الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المجلس المركزي من السلطة الى الدولة أو الى المزيد من التيه

نشر بتاريخ: 15/08/2018 ( آخر تحديث: 15/08/2018 الساعة: 17:24 )

الكاتب: عدنان رمضان

اليوم سوف يعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير في رام الله مرة أخرى، وعلى ما يبدو فانه في كل اجتماع جديد لاية هيئة من هيئات هذه المنظمة يكون الاجتماع محطة لمزيد من التدهور وعلامة فارقة في انهيار هذه البنية السياسية، دعونا نتأمل ونتساءل عن الفارق بين الظروف التي عقد فيها المجلس الوطني قبل اشهر قليلة -وماذا كانت نتائج انعقاد هذا المجلس، وانا لا اتحدث عن تطبيق قراراته من عدمه بل عن الاثار العامة لمثل هذه الخطوات والمحطات على البنية السياسية الفلسطينية وعلاقتها بالقضية والشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده.
وبنظرة سريعة على تاريخ النظام السياسي الفلسطيني حيث شهدت الستينات والسبعينات من القرن الماضي ظهور منظمة التحرير وتعزيز دورها في مرحلة تاريخية اتسمت بظهور حركات التحرر من الاستعمار وصعود الحركات والدول القومية في بلدان ما يسمى العالم الثالث آنذاك وكان ظهور منظمة التحرير آنذاك ليس ردة فعل على النكبة الفلسطينية والاستعمار الصهيوني بل حمل في طياته أحلام التحرر والنهوض خاصة في ظل الدور القيادي لمصر عبد الناصر والآمال بالتخلص من الاستعمار والتبعية وبناء وطن عربي مستقل وحر.
الخطاب في تلك المرحلة اتسم بكونه خطابا ثوريا وبنية السياسة والحركات الفلسطينية انسجمت مع هذا الخطاب وشكلت حالة جذب ليس للفلسطينيين فحسب وانما بارقة امل للمنطقة للخلاص من التخلف والدكتاتورية والتجزئة فكانت شعارات الحرية والثورة والعدالة والوحدة والنهضة ومارست على الارض فعلا ثوريا في مواجهة المشروع الصهيوني وحققت إنجازات سياسية ومعنوية كبيرة مما اثار تخوفات الموقف العربي الرسمي الذي تحفظ عليها في العلن وتامر عليها في السر.
لكن هذه الحالة الثورية والبنية السياسة المنبثقة عنها شهدت تحولات نوعية بفضل عوامل داخلية فلسطينية ومتغيرات إقليمية ودولية تمثلت فلسطينيا بنمو مركبات بنية التخلف والابوية وقيمها وتغلغلها في بنية م .ت .ف وامتدادات الأنظمة فيها بسميات فلسطينية ولا ادل على ذلك من منهج التفرد والابوية ونهج المهادنة مع الانظمة والسعي وراء المال والتمويل الخليجي مما أدى الى تأثر بنية المنظمة ووحدتها آنذاك واخذت الانقسامات فيها اشكالا مختلفة مثل جبهة الرفض، كما انعكست هذه التغيرات بتعزيز منهج التوجه نحو الأمم المتحدة وسيادة خطاب المرحلية والتمسك بالشرعية والقرارات الدولية. 
في مرحلة لاحقة وخاصة بعد حصار الثورة وخروجها من بيروت تراجعت البنية الثورية والخطاب والفعل الثوري لصالح خطاب الاستقلال والدولة الفلسطينية وعدم التدخل في الشؤون العربية والعودة الى نظام كامب ديفيد وترافق ذلك مع فيضان التمويل الخليجي (البتر ودولار) و"البطالة الثورية" التي عاشتها معظم قطاعات ومكونات منظمة التحرير وفصائلها وصولا الى مؤتمر الجزائر وإعلان الدولة المستقلة الذي مهد لاحقا لمفاوضات مدريد ترافقا مع حرب الخليج الأولى ونتائجها وتراجع المشروع القومي العربي وعودة مصر كامب ديفيد لتلعب دورا إقليميا كبيرا مساندا للسياسات الامريكية وصعود دور السعودية ومبادراتها السياسية كرائد للتنازلات العربية والفلسطينية بغطاء من الجامعة العربية.
هذه الفترة أيضا شهدت وبداية صعود الإسلام السياسي متمثلا في ثورة الخميني والحركات الجهادية في مصر وصعود الاخوان المسلمين وانطلاق حركة حماس في بداية الانتفاضة الفلسطينية التي اعادت جزئيا وهج الثورة والفعل الثوري والإرادة الشعبية التواقة الى الحرية والتحرر لكن ما لبث ان تلاشى هذا الوهج خاصة مع التحولات الدولية كانهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع دور حركات التحرر وظهور العولمة كنظام هيمنة وصعود دور المؤسسات الدولية ومنها الانجزة وانتشار مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان والقانون الدولي وطغيانها على الخطاب السياسي.
التحول الكبير والمهم في سياق هذا التطور التاريخي لبنية وخطاب المنظمة كان اتفاقية اوسلو والذهاب المستمر الى مشروع دولة وهمية وانتخابات تشريعية في ظل الاحتلال ومجلس وحكومات وسلطة متحكم بها من قوى عالمية واقليمية ومقيدة باتفاقيات سياسية كان الهدف الإسرائيلي والامريكي والرجعي العربي ممن هذه الاتفاقيات ومازال ان تقوم هذه البنية السياسية الجديدة "السلطة" بتنحية وتهميش منظمة التحرير كليا وان تقوم بعد ذلك بأداء دورين الأول تدجيني سياسي تطبيعي كتغطية وتشريع ومظلة للممارسات السياسية للكيان ومخططاته للتطهير والعنصرية وجسرا للتطبيع العربي وتشريع وجود الكيان الصهيوني ودولته اليهودية الفاشية كدولة "ديمقراطية".
والثاني دور اداري وأمني يتمثل تشكيل جسم فلسطيني يقوم بمهام تسيير الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة وغزة وفي نفس الوقت بناء الفلسطيني الجديد المستعد لتبرير حماية المستعمر بحجة حماية مشروع الدولة الوهمية والمصالح الوطنية.
في هذا السياق تراجع دور منظمة التحرير كبنية سياسية فلسطينية ووطن معنوي للفلسطينيين لصالح مشروع الدولة الوهمية على الأرض وتم استدعاء هذه المؤسسة أي م.ت.ف. فقط في المناسبات لتمرير قرارات وتوجهات القيادة السياسية كما تم في المؤتمر الوطني في غزة وتعزز نهج تهميش الفلسطينيين ومؤسساتهم في الخارج بعد التخلي التام عن فلسطيني الداخل.
بعد العام 2005 عمل على تعزيز دور ما يسمى السلطة وترافق ذلك من تحولات عميقة في المجتمع الفلسطيني على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وظهور الطبقية بشكل جلي وتعزيز الفروقات بين مكونات الشعب في أماكن تواجده وكذلك التغيرات على مستوى القيم والتوجهات وظهور منظومة المال والامن والسلطة كبنية فوق المجتمع وسلطة على المجتمع الفلسطيني وسيادة خطاب بناء المؤسسات والاعتماد على الراعي الأمريكي والتمسك بالاتفاقيات
خلال هذه الفترة نجحت قوى الإسلام السياسي في التحول الى بنية فاعلة ومؤثرة ومهمة على الصعيد العالمي والإقليمي وترجم ذلك فلسطينيا وتوج بانتصار حماس في انتخابات المجلس التشريعي كبنية سياسة وصولا الى الانقسام السياسي الفلسطيني وظهور منظومات الحكم المنفصلة في كل من الضفة الغربية وغزة والتي فتحت الباب واسعا لتراجع مظاهر الهوية الموحدة للشعب الفلسطيني والتراجع الكبير في التعبيرات المختلفة التي تمثل الشعب الفلسطيني ومشروعه التحرري وطغيان ممارسات التفرد والتغول ونظام الحكم البوليس وشكلانية المؤسسات والبنى السياسية امام إرادة القوى المتنفذة
مع ظهور ما يسمى الربيع العربي والنتائج المدمرة على المنطقة العربية تراجع الاهتمام العالمي والعربي بالقضية الفلسطينية وتراجعت مصداقية الثورات على العموم إقليميا وعالميا وكذلك كافة المفاهيم والخطاب الثوري على العموم مع مظاهر يأس الشديد والتساؤلات كبرى المتعلقة باستخدام العنف الثوري وجدواه في هذا الوقت ساهمت السياسات الفلسطينية وحالة الانقسام وغياب المشروع والاستراتيجية وعدم وضوح الهوية في تهميش القضية الفلسطينية والتراجع الكبير في ثقة الجمهور الفلسطيني والعربي بالبينة السياسية الفلسطينية وفتح الباب واسعا الى شيطنتها والتشنيع عليها مما زاد من حالة الياس وفقدان الامل لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني وادت الهوة بين الطبقة السياسية والجمهور اتساعا مما دفع العديد من الفلسطينيين لإطلاق حراكات شبابية او المبادرة لتحركات فردية تأكيدا عفويا لأولوية المعركة مع الاحتلال الصهيوني ومؤسسته العنصرية الفاشية ودفاعا عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
المتتبع لتطور النظام السياسي الفلسطيني بسهولة يستطيع اني يرى مسار التراجع بدل التقدم والهدم بدل البناء والتشوه بدل الوضوح والتشرذم مكان الوحدة فالحالة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الان ومركبات بنيته السياسية هي مزيج من التشرذم والانقسام وفقدان الشرعية والقدرة على الفعل والتأثير وغياب المؤسسات الجامعة وعدم وجود خطاب سياسي او استراتيجية واضحة لذلك يصبح اطلاق الشعارات او الدعوات انعقاد الشكلي لهذه الهيئات والبنى السياسية في هذا السياق هو مزيد من التوهان ،نعم هناك مقاطعون للجلسة واخرين مشاركون لكن غالبية الناس حتى لا تلتفت او تعطي اهتمام لهذا الاجتماع لان ثقتها بكل مركبات النظام السياسي الفلسطيني مفقودة. 
مع الاحترام والتقدير لتراث ومكانة الفصائل الفلسطينية الا انها استنفذت نفسها وما لم تجدد نفسها، برامجها وبنيتها وخاصة القيادية وطرق ومنهج عملها ستبقى تنتظر شهادة الوفاة، المأساة انها وفي ظل حالة الموت السري تستنزف الجميع مع اني اشك في قدرتها التجدد ان ارادت او في رغية هذه الفصائل بالعمل على التجدد فالكثير منهم منتفعون على اكثر من مستوى من حالة التردي هذه.
كل الظروف والعوامل تستصرخ الجميع في الضفة وغزة والداخل والشتات افراد وفعاليات ومؤسسات ان تبادر لعمل او سع حوار وإطلاق مبادرات لتجاوز الوضع المأساوي الذي نعيش فيه كشعب فلسطيني ليس عبر الضغط على هذه البنية المتهالكة او التوجه اليها بمطالب بل وانتظار قراراتها او جولات السياحة السياسية في مصر بل من خارج هذه البنى مجتمعة.