الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مخرجات التعليم الوطني أمام المخاطر المحدقة بمستقبل العمل

نشر بتاريخ: 22/07/2018 ( آخر تحديث: 22/07/2018 الساعة: 17:33 )

الكاتب: شاهر سعد

يمكن القول: إنه وفي ضوء الدراسات العلمية المتقاطعة التي نفذتها وما تزال المؤسسات الحكومية في الدول الصناعية والنائية، وتلك المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة، تجمع على تعاظم المخاطر التي تهدد مستقبل العمل الكوني، في ظل إزدهار التطبيقات الرقمية التي تغزو عالم العمل؛ وإنه بات من المؤكد أن العالم في عام 2030م سيفقد (2 مليار) وظيفة تقليدية لصالح الأتمتة وشيوع التطبيقات الإلكترونية محل الوظائف الكلاسيكية، ورسوخ قواعد الاقتصاد الرقمي الذي سيتسبب بتآكل العلاقات التقليدية بين أرباب العمل والعمال والموظفين.
يعني ذلك أن الفرص التي حصل عليها جيل الأجداد والأباء، لن تكون متاحة للأبناء في المستقبل القريب، في ظل النمو القوي للاقتصاد العالمي، الأمر الذي يضع تحدي الفوز بفرصة عمل إلى أزمة وجودية من الطراز الأول، لأن الابتكار والتجديد يستدعي من العمال والموظفين التكيف معه، والتمتع بمهارات محددة ومعقدة تستقيم مع وظائف المستقبل؛ وإلا سيواجهون خطر الوقوع في الحفرة الأخذة في الاتساع بين الأنماط الوظيفية الحديثة وتلك التي سيتم الاستغناء عنها.
وهذا يقودنا اليوم إلى التأمل بمخرجات التعليم الوطني، وفحص ملائمته لمتطلبات ليس سوق العمل الفلسطيني المحلي بل الإقليمي والعالمي، وسؤال أنفسنا، هل قمنا بما يلزم للاستثمار المنتج بالعنصر البشري الفلسطيني ؟ لتمكينه من تجاوز تحديات الفقدان المتدرج لفرص العمل، والتكيف مع الفرص التي يستدعيها الابتكار والتجديد الذي يعصف بعالم العمل، بما يضمن لشعبنا الفوز باستثمار ناجح بالمورد الرأسمالي الوحيد الذي يمتلكه وهو الإنسان.
تقودنا هذه التوقعات حول مستقبل العمل، إلى التساؤل عما سيحل بعمالنا وعاملاتنا في فلسطين، بمن فيهم الخريجون الجدد من كلا الجنسين، سيما أن مئات الوظائف مرشحة للزوال بسبب المتغيرات الفاصلة التي سيقررها الاقتصاد الرقمي - كما ذكرنا - ومنها وظيفة المهندس المدني الذي ستحل محله تطبيقات إلكترونية تتيح لطالبي خدمة تصميم المنازل والمدن الحصول على تلك الخدمة مجاناً، وكذا وظيفة المهندس الكهربائي الذي ستحل محله تطبيقات الكترونية شديدة الذكاء، بما في ذلك زوال مولدات الطاقة المعتمدة على الطاقة الأحفورية، حيث ستحل محلها محطات الطاقة النظيفة المدججة بالربوتات الآلية، ووظيفة المراسل الصحفي الذي سيحل محله المراسل الافتراضي والمحرر الافتراضي؛ ووظيفة الراصد الجوي ومكاتب وكالات السفر والتكسيات والوسيط العقاري والمحاسب التقليدي، وخطوط الانتاج في المصانع الكبرى التي ستستبدل البشر بتطبيقات الكترونية وربوتات منخفضة الكلفة.
على المستوى الوطني أثار اهتمامي موضوعين على صلة بهذا التحدي، الأول: دعوة الأخ "محمد اللحام" رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين، وكانت بعنوان "توقفوا عن دراسة وتدريس الإعلام" منشورة على صفحته على الفيس بوك بتاريخ 29 تموز 2018م، والثاني: مقالة للأستاذ "سامر سلامة" وكيل وزارة العمل، وكانت بعنوان "سؤال الطالب الصعب، ماذا اتعلم ؟" منشورة على موقع وكالة معا بتاريخ 16 تموز 2018م.

الموضوع الأول: توقفوا عن دراسة وتدريس الاعلام
محمد اللحام

بكل صدق كم يؤلمني عندما التقي بشباب وصبايا واعرف انهم سنة ثانية ولا ثالثة اعلام ..وذلك لرصيف البطالة وخيب الرجاء المنتظر لهم ولعائلاتهم التي دفعت الاموال وانتظرت 4 سنوات. متأسف ان اقول ذلك ولكن التسارع في التقنيات والعالم الافتراضي شطب اي خصوصية او تخصص للمهنة والصحافة ليست مهنة أصلا بالقانون الفلسطيني اي حد بقدر يكون صحفي لو كتب كلمتين ع الفيس او نقل كلمتين عن موقع عبري او اجنبي او طلع مباشر من جهازه يتهبل بكتب عن نفسه الإعلامي !!!! ..الهاتف النقال وما يحمله من تقنيات مع شاب صغير يعطيه ميزة بالتساوي او حتى سبق وليد العمري بنشر الخبر !!
هنالك تكدس بعدد خريجي الصحافة وغرف التحرير تضيق ولا تتسع فوكالة مثل معا كان في غرفة تحريرها قبل سنتين ثلاث حوالي 25 الْيَوْمَ 5 في احسن الأحوال ..قناة العربية من طاقم 14 الى إنهاء خدمات النصف تقريبا قبل شهر !! وهنالك أمثلة كثيرة ..لن يلتحق بالمجال او يبقى به الا المحظوظ او المكافح والمميز بقوة مما يستدعي وقفة جدية من نقابة الصحفيين والجامعات والمؤسسات ذات العلاقة للتشخيص ووضع الحلول لان ما يحدث هدر للموارد البشرية والطاقات الشبابية تحديدا ...

الموضوع الثاني:
حيث استعرض فيه "سامر سلامه" تفاصيل بيان جهاز الإحصاء الفلسطيني، الموجة لطلبة وطالبات الثانوية العامة، ممن حالفهم الحظ في الفوز في امتحان الانجاز لعام 2018م، وهم بصدد التوجه لاستكمال مشوار تعلمهم العالي، وجاء البيان بعنوان "مجالات الدراسة والعلاقة بسوق العمل للأفراد (20 – 29) لعام 2017م"، وحاول فيه جهاز الاحصاء الفلسطيني عرض صورة واقعية لمخرجات التعليم، من حيث قدرتها على مساعدة الطلاب بالحصول على فرصة عمل في سوق العمل الفلسطيني.
وأثار هذا البيان - وفقاً لسلامة - سيلاً من التساؤلات حول مستقبل الطلبة في ظل إستمرار عدم موائمة مخرجات التعليم العالي وإحتياجات سوق العمل؛ بسبب عدم تمكن غالبية الخريجين من الفوز بفرصة عمل واحدة لدى التخصصات المدرجة في البيان، حيث وجد جهاز الإحصاء ارتفاعاً كبيراً للبطالة لحملة شهاداتها.
حيث كانت نسبة الذكور، وفقاً للبيان نفسه من (20 – 29) عاماً للحاصلين على شهادة الدبلوم المتوسط أو البكالوريوس في فلسطين في عام 2017م في بعض مجالات الدراسة كالتالي:
العلوم الطبيعية (54%)، الرياضيات والإحصاء (49%)، علوم تربوية وإعداد معلمين (47%)، الصحافة والإعلام (45%)، العلوم الاجتماعية والسلوكية (43%). في حين بلغت أعلى معدلات للبطالة بين الإناث (20 – 29) الحاصلات على شهادة البكالوريوس أو الدبلوم المتوسط في عام 2017م، وفي بعض مجالات الدراسة كالتالي:
الحاسوب (83%)، علوم إنسانية (80%)، علوم تربوية وإعداد معلمين (77%)، العلوم الاجتماعية والسلوكية (76%)، الخدمات الشخصية (75%).
مما لا شك فيه أن هذه الأرقام تعبر عن استفحال أزمة سوق العمل الفلسطيني، الذي يزداد ضعفاً وهشاشة، في ضوء عدم تمكن القطاعين الحكومي والخاص من استحداث فرص عملة مستجيبة لارتفاع عدد طالبي العمل من الخريجين والخريجات؛ وغيرهم من الشباب والشابات، ما فاقم معضلتي حرمان النساء في سوق العمل الفلسطيني وعدم تمكين الشباب، الذين وصلت معدلات البطالة بينهم إلى 50%، ويخفض مشاركتهم في سوق العمل المحلي، رغم تحصلهم على مستويات تعليم مناسبة، لتحتل فلسطين المكان الأسوء في هذا المضمار من بين دول المنطقة العربية.
"سامر سلامه" أشاد بدوره بمعطيات وأرقام جهاز الاحصاء، ولم يشاطر الجهاز نفسه التخوفات الكامنة في متن التهديدات المستقبلة من بقاء نمط التعليم الفلسطيني على حاله، علمأً أن أنماط التعليم هي إحدى المسؤولين عن تنامي (ظاهرة بطالة الخريجين)، وهي ظاهرة غير حميدة تنشىء بيئة طاردة للكفاءات، عدا عن كونها تسهم في إشاعة مناخ معادي للتعلم والتعليم، أخذين بعين الاعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسبب الرئيس لمشكلات شعبنا وفي مقدمتها البطالة والفقر.
لهذا نخالف الأستاذ "سامر سلامه" رأية حول أن الأحوال الاقتصادية في فلسطين ليست بهذا السواد أو الضبابية. وأن الحال في فلسطين يشبه إلى حد كبير الظروف التي تمر بها معظم الدول. إذ أن سوق العمل الفلسطيني هو سوق ديناميكي يتكيف بشكل ملحوظ مع التغيرات الناجمة عن التطور التكنولوجي في العالم، الأمر الذي يفرض على المؤسسة التعليمية واقع متغير دائما، إذ لا تستطيع معظم تلك المؤسسات على مواكبته بالسرعة التي تتغير بها التكنولوجيا. من هنا أقول: واثقا إلى جميع الطلبة، أنه إن حظيتم بالتخصص الذي ترغبون به وتملكون القدرة على دراسته ولكم ما يكفي من الشغف لدراسته فتقدموا بكل ثقة لدراسة ذلك التخصص حتى ولو كانت نسبة البطالة في هذا التخصص أعلى من 50%.

فرصة عمل متاحة.. تساوي فرصة صمود راسخة
يستنتج من ما جاء في الموضوعين المستخدمين هنا لقياس استفحال علة بطالة الخريجين والخريجات، ومن ثم الشروع في استنباط حلول لها، بأنه على الكل الوطني العمل على ردم الفجوة الآخذة في الاتساع بين مخرجات التعليم الوطني، ومتطلبات واحتياجات سوق العمل المحلي والإقليمي، اللذان يشهدان ثورة غير مسبوقة في تحديث وتبديل وسائل الانتاج وطرقه ما يجد انعكاسه الكبير على ضمور فرص العمل.
وهذه دعوة لأرباب الاختصاص الوطنيين ليدقوا ناقوس الخطر المحدق بمستقبل التعليم التقليدي، وتوسيع نطاق التوجه نحو التعليم المهني والتقني، وتشجيع طلابنا وطالباتنا على تقبل التعلم والتدريب المهني، حيث اثبتت الدراسات المسحية التي نفذتها وزارتي العمل والتربية والتعليم العالي لتتبع أثر خريجي برنامج التدريب، أن نسب التشغيل في أوساط خريجي التعليم والتدريب المهني تصل إلى 92% وفي بعض التخصصات تصل إلى 100%، يعني ذلك أن هناك فرصة حقيقية للتغلب على ظاهرة بطالة الخريجين من خلال هذا المخرج المستجيب لاحتياجات سوق العمل المحلي.
يستنتج من ذلك، أن حاجتنا كفلسطينيين ملحة أكثر من غيرنا للبحث عن البديل الوظيفي، لأن الفوز بأي فرصة عمل، تساوي فرصة صمود راسخة لصاحبها، في إطار المسعى الوطني العام لتخفيض معدلات البطالة التي لامست حد الــ (42%) مع نهاية عام 2017م، وخاصة بين النساء حيث تشير الإحصائيات الفلسطينية الرسمية إلى أن معدلات البطالة بين النساء في (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وصلت إلى (38.4٪) مع نهاية الربع الأخير من عام 2017م، أي أن هناك (265) ألف طالبة للعمل لا تجدنه أبداً، وأن نسبة البطالة بين النساء اللواتي أنهين (13) عاماً دراسياً، وصلت إلى (50.6%)، وأن مشاركة الإناث في القوى العاملة لا تتعدى (19.4%) من مجمل الإناث في سن العمل خلال الربع الأخير من عام 2017م، وأن متوسط الأجر اليومي لهن خلال الفترة نفسها بلغ (81 شيكلاً) أي ما يعادل (20.7 دولار)، مقارنة بــ (105.8 شيكلاً) للذكور أي ما يعادل (27 دولار) بينما تبلغ نسبة البطالة لدى الرجال (23.9%.) ليصبح مجموع الأسر الرازحة تحت خط الفقر (320 ألف).

عودة على بدء
رغم المخاطر الكثيرة، التي تنذر باختفاء العديد من فرص العمل الناجمة عن حلول التطبيقات التكنولوجية، إلا ان تلك التطبيقات بالمقابل تسهم في إيجاد فرص عمل جديدة وغير معروفة أو معتادة، وهو ما يجب الانتباه له والتعامل معه بقصد التكيف؛ لمجاراته وعدم تحميله مسؤولية التسبب برفع نسب البطالة بين الخريجين، أخذين بعين الاعتبار.
أن الوظائف الجديدة تتطلب المزيد من المعارف التقنية والمهارت، ومنها مهارة حل المشكلات، والتفكير النقدي، والقدرة على المثابرة والتعاون والتعاطف، يعني ذلك من الناحية العقلية أن على الشعوب الحية عليها تحديث سبل وكيفيات استثماراتها في رأسمالها البشري، لأن ذلك وفقا لــ "جيم يونغ كيم" رئيس مجموعة البنك الدولي، يشكل الآلية الرئيسية لضمان جاهزية الأجيال الجديدة للتكيف مع الطبيعة المتغيرة للعمل.

استنتاج
يستنتج من ما تم عرضه، بأنه علينا توجيه طلابنا قبل مباشرتهم مسيرة تعلمهم الجامعي اختيار التخصص العلمي بما في ذلك التخصصات المهنية، الذي يمكنهم من الحصول على فرصة عمل في سوق العمل، وهذا جهد يجب أن تشارك فيه كل مكونات شعبنا وفي مقدمتها الحكومة والقطاع الخاص، لأن اختيار التخصص الأكثر استجابة للتحديات الوافدة من المستقبل، من قبل طالب الجامعة يجنبه الالتحاق بجيش العاطلين عن العمل بعد تخرجه، ويمكنه من الفوز بواحدة من فرص العمل المتجددة، ومنها: (علم النفس الصناعي، التجارة، برمجة الكمبيوتر وأمن المعلومات، وعلم الجينات والخلايا الجذعية، لأن العالم يتجه للاطمئنان على مستقبله الصحي وليس على ماضيه الوراثي فحسب) فضلاً عن حث طلابنا وأبناءنا على تطوير مهارتهم البحثية، والإلمام بأبجديات البحث العلمي، وإتقان اللغات.


أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين