الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاسم والمسمى والمتغيرات

نشر بتاريخ: 08/08/2018 ( آخر تحديث: 08/08/2018 الساعة: 14:53 )

الكاتب: عوني المشني

لم يتغير الاسم لا شكلا ولا موضوعا، بقيت اسماء الفصائل والحركات السياسية الفلسطينية كما هي عليه، لم يتغير المسمى بمعنى ان تلك الفصائل حافظت شكلا على بنيتها وان يكن هناك تغييرات في بعض الجوانب، وحافظت شكلا على برامجها السياسية مع تغييرات على بعض الجوانب ايضا، بمعنى ان اوسلو وتبعياته لم تعكس نفسها على مسميات الفصائل والحركات السياسية الفلسطينية، لكن هذا ليس كل شيئ، ففي واقع الحال تغيرت تلك الفصائل والحركات السياسية والى حد كبير وفِي اغلب الأحيان اصبحت مختلفة مع مسمياتها الى حد التناقض. 
رغم ان تحرير فلسطين مثلا بقي سندا سياسيا في برامج تلك الفصائل والأحزاب الا ان انه في الممارسة العملية وفِي الأداء السياسي تحول الى ممارسة سلطة محدودة على بعض ممن احتل من الارض الفلسطينية عام ١٩٦٧. اما الكفاح المسلح الذي شكل ميزة تلك الفصائل وأعطاها دورها وجماهيريتها فقد جرى عمليا وموضوعيا التنصل منه بدون اعلان وان بقي ممارسة له فهي ممارسة موسمية او استخدامي لتحقيق غايات حزبية اكثر من كونه "الاسلوب الوحيد لتحرير فلسطين". هنا نسأل اذا ما جرى تغيير عميق على الهدف وتغيير عميق في الاسلوب فماذا بقي اذن من الفصائل غير المسميات وتاريخ مشرق تجتره تلك الفصائل وتقدمه للجمهور لتعويض الغياب في الحاضر ؟!!!
اكثر من ذلك فان النخب القيادية لتلك الفصائل تتسم مواقفها بتناقض غريب، بعض منها يتحدث بالخطاب القديم الذي انشأت الفصائل في سياقه ولكن بالممارسة أسير الواقع الحالي بل ويدافع عنه، قيادي يتحدث عن الكفاح المسلح لتحرير فلسطين ويمتلك تصريح يخوله التجول داخل فلسطين ليلا نهارا !!!! ، او قائد يتحدث عن تحرير كل تراب فلسطين وعضو في مؤسسة حكم اداري ذاتي مجازا تسمى دولة !!!! بعض اخر من القيادات تخلى بشكل منهجي مدروس عن خطاب الفصائل السابق ويدعوا علانية الى خطاب جديد مضمونه ما لم يحقق بالمفاوضات يحقق بمزيد من المفاوضات، وهذا الصنف متصالح مع قناعاته وان بقي يستظل بالفصائل السابقة معتبرا اياها ضرورة استخدامية لا اكثر، هناك صنف ثالث بقي متمسكا شكلا ومضمونًا بالخطاب الفصائلي الاساس الذي قامت عليه تلك الفصائل وأمسى معزولا وفاقدا للقدرة في التأثير على مجريات الاحداث اما لانه عزل نفسه عبر حالة اغتراب يعيشها في ظل الواقع او لان التيار العام عزله عن سبق اصرار وترصد وبمنهجية قائمة على عزل وتهميش كل من يتعارض مع معادلة صياغة الوضع الحالي ، هذا الصنف يشكل حالة تطهرية في اغلب الأحيان ولكنه يفتقد التأثير وما زال يحلم باصلاح حال الفصائل في يوم ما لتستعيد دورها .
هذا ليس كل شيئ، فهناك من قرأ المعطيات بدقة وخرج باستنتاج مفاده ان تلك الفصائل وبرغم مسمياتها قد استنفذت دورها وأصبحت عبئا ثقيلا على مسيرة التحرر، بل وفِي اغلب الأحيان عامل معطل، وان إصلاحها بات موضوعيا في عداد الاستحالة لانها وصلت الى مرحلة لا يجدي فيها الإصلاح، فصائل انفصمت عرى العلاقة بينها وبين تاريخها وبالمقابل لم تمد جسورا بينها وبين طموحات شعبها ، لهذا فقدت التاريخ دون ان تمسك بالمستقبل ، هذا الوضع فرض ضرورة نهوض قوى التغيير في المجتمع الفلسطيني لبناء قوى سياسية متصالحة مع طموحات شعبها وقادرة على التعاطي مع همومه، قوى سياسية قادرة على احداث التراكمات الكافية لتغيير الواقع ، نعم ان ارهاصات مرحلة فلسطينية جديدة تبدو في الأفق، هذا ليس أمنية ولا تحليل هذا رصد للتحولات الاجتماعية السياسية في الحالة الفلسطينية، صحيح ان هناك قوى معطلة، وصحيح ان الظروف الموضوعية صعبة الى حد اليأس بالنسبة للكثيرين ، ولكن الصحيح ايضا الجديد يولد من رحم المعاناة والحاجة وهذه الصعوبات هي بالضبط ما تستحث الخطى وصولا لما هو جديد ومختلف شكلا ومضمونًا عن المتقادم الفاشل.