السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

'معركة' الأونروا واستراتيجية ترامب

نشر بتاريخ: 13/09/2018 ( آخر تحديث: 13/09/2018 الساعة: 20:34 )

الكاتب: نضال منصور


لا يحتاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى "صفقة القرن" بعد أن مرر خلال الأشهر الماضية قرارات قد تعصف كليا بعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وهي عمليا تصفي القضية الفلسطينية، هكذا يقول مراقبون سياسيون، وهذا ما يقوله أيضا عامة الناس.

يحق للجميع أن يسأل: ماذا تبقى من مراحل الحل النهائي التي طرحت بأدبيات عملية السلام إذا كان ترامب قد اعترف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وسكت عن قرار الكنيست الإسرائيلي بيهودية الدولة، واليوم يوقف دعمه المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وتتداول أوساط المتابعين للملف "الأونروا" وجود رغبة بإلغاء صفة اللاجئ عن عدد كبير من اللاجئين.

يشعر كثير من السياسيين أن الإدارة الأميركية لا تحتاج أن تضع على الأجندة الدولية مشروعا جديدا لما تسميه "السلام"، فهي تعتمد استراتيجية التسلل وفرض وقائع جديدة على الأرض تخدم في المحصلة النتائج التي يريدها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وينفذها ترامب ومن أمامه مستشاره وصهره كوشنير.
باختصار ترامب ينفذ دون ضجيج ما عجز عنه الزعماء الآخرون..

"الشعرة التي قصمت ظهر البعير"، وأظهرت خطة الرئيس ترامب في تمرير مشروعه خطوة بخطوة كانت قرار وقف الدعم المالي لـ"لأونروا" والمقدر بـ 350 مليون دولار، وما تبعه من كلام عن إلغاء صفة اللاجئ عن الأجيال الفلسطينية التي ولدت بعد تأسيس وكالة "الأونروا" عام 1949.

شعر الأردن بالصدمة بعد قرار ترامب الأخير، وفهم الأمر بشكل واضح جدا، القضية ليست مالية على الإطلاق، وإنما سياسية بامتياز، وهو تمهيد لإلغاء حق اللاجئين بالعودة، وهذا يعني أردنيا عودة هاجس التوطين القسري والوطن البديل، وهي القضية التي تثير المخاوف والحساسيات والقلق في المجتمع.

اقرأ للكاتب أيضا: الشائعات في الأردن مبرمجة لتقويض استقرار الدولة.. أم فزاعة لإسكات الأصوات المخالفة؟

ليس سرا ما همس به مسؤول أردني بأن الإدارة الأميركية عرضت على الأردن ودول أخرى مضيفة للاجئين الفلسطينيين أن تأخذ الدعم المالي الذي كانت تدفعه واشنطن للأونروا نقدا، ولصالحها لتنفقه على الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية التي كانت تتكفل بها المنظمة الدولية "الأونروا"، وهو العرض الذي رفض فورا، لأن السلطات الأردنية تدرك المعنى والرمزية لـ"الأونروا"، وتفهم أن إيقافها يعني بوضوح تام إغلاق ملف اللاجئين والى الأبد.

يتحرك وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي منذ أسابيع لحشد التأييد لإدامة "الأونروا"، فالدلالات السياسية مهمة أردنيا، ولكن "الأونروا" كذلك تتحمل أعباء تعليمية وصحية مهمة في الأردن، وتوقف أو تراجع خدماتها ونشاطاتها "كارثة" اقتصادية لا تحتاجها البلاد في مثل هذه الظروف.

يفصح الوزير الصفدي لإعلاميين بأنه يخوض "معركة" "الأونروا" ضد القرار الأميركي، ويجد حلفاء وداعمين لاستمرارها في الاتحاد الأوروبي وأبرزهم السويد، ولكنه يحاذر ويتجنب أن يصور الأمر بأنه معركة ضد الإدارة الأميركية، لأن هذا قد يتسبب في تراجع وحذر دول هم حلفاء ومؤيدون لعمان لأن حساباتهم تختلف، وليس لهم مصلحة في التصادم والخلاف مع الإدارة الأميركية والرئيس ترامب.

في إسرائيل هناك رأي آخر في قضية وقف الدعم عن "الأونروا"، ويرى الكاتب ديفيد هيرست في مقال نشره وترجمه موقع "ميدل إيست آي" أن للقرار تداعيات أمنية خطيرة على إسرائيل، ويتابع قوله "لهذا السبب أمسك بنيامين نتنياهو في بداية الأمر لسانه عندما أعلن ترامب قطع كل التمويل الذي كان يقدمه لـ"الأونروا".

ويشير "كانت الاستخبارات الإسرائيلية أول من قرع جرس الإنذار حول قرار ترامب، وذلك على الرغم من أن "الشين بيت" والوزارة الأمنية الإسرائيلية ليسوا ليبراليين متخفين، ولا يكنون أي شعور بالذنب تجاه معاناة الفلسطينيين".

ويكمل "ومثلهم مثل معظم الإسرائيليين لا يرون التناقض الحاصل في الاعتراض على وجود جيل رابع من اللاجئين الفلسطينيين، بينما في نفس الوقت يمنحون حق المواطنة في أرض إسرائيل لكل من يولد يهوديا وعلى مدى مئات الأجيال المتعاقبة".

مصدر القلق والتهديد الأمني الإسرائيلي كما يفصله الكاتب بالقول "إن أخفقت مدارس "الأونروا" في فتح أبوابها في الموعد ككل عام، وإذا ما ترك آلاف الفتيان يتسكعون حول المخيمات، ولا شاغل يشغلهم سوى التقاط الحجارة من الأرض فسوف يكون الجنود الإسرائيليون في خط النار".

ويذهب الكاتب للافتراض بأن نتنياهو قد تخلى عن سياسة دعم "الأونروا" في رسالة بعثها شخصيا إلى البيت الأبيض قبل أسبوعين دون إجراء مشاورات مع قادة الجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية.

الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ليست حريصة على اللاجئين الفلسطينيين لكنها تتبنى نظرية ينقلها ديفيد هيرست عن دوف فايسغلاس مستشار رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود باراك "الفكرة هي إجبار الفلسطينيين على اتباع نظام تغذية متقشف، لكن دون التسبب في موتهم".

وفي ذات السياق نشر الموقع الإخباري الإسرائيلي "واللا" أن وقف دعم "الأونروا" يخرج الوضع في قطاع غزة عن السيطرة.

ويقول المحلل السياسي أمير بو خفوط "أن تقليص دعم الأونروا يعني زحف مئات الآلاف من الفلسطينيين الجوعى نحو الجدار الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة وهو يعني تهديد الأمن القومي الإسرائيلي".

رغم أن إسرائيل هي المستفيد الأول من قرار تصفية "الأونروا"، كمقدمة لإلغاء صفة اللجوء وحق العودة فإنها تدرس جميع السيناريوهات بما فيها "ثورة الجياع" التي تهدد وجودها، في حين وباستثناء الحراك الأردني الفلسطيني يعم الصمت المطبق في العالم العربي.

أكثر ما يمكن أن يفعله الأردن الدعوة لعقد مؤتمر دولي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر لحشد التمويل المالي لـ"الأونروا"، وتتحرك عمان بهذا الاتجاه بالتعاون مع السويد واليابان والاتحاد الأوروبي وتركيا.

لم يستنجد الأردن بالدول العربية وخاصة الخليجية لسد العجز في موازنة "الأونروا" لإدامة خدماتها الإنسانية للفلسطينيين، فهو يشعر أن ظهره مكشوف عربيا، ولا يحظى بالدعم والمساندة المطلوبة والكافية في قضية القدس، وكذلك "الأونروا".

سفير أردني مطلع حضر عديدا من الاجتماعات العربية سخر من الحال التي وصل لها الواقع العربي بالقول "الدول العربية يجلسون يراقبون حالهم حال أي ضيف، فهم لا يعتبرون القضايا القومية وعلى رأسها قضية فلسطين من الأولويات الآن".
​الصمت العربي مريب جدا فحتى هذه اللحظة لم يتداع الزعماء العرب لعقد قمة عربية طارئة تحت شعار "إنقاذ "الأونروا" وحماية اللاجئين وحق العودة للفلسطينيين"، وكأنهم متفرجون ولا يعنيهم الأمر.

نضال العزة الكاتب في موقع عرب 48 يلتقط ما هو أبعد من التصدي للعجز المالي لـ"الأونروا"، فيدعو إلى توسيع الولاية الشخصية لـ"الأونروا"، وتوسيع تعريف اللاجئ ليس بالاستناد إلى الحاجة والمعونة، بل بموجب التعرض للتهجير والاضطهاد حسب القانون الدولي للاجئين.

ويطالب العزة بتوسيع الولاية الجغرافية لـ"الأونروا"، وتوسيع الولاية القانونية لتشمل الحماية القانونية والفيزيائية، وتكليفها بإدارة أملاك اللاجئين والمهجرين، وإجبار إسرائيل على دفع عائدات الانتفاع بأملاك اللاجئين والمهجرين، والتأكيد على عدم قانونية نقل مسؤوليات "الأونروا" للدول المضيفة.

اقرأ للكاتب أيضا: الصراع الطائفي لا ينتهي بالاعتذار.. بل بالإنصاف والمصالحة

كلام مهم لا يذهب للاستجداء المالي، ويعيد المعركة إلى المربع الأول باعتبارها قضية حق، غير أن المشكلة ليست في وجاهة الطرح، وإنما في الظروف الإقليمية والدولية، وتخلي العرب عن التزاماتهم.

النتيجة؛ "لا دخان بدون نار"، هكذا يقول المثل الشعبي العربي للتدليل على وجود شيء خفي، أو شيء يعد من خلف الستار، ولم يكن مفاجئا أن تعود فكرة الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية للحضور بعد غياب، فهي أحد السيناريوهات للتوطين وضرب بنيان الدولة الفلسطينية المستقلة.

يكمل ترامب بوقف دعم "الأونروا" برنامجه لدعم إسرائيل، فهل من مفاجآت جديدة، أم أصبحت سياساته كتابا مفتوحا لا يحتاج إلى تنجيم لمعرفته؟