحقيقية وحريتهم المعنوية، ناهيك عن رحلة العذاب التي تستمر لساعات مما يُسَمّىٰ معابر الإحتلال حتى العودة مروراً بمحطات إذلال وإهانة عنصرية غير مسبوقة، المعاطات .. الإزدحام .. الإجراءات .. الباصات .. باحات الإنتظار .. صراخ السجّانين .. سادِيّتهم .. إرجاع البعض لحجج واهية .. لقاء مذل لمدة 45 دقيقة .. لحظات تُحبَس فيها الأنفاس .. فراق رهيب، إضافة لمحاولة توفير احتياجات المعتقل وما يريده، أم الشهيد القائد البطل زياد العامر تقول "خمسة وعشرين سنة يمّا وأنا رايحة جاي لا وقفني مرض ولا أخّرتني خرّافية وبهمش كرمال عين تكرم مرج عيون" في حين أن أهل الأخ الأسير المناضل القائد كريم يونس مازالوا يتردّدون عليه منذ أكثر من 36 عاماً، إضافة لمحاولات التشويه التي يتعمّد الإحتلال النازي ترويجها كما حدث مع الأخ الأسير المناضل القائد مروان البرغوثي والتي لا تمر على الجماهير لكنها بكل تأكيد تؤذي مشاعر أهله وربعه ورفاق دربه ويظل هو شامخاً كأنه الجرمق.
نحو مليون فلسطيني تم اعتقالهم منذ العام 1948، وقد قام الاحتلال خلال العام 2017 باعتقال 6742 معتقلا، ويقبع اليوم في السجون ما يقارب 7000 معتقل بينهم حوالي 500 مؤبد، وقد لوحظ تزايد عدد الاعتقالات التي لم تتوقف يوماً خلال العامين الماضيين، وعلى سبيل المثال فقد بلغ عدد المعتقلين خلال نيسان/2018 حوالي 551 معتقلاً كما بلغ عددهم خلال أيار/2018 حوالي 605 معتقلاً في حين بلغ في حزيران/2018 حوالي 430 معتقلاً، الأمر الذي يعكس مدى شراهة الإحتلال في محاولة إذلال المواطنين الأبرياء العزل، ومدى حقده المتصاعد ضد أي روح وطنية فلسطينية، وهناك أسباب كثيرة تدفع هذا الإحتلال المجرم للإمعان بمزيد من إجرامه قتلاً وهدماً ومصادرة لا سيما الاستمرار باعتقال المزيد من أجل زيادة حجم المعاناة الفلسطينية، وكذٰلك محاولة توجيه ضربة للعلاقة بين الحركة الأسيرة والسلطة الوطنية عبر محاولة إثقال كاهل الأخيرة بمزيد من الأعباء في ظل محاولة لفرض حصار مشدد عليها، ومحاولة دفعها وضغطها لوقف رواتب الأسرى والشهداء تحت الحجة الكاذبة المزعومة الرائجة وهي الإرهاب، الأمر الذي ترفضه السلطة الوطنية الفلسطينية وتصر على استمرار دفع هذه الرواتب مهما كلف الأمر مما يوفر مناخا رائعا وتناغماً عظيماً بين هذه الحركة الأسيرة والسلطة الوطنية الفلسطينية ويجسد حقيقة أن هذه من تلك وتلك من هذه، خاصة وأن السلطة لا تتوانى عن دفع الرواتب لكل أسير مهما كان انتماؤه وفصيله.
تأسست وزارة شؤون الأسرى في العام 1998، وتحولت الى هيئة في العام 2014، وقد تطور عملها بشكل مضطرد خلال عشرين عاما فغدت مصروفاتها كبيرة ومهمة ومؤثرة في الحياة العامة الفلسطينية حيث تعدّت مئات ملايين الدولارات، وتنوعت طبيعة الخدمات التي تقدمها، فهناك مبالغ ضخمة لصالح الرواتب التي تقدمها للمعتقلين ولشريحة ضخمة من المحررين وكذلك المبالغ التي تدفعها عند التحرر من الإعتقال وهي مبالغ تُدفع للجميع بغض النظر عن اللون السياسي، وهناك فاتورة ضخمة تتعلق بطواقم المحامين الأكفّاء الذين يقومون بالدفاع عن المعتقلين ومتابعة أوضاعهم لحين التحرّر، وتعني بالأسرى في دراستهم خلال الأسر وكذلك تتكفل بتقديم منح دراسية بعد التحرر، هذا بالاضافة للقروض التشغيلية، إذا نحن أمام فاتورة ضخمة وكبيرة، ومن المهم معرفة أنه رغم كون المبلغ المقدم للأسير متواضعاً لكنه قد يُصرف على الأسير وقد يُصرف جزء منه على الأسير وجزء على عائلته، فهناك عائلات فلسطينية مستورة وعددها كبير يشكل لهم هذا المبلغ فرقاً كبيراً.
وبسبب هذا التداخل وهذه الأهمية ومع قيام الإحتلال الإسرائيلي برفع معدل الإعتقالات لعدة أسباب أكذبها هي الذرائع الأمنية فإنه بلا شك وكسبب من الاسباب يسعىٰ لرفع فاتورة الرواتب أيضا ليُيثقل كاهل السلطة الفلسطينية ويبدأ بعد ذلك بمكره ودهائه وخبثه وإجرامه وقرصنته بعملية سرقة ضخمة وكبيرة وبشكل تم إقراره في ما يسمى برلمان الاحتلال المجرم والذي يُعد برلمان القرصنة، والذي وُجد أصلا من أجل إقرار عمليات النهب للاراضي والمنازل والسكان عبر قراراته ثم انتزاع مبالغ الاموال التي يجب تحويلها للسلطة الوطنية الفلسطينية تحت ذريعة أن هذه الأموال تذهب لإرهابيين كالأسرى والشهداء، الأمر الذي يعد ممارسة إرهابية عميقة وسطو على أموال الشعب الفلسطيني وإعلانٌ لرفع وتيرة الحرب التي لم تتوقف أبداً.
تماهى موقف القيادة الفلسطينية مع المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني العظيم الرافض وبشكل قاطع للإملاءات الإحتلالية، وكان القرار لن نوقف مخصصات الأسرى، وهذا رفض واحد من أشياء أخرى مرفوضة من قبل القيادة والتي تشكل بمجملها ما يسمى بـ"صفقة القرن"، وإن الإستمرار بهذا الرفض سيتبعه الكثير من الخطوات العقابية الأمر الذي يتطلب إلتفافاً شعبياً واضحاً، كما يتطلب وحدة وطنية تمنع نفاد الإحتلال والولايات المتحدة الأمريكية ومسانديهم منه، خاصة وأن المخطط الأساسي قائم على تثوير الشعب ضد قيادته مستغلين حالات من الفساد لا شك أنها موجودة "حق يُراد به باطل"، وكذٰلك اللعب على الوتر الإنساني والأموال والمساعدات مما يستدعي أقصى درجات الحيطة والحذر.
فذكــّـر إن نفعت الذكـــرىٰ
(من قاعة الزائرين في معتقل مجدّو الإحتلالي، 09/07/2018).