الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

تعليق على طلب فلسطين المقدم لمحكمة العدل الدولية بخصوص نقل السفارة

نشر بتاريخ: 02/10/2018 ( آخر تحديث: 02/10/2018 الساعة: 10:40 )

الكاتب: د.معتز قفيشة

تعليق مختصر على طلب فلسطين المقدم لمحكمة العدل الدولية بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس
أستاذ القانون الدولي المشارك وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الخليل
دكتوراة في القانون الدولي، معهد جنيف العالي للعلاقات الدولية

بمزيد من الشغف والإعجاب، أنهيت لتوي قراءة طلب فلسطين المقدم لمحكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة الأمريكية المتعلق بعدم قانونية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس (الطلب في الرابط أدناه، بالإنجليزي). فعلا، الطلب مدروس بشكل ممتاز. فهو يتناول الأسس القانونية التي تعتبر، بوضوح وإقناع، عن عدم قانونية اعتبار القدس بشقيها الشرقي والغربي عاصمة لإسرائيل، وبالتالي عدم قانونية نقل السفارة. من هذه الأسس، قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة المتعددة وقرار المحكمة ذاتها ومواقف الدول المختلفة. كما أن الطلب يتطرق إلى أساس اختصاص المحكمة في نظر القضية، خاصة اتفاقية فيينا وبروتوكولها الملحق المتعلق بالاختصاص الإلزامي لمحكمة العدل الدولية بنظر الخلافات المتعلقة بتطبيق أو تفسير الاتفاقية؛ وبشكل محدد وجوب أن تقوم السفارات بأعمالها الدبلوماسية في إقليم الدولة المستقبلة وليس في إقليم تابع لدولة أخرى أو إقليم متنازع عليه مثل القدس. كما أنه يطلب من المحكمة ثلاث طلبات محددة هي: الإعلان عن أن نقل السفارة يشكل خرقا لاتفاقية فيينا، تكليف الولايات المتحدة بسحب السفارة من القدس التزاما باتفاقية فيينا، ومطالبة الولايات المتحدة بالتوقف عن اتخاذ أي خطوات إضافية في مجال نقل السفارة والتعهد بعدم تكرار هذه المخالفة.
بالرغم من وجود بعض الملاحظات التي كان من الأفضل أن يحتويها الطلب ليكون أكثر إقناعا من ناحيتي الموضوع والاختصاص (ولو تمت استشارتي لقدمت تلك الملاحظات وأنا على استعداد لذلك في الطلبات التكميلية)، إلا أن الطلب عموما قوي ومقنع. اعتقد أن المحكمة ستستجيب للطلب الفلسطيني للأسباب التالية:
أولا- الأسس القانونية الموضوعية واضحة ومبنية على قرارات متكررة، قديمة وحديثة، للجمعية العامة ومجلس الأمن، منذ 1947 حتى 2017. هذه القرارات تأخذ بها المحكمة عادة، باعتبارها جزءا من الأمم المتحدة وكل من المجلس والجمعية جزء من نفس المنظمة؛ فالمحكمة وجدت لخدمتهما مع غيرهما من أجهزة المنظمة، كما حدث في العديد من القرارارت السابقة، منها قرارا الجدار عام 2004.
ثانيا- الاختصاص، بالرغم من أن فلسطين ليست دولة، مقنع؛ خاصة أن البروتوكول الملحق باتفاقية فيينا والإجراءات المدروسة التي قامت بها وزارة الخارجية الفلسطينية خلال العام الماضي للتمهيد لهذا الطلب المقدم للمحكمة كما تتطلب الاتفاقية، مثل محاولة حل النزاع بطرق غير قضائية كالتحكيم. أما الشكوك المتعلقة بعدم الاختصاص، خاصة التي قد تبنى على المادة 93(2) من ميثاق الأمم المتحدة التي تسمح للدول الأعضاء برفع قضايا إلى المحكمة بعد موافقة الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن