الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

"المُخرِّب الكريه.. سحقا له"

نشر بتاريخ: 23/09/2018 ( آخر تحديث: 23/09/2018 الساعة: 18:45 )

الكاتب: جدعون ليفي

هآرتس، 23.9.2018 ترجمة: أمين خير الدين
قُتِل العريف الأول رونين لوبراسكي قبل حوالي أربعة شهور خلال عمليّة اقتحام ليليّة قام بها جيش الدفاع الإسرائيلي في مخيّم الأمعري للاجئين بالقرب من رام الله. عمليات الاعتقال هذه، ما هي إلاّ عمليات اختطاف عنيفة لأشخاص من أسرَّتهم، بدون غطاء قضائي، كما في الأنظمة الظالمة، عمليات اختطاف وحشيّة بطبيعتها. على الأقل بعضها بدون سبب، باستثناء هدف تدريب القوّات وبسْط الرعب على السكان العُزّل. تُنفّذ هذه العمليات كلّ ليلة، في كلّ أنحاء الضفة الغربيّة.
حسب العُرْف الإسرائيلي:يُسْمَح للجنود أن يقتحموا أيّ مكان وفي أيِّ وقت، وأن يقوموا بما يشتهون، يَضربون، يهينون، يخطفون، يعتقلون، وأحيانا يَضربون حتى الموت، كما حدث في الأسبوع الماضي مع محمد الريماوي الذي توفّي بعد اعتقاله لأسباب لا تزال غامضة. الفلسطينيون، حسب نفس العُرْف، عليهم الاستسلام لكل هذا العُرف الإسرائيلي بسرور،أو على الأقل ألاّ يدافعوا عن أنفسهم، أو عن عائلاتهم، أو عن كرامتهم أو أملاكهم. المقاومة ممنوعة والحكم عليه واحد.
إسلام أبو حميد، 32 سنة، حطم بوقاحة وبجرأة نظام العرف الإسرائيلي هذا. ألقى بلوح من الرخام، كما يُعْتَقَد، على القوّات المُقْتَحِمَة لبيته وأدى لمقتل لوبراسكي. أعتُقِل أبو حميد وينتظر المسرحية المسماة محكمة عسكريّة، وعقابه معروف مُسْبَقا. لكن هذا ليس كافيا. الأب الثاكل، فلاديمير لوبراسكي، فتح جبهة شعبيّة لينتقم لمقتل ابنه. بمبادرة حركة "אם תרצו" (إن كنتم تريدون - المترجم) و "يديعوت أحرونوت: الصحيفة التي لا تَسْتَبْعِد أي تحريض. يريد الأب أن يرى هدم كل بيت مَنْ قتل ابنه ولم يعُد يستطيع الانتظار أكثر من ذلك. وقد صرّح الناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي أن القرار بهدم طابقين قد اتُّخِذ، لكن الأب ينتظر والبيت لا زال قائما. فضيحة. مّن يستطيع أن يقول "لا" لأبٍ ثاكل، ومن حُسْن الحظّ أنه لم يطلب هدم كل المُخييّم.
قبل أسبوعين كتب الأب إلى قائد منطقة المركز، نداف فدان، مرت ثلاثة اشهر ونصف الشهر والبيت لا زال قائما. "هذا البيت ليس فقط مكان سُكنى عائلة قَتلَةٍ معروفة، إنما هو أيضا مكان تخطيط التعدّي ومسرح الجريمة". عائلة قَتَلَةٍ؟ تعدي؟ جريمة؟ لوبراسكي مُقْتَنِع أن ابنه أنقذ حياة مواطنين إسرائيليين وعنده البرهان: "قرار هدم بيت المُخرِّب هو قرار أخلاقي من الدرجة الأولى". لن نعترض على المعايير بالنسبة لأب ثكل ابنه، لكن هدم بيت العائلة هو عقاب جماعي، غير أخلاقيٍّ، غير قانونيّ أو إنسانيٍّ، حتى لو كان الابن "مُخرّبا مكروها".
دخل إلى الصورة فورا، بقامته الفارعة، وزير الأمن، أبيغدور ليبرمان، حيث يلامس شغاف فؤاده كل ما يتعلّق بالأخلاق. : "إننا نكافح ضدّ الإرهاب بحزم"، هذا ما غرّد به الوزير، سندمر البناء بطوابقه الأربعة حيث سكن المخرب البغيض ، قاتله الله، المخرب الذي قتل العريف اول رونين لوبراسكي. وسيُنفَّذ الهدم بأسرع ما يُمْكِن، لا تَهاوُن في مكافحة الإرهاب. فقط بأيدٍ من حديد". كل شيء ممكن لدى ليبرمان، قائد معركة ضد ألواح الرخام والطائرات الورقية، آخر البلطجيين المُتَجمِّلين أمام جماهيرهم. الدفاع عن النفس جريمة، إصابة الجنود هي إرهاب وكل ذلك مرفوض بنظر المحتل الذي يريد من جنوده الاّ يستسلموا. لقد كتب ديمتري شومسكي هنا أن أبا حميد محارب، وليس مُخرّبا ("هآرتس" 19.6). يُعْتبر بنظر أيّ شعب بطلٌ.
عملت يد ليبرمان الفولاذيّة فورا وأعلن جيش الدفاع الإسرائيلي آخر الأسبوع أنه مصمّم على هدم كل البناء، بطوابقه الأربعة، سيُهْدَم، كتعزية للأب، ولوزير الدفاع وللجريدة. وقد احتفلوا في جريدة "يديعوت أحرونوت" بهذا الإنجاز العظيم بعنوان مُناسب.
انتهت العمليّة، حاول شخصٌ أن يدافع عن بيته، محارب شجاع لا يقلّ شجاعة عن الجنود المقتحمين لبيته، ليس عنده جيش أو بِزّة عسكرية، أو سلاح متطوّر ولا يدافع عنه أحد، سيُمْضي بقيّة أيّامه في السجن وستُلْقى عائلته في الشارع. هذا ما يجري مع المخرب البغيض، سحقا له، لأنه تجرأ على الدفاع عن نفسه، هذا ما يستحقّه – ونستحقه.