السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما لم يُقل عن "حادثة" الخاشقجي!!

نشر بتاريخ: 10/10/2018 ( آخر تحديث: 10/10/2018 الساعة: 12:19 )

الكاتب: د.محمود فطافطة

قد يكون خبر اختفاء الإعلامي والمعارض السعودي جمال خاشقجي في تركيا الأكثر تداولاً و"هيمنة" على أحداث ومجريات العالم خلال الأسبوع المنصرم.... طبيعة الحدث لم تتضح بعد، مثلما هي نتيجتها كذلك. فمنذ أن أٌعلن عن واقعة الاختفاء تلك، والعالم، بغربه وشرقه، مشدود لمعرفة الحقيقة، كما هو مصدوم، أيضاً، لحدوث مثل هذه الواقعة، سواءً أكان هذا الرجل تم تصفيته جسدياً، أو اختطافه للحصول على معلومات منه أو مساومته، وما شاكل ذلك من أهدافِ سعى إليها المختطفون، في حالة تم تعزيز فرضية الاغتيال.
ومن هنا، نود تسجيل بعض الملاحظات الآتية:
1. العمل الدبلوماسي له أخلاقياته قبل الحصانة، وفيه المسؤولية قبل الممارسة. فالسفارات مُخصصة لإدارة ومساعدة مواطني شعبها في الدولة التي فُوض لها العمل على أراضيها. هذا العمل يجب أن يكون في إطار العُرف الدبلوماسي المجرد من أي سلوك منحرف، أو تجاوز، أو انتهاