الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

غزة بين سندان التهدئة ومطرقة الحرب..

نشر بتاريخ: 13/08/2018 ( آخر تحديث: 13/08/2018 الساعة: 17:58 )

الكاتب: وليد الهودلي

كنا ننتقد اتفاق اوسلو لانه ارتكز على نبذ الارهاب والتخلي عن المقاومة المسلحة، وكنا نستشهد بالحرب الفيتنامية حيث كانت المفاوضات وكانت الحرب في ذات الوقت وكذلك الترتيبات التي تمت في لبنان على اثر حرب تموز 2006 لم تشترط التخلي عن المقاومة وسقط الهدف الاسرائيلي الذي وضعته قبل بدء الحرب وهو نزع سلاح حزب الله، وما يجري اليوم من مناورات حول ترتيبات تهدئة تشمل عدة أمور منها رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر وتحسين الاوضاع المعيشية والسؤال المشروع أو التخوفات التي تلوح في الافق هي حول المقاومة وسلاحها وتوازن الردع القائم اليوم في غزة: ما هو مصيره وماذا عنه؟؟
هذه علامة فارقة ونقطة هامة إذ أن أي تخلي أو تراجع بهذا الخصوص يكون بمثابة نزع أنياب الاسد وبمثابة الانتحار السياسي، إذ أننا أمام احتلال يتسلح بكل أشكال القوة ويسعى بكل ما أوتي من قوة أن يكون خصومه ضعفاء الى أبعد الحدود. المشجع في الامر أن المقترحات والمناورات السياسية قد تجاوزت مسألتان خطيرتان، كانتا كارثتين وأضرتا بنا كثيرا وهما الاعتراف بدولة الاحتلال مقابل الاعتراف ليس بمنظمة التحرير وانما الاعتراف بها كممثل للفلسطينيين، وكذلك نبذ الارهاب والتخلي عن المقاومة المسلحة وهذا يذهب الى نزع شرعية المقاومة وقد اعتبر هذا في اوسلو مثلبة خطيرة وانزلاق كبير وحرف للبوصلة مما أدى الى أن يتحول الى كارثة ونكبة جديدة للفلسطينيين وما نحن عليه اليوم خير شاهد على ما نقول، ولا تكاد تجد احدا يجادل في هذا الامر حتى ممن كان من أشد الناس مناصرة لاتفاقية اوسلو.
في مناقشات التهدئة وما ستأخذ غزة مقابلها يجري الحديث عن هدنة خمس سنوات وبالتالي تجاوزنا موضوع نبذ الارهاب والتخلي عن سلاح المقاومة وكذلك غير وارد موضوع الاعتراف بالاحتلال او دولته. فالامر اذا يندرج في تقدير ما ستحققه غزة وفق حسابات الربح والخسارة ووفق دراسة الظرف الموضوعي المحيط بغزة وكذلك الاوضاع المعيشية الصعبة التي عانى منها القطاع طويلا في ظل الحصار المفروض منذ اثنتي عشر سنة .. والقيادة الحكيمة تعرف كيف توازي بين المبادىء الثابتة وبين المتغيرات وقدرات الناس وادارة الامكانات المتوفرة وتقديرات الظروف المحيطة فمشروع المقاومة ليس مشروع انتحار او مجرد اندفاعة لتحقيق الانتقام والرد على غطرسة الاحتلال كيفما اتفق.. بالعكس تماما حسابات مشروع المقاومة دقيقة جدا وتراعي كل هذا بكل دقة واحتراف لان هناك فرق بين من يريد ان ينتصر وبين من يريد ان ينتقم.. والأمثلة على ذلك في التاريخ كثيرة منها مثلا لم يستطع الرسول صلى الله عليه وسلم ان يكشف ظهر المدينة فيتوجه الى خيبر حيث كانت بؤرة التآمر على دولة المدينة في الجزيرة العربية الا بعد أن عقد صلح الحديبية مع قريش .. وكما يقول الدكتور ماجد عرسان الكيلاني في كتابه هكذا ظهر جيل صلاح الدين ان طرح الشعار دون حساب الامكانيات لجعل هذا الشعار واقعا يؤدي الى الفشل ثم الاحباط وتشكيك الناس في صحة هذا الشعار.
وهنا لا بد وأن نشير الى موازنة دقيقة إذ أن المبالغة في حسابات الامكانات ومتطلبات الظرف والواقع قد تفضي أيضا الى التنازل وركون النفس الى تبرير التراجع وعدم الرغبة في التضحية والمواجهة الممكنة، فالمسالة اذا لا تحتمل المغامرة غير المحسوبة ولا التراجع والتخاذل الذي يبالغ في اختلال موازين القوى .. لا أحد يريد الحرب وتعريض القطاع الى المزيد من الاعتداءات الشرسة لاحتلال متسلح بكل أدوات الاجرام وفي ذات الوقت فقد حققت المقاومة توازن ردع لهذا الاحتلال وحققت انتزاع كرامة غزة من بين براثنه وقضت على توغل الاحتلال ليفعل ما يشاء يعتقل ويقتل ويقطع الطريق ويعد على الناس أنفاسهم ، عزّة غزة التي تحققت بفعل المقاومة وتعمدت بدماء الشهداء لا يمكن التنازل عنها ..
فالحرب مطرقة صحيح والتهدئة وتحسين أوضاع الناس ورفع الحصار سندان، والحوار قائم بين هذه المطرقة وهذا السندان بموازنات وحسابات سياسية دقيقة تؤخذ كلها بعين الاعتبار.