الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

صفقة الاخوة الاعداء وثلاثية الابعاد والمصالح

نشر بتاريخ: 06/08/2018 ( آخر تحديث: 06/08/2018 الساعة: 18:24 )

الكاتب: الدكتور أمجد أبو العز

محاضر في جامعة النجاح الوطنية
تابعت على مدار الشهر الماضي ما ينشر حول ثلاثة ملفات فلسطينية وهي: ما يطلق عليه "صفقة القرن" والمصالحة الوطنية الداخلية بين حركة فتح وحماس والهدنة مع اسرائيل. على الرغم من الزخم الاعلامي الا انني اعتقد ان الثلاث ملفات تناقض بعضها البعض.
فيما يتعلق بصفقة القرن أعتقد ان ما يجري الحديث عنه الان ان صدق هو مختلف تماماً عما طمحت وسعت اليه الولايات المتحدة الامريكية. كان طموح الادارة الامريكية طرح صفقة اقليمية جديدة بالتعاون مع حلفائها العرب لحل الصراع وفق رؤيتها التي تتلاقى بالدرجة الاولى مع المصالح الاسرائيلية ولا سيما الامنية منها ( على راسها اخراج القدس واللاجئين من اطار المفاوضات ) الصفقة الامريكة تعتمد على قاعدة تشكيل ناتو عربي امريكي لمساعدة العرب ولا سيما دول السنة للوقوف ضد ايران وتوسعها وضربها ان امكن، مقابل حل الصراع الاسرائيلي العربي وفق صفقة اقليمية ترضي الحلفاء الاسرائيليين والعرب وليس بالضرورة الفلسطينيين. 
التصريحات والزيارات فيما يتعلق "بصفقة القرن" تشير الى عدة معطيات منها: تراجع شعبية فكرة "صفقة القرن" ورفضها "الظاهري" من قبل اللاعبين العرب على راسهم السعودية والاردن ومصر والسلطة الفلسطينية. القيادة الفلسطينية تلقت تأكيدات في اجتماع القمة العربية التاسعة والعشرون أو قمة الظهران والتي سُميت قمة القدس على رفض العرب لصفقة القرن، كما اعترض الاردن على عدة نقاط اساسية تمس دوره التاريخي في فلسطين واشرافه على الاماكن المقدسة، كما يرفض الرئيس ابو مازن لقاء أي مسؤول أمريكي لبحث هذه الصفقة على الرغم من الضغوط الشديدة عليه والتهديدات بإيجاد قيادة بديلة له.  
هذا الفشل في تسويق صفقة القرن دفع اللاعبين الأساسيين في المنطقة (اسرائيل ومصر وحماس) الى الذهاب لبلورة صفقة صغرى تلبي حاجة ومصالح اللاعبين الثلاثة بالدرجة الاولى، بعيداً عن التعقيدات الاقليمية ورفض السلطة مستغلين حالة الاحتقان الداخلي في غزة وتوتر العلاقات الفلسطينية المصرية وحالة العزلة العربية التي تعيشها القضية الفلسطينية. الصفقة ان صحت المعلومات المتوافرة حولها تشير الى قبول مصر واسرائيل والولايات المتحدة باستمرار سيطرة حركة حماس على غزة، وادخال مساعدات انسانية وهدنة لمدة سبع سنوات والدخول في مفاوضات غير مباشرة لعقد صفقة جديدة للاسرى، بالاضافة الى ضخ مليارات الدولارات في قطاع غزة ليصبح هونج كونج الشرق الاوسط. 
كل طرف ام اطراف الصفقة لديه حقوق والتزامات بالمقابل. بنظرة سريعة على مكاسب حماس من الصفقة المفترضة والمزعومة نلاحظ انها سوف تتضمن : فتح المعابر وانعاش الافتصادي الغزاوي، تخفيف حالة الاحتقان في اوساط المواطنيين الغزيين المحاصرين منذ اكثر من عشرة اعوام، تعزيز قبضة حماس على حكم القطاع، الاعتراف بحكومة وحكم حماس واكتساب الشرعية الدولية.  
برأيي هذه مكاسب انية وليست استراتيجية لعلم حماس ان اسرائيل لم تحترم اتفاقيانها مع السلطة الفلسطينية على مدار الاربع والعشرين سنة الماضية بالاضافة الى اداركها ان من يحاول رفع الحصار عنها هو نفسه من يحاصرها وبالتالي هناك غياب للثقة بين الاطراف. يضاف الى ذلك غياب اجماع في اوساط قادة حماس على هذه الصفقة فيما يتعلق بمنافع مصر فهي متعددة ايضا، يأتي على راسها: استعادة دور مصر الاقليمي في المنطقة بعد تراجعه على مدار الخمس سنوات الماضية وانشغال الشقيقة مصر بالشؤون الداخلية. تعزيز العلاقات المصرية الامريكية باعتبار مصر الان صاحبة السبق في اتمام هذه الصفقة والمتحكمة في الملف الفلسطيني. يضاف الى ذلك "تدجين" حركة حماس واخراجها من الصراع الدائر بين النظام المصري وحركة الاخوان المسلمين المتقاربة سياسيا وايدولوجيا مع حماس.
اما فيما يتعلق بمنافع اسرائيل فهي ايضا متعددة ابرزها : الضغط على السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس ابو مازن واخراج حماس من حكمه، وبالتالي تعميق الخلاف والانقسام الفلسطيني – الفلسطيني والتذرع انه لا يمكن عقد سلام مع طرف فلسطيني لا يسيطر على غزة. بالاضافة الى تحجيم المقاومة الفلسطينية وقدراتها ضد اسرائيل، اطلاق سراح الجنود الاسرائيليين لدى حماس، بالاضافة الى تعزيز الاستيطان في الضفة الغرببة حسب تحليل الدكتور غسان الخطيب في مقاله "قطاع غزة، بين القلق المصري والطمع الاسرائيلي". هذه المنافع سوف تساهم بتعزيز شعبية نتنياهو الذي سيدخل التاريخ بأنه من نقل السفارة وحجم من قوة حماس واطلق سراح الجنود الاسرائيليين وعزز الاستيطان. 
على الرغم من التسريبات الصحفية التي تشير الى ان مصر حريصة على اعادة السلطة الفلسطينية الى قطاع غزة الا انني اعتقد ان السلطة الفلسطيينة لن يكون لها دور في هذه الصفقة على الرغم من تصريحات المسؤولين المطالبة بالتمكين وذلك لعدة اسباب ابرزها، ان تهميش السلطة هو نوع من العقاب ضد الرئيس ابو مازن الرافض لصفقة القرن. الامر الاخر حماس غير معنية في ارجاع السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة الى قطاع غزة لا سيما انها نجحت لغاية اللحظة في الحفاظ على بقائها وحكمها للقطاع بشكل منفرد وبدون الحاجة الى وجود السلطة. حماس ايضا غير معنية بادخال الاجهزة الامنية الفلسطينية الى القطاع مع استمرار التنسيق الامني الفلسطيني الاسرائيلي. وبالتالي اعتقد ان هدنة حماس مع اسرائيل وان صحت التسريبات هي ضربة للمصالحة الوطنية. 
بمعنى اخر، أليست هدنة حماس مع اسرائيل ستؤدي الى وضع سياسات وتصورات سياسية وامنية جديدة شبيهة بعملية سلام جديدة بين حماس واسرائيل تقتضيها مصالح المواطن الغزي قريبة الى حد من باتفاقية اوسلو الرافضة لها حماس. (باستثناء الاعتراف باسرائيل) هل هدنة اسرائيل وحماس اتفاقية سلام جديدة ؟ هل ستغرق حماس في التنسيق الامني مع مصر الملتزمة بدورها في تعزيز التنسيق الامني مع اسرائيل ضمن التزامات اتفاقية كامب ديفيد. اي اعادة تنسيق حماس الامني مع اسرائيل لكن عبر البوابة المصرية الملزمة بدورها بالتنسيق الامني مع اسرائيل. 
اسئلة مشروعة لكن قد يقول اخر هل على غزة ان تبقى تحت الحصار باسم الحفاظ على الوحدة الوطنية؟ أليس من حق حماس ان تكون شريكة في الحكم كما كانت شريكة في الدم خاصة ان حماس استحوذت على ما يقارب من 77% من اصوات الفلسطينيين في الانتخابات التشريعية عام 2006؟ البعض يتهم حركة حماس انها "باعت الثوابت الوطنية من اجل مصالح مادية ومساعدات انسانية" وانها دخلت وكر الاتفاقيات والوعود الدولية الذي مازال الشعب الفلسطيني يعاني منها منذ اكثر من 25 عاما. 
اسمع اصوات اخرى تقول، لا داعي للمزاودة على حماس خاصة ان فتح هي او من جنح للسلم مع اسرائيل ووقعت سلام مع اسرائيل عبر المنظمة التي تسيطر عليها، واخرون يتهمون السلطة ان انفرادها بالسلطة وتحولها لمؤسسة فتحاوية واقصاء حماس وتخليها عن غزة دفع حماس للارتماء في حضن ايران، والتصالح مع دحلان واخيرا الذهاب الى صفقة ثلاثية لضمان بقائها وحكمها.
القضية الثانية: قضية المصالحة الفلسطينية، لا اعتقد ان هذه الملف سيرى اي تحسن في الفترة المقبلة، لعدة اسباب اولها غياب الثقة بين الجانبين وعدم حاجتها لبعضهما البعض. واعتقد ان غزة ستقيم تدريجياً علاقات وثيقة مع مصر، وسوف تكون هذه الروابط قريبة جداً لدرجة أنها لن تحتاج إلى معبر كرم أبو سالم لنقل البضائع إلى غزة ولن تحتاج الى ايرادات السلطة". 
الامر الاخر الهدنة مع اسرائيل سوف تعزز من اقتصاد غزة ومن اقتصاد مصر وبالتالي يكون من الصعب اعطاء دور للسلطة الفلسطينية في ظل التقارب المصري الحمساوي في الفترة الراهنة والذي سيكون له نتائج اقتصادية كبيرة للجانبين لا حاجة لاقتسامها مع طرف اخر هو اصلا غير متسق في سياساته ورؤيته مع رؤيتهم. الارقام الاخيرة تشير الى ان حجم التبادل التجاري بين مصر وقطاع غزة يصل سنويا الى نجو 2 مليار دولار وهو ما يعدل نصف ميزانية السلطة. ما ادركه هو ان الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة هو الضحية بغض النظر عن النيات والسياسات والاتهامات والتبريرات. وان التحريم والتجريم مرتبط بالمصالح السياسية والاقتصادية فما كنا نرفضه في السابق نقبله الان، وما نقبله الان سنرفضه في المستقبل، وسنجد التبريرات والزُلم والايدولوجيا والحجج لتبرير سياساتنا و "راحت على الي راحت عليه".