أو المادة 35(2) من النظام الأساسي التي تعطي الصلاحية لمجلس الأمن بالسماح للدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة برفع دعاوى أمام المحكمة، فقد لا تستطيع الولايات المتحدة استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد إمكانية فلسطين رفع هذه الدعوى أو وضع شروط من خلال المجلس قد تجعل الاختصاص غير ممكن لأن الدولة التي ستمارس الفيتو أو تدفع المجلس لوضع الشروط هي دولة طرف يتعلق بها القرار المنوي اتخاذ الفيتو حوله، وهذا ما تمنعه المداة 27(3) من الميثاق، خاصة إذا تم التصويت وفقا للفصل السابع من الميثاق المتعلق بالسلم والأمن الدولي أو اعتبار هذه المسالة (الاختصاص) مسألة إجرائية لا يحق فيها استخدام الفيتو. كما يطلب من المحكمة تحديد ما إذا كانت هذه المسألة إجرائية أم لا، وقد تقبل المحكمة بهذا التحديد وفقا للمبدأ المعرف بأن صاحب الاختصاص هو الذي يحدد الاختصاص (comp tence de la comp tence). في أسوأ الأحوال، إذا فشل الاحتمالان السابقان، قد تستطيع فلسطين إقناع المحكمة بالاختصاص من خلال إصدار قرار من الجمعية العامة وفقا لصيغة "متحدون من أجل السلم"، إذا تم اعتبار الموضوع ذا صلة بالسلم والأمن الدولي. الحقيقة أن مشكلة الاختصاص ستكون التحدي الأكبر في هذه القضية.
ثالثا- أغلبية القضاة الحاليون في المحكمة (وأنا أعرف بعضهم كزملاء جيدا) ليبراليون ولا يتقيدون بحرفية النصوص ويفسرون القانون الدولي بشكل يميل نحو احترام حقوق الإنسان والعدل، أكثر من تأييد النص الجامد والطرف المتنفذ. هذا ما لاحظناه من قبول المحكمة الطلب القطري المقدم ضد الإمارات الذي ادعت فيه قطر باختصاص المحكمة في الفصل في قضايا إنسانية وفقا لاتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز العنصري، بالرغم من أنه كان هنالك اعتقاد واسع أن المحكمة سترفض الطلب القطري على اعتبار أن التمييز ضد غير المواطنين وفقا للاتفاقية قد لا يعتبر عملا ممنوعا.
رابعا- سياسيا، وضع ترمب نفسه في تحدي للقضاء الأمريكي والدولي وللقانون الدولي عموما، خاصة استهدافة للمحكمة الجنائية الدولية ولمجلس حقوق الإنسان وللمؤسسات الدولية، ما جعله سيئ الصيت ومبغوضا من الأغلبية الساحقة للحقوقيين حول العالم، خاصة المتخصصين بالقانون الدولي الذين من بينهم القضاة والمحامون والمدعون العامون ونشطاء حقوق الإنسان. سيشكل هذا الأمر ضغطا معنويا ذي ثقل على المحكمة، الأمر الذي قد يدفع قضاتها إلى إيجاد مخرج قانوني يتيح للمحكمة قبول الاختصاص (كما فعلت في قضية قطر والإمارات قبل حوالي شهرين)، خاصة أن مخالفة القانون الدولي بنقل السفارة واضحة لا يعقل أن تكون مسألة إجرائية كالاختصاص (وهي خاضعة للتفسير أيضا) مبررا لرفض المحكمة النظر في هذه القضية من ناحبية المبدأ
في كل الأحوال سيكون من المفيد لكافة الحقوقيين، وطلبة وأستاذة القانون الدولي خصوصا ولكل الفلسطينيين ومحبيهم عموما، متابعة هذه القضية خلال الأشهر والسنوات القادمة، وبغض النظر عن النتيجة. وسأكون أنا شخصيا مسرور بتقديم أي مساعدة ممكنة في هذه القضية، بما في ذلك الاستعداد لأكون قاضيا محدد الغرض في هذه القضية (judge ad hoc) وفقا للمادة 31(3) من النظام الأساسي للمحكمة أو مساعدة هذا القاضي الفلسطيني أيا كان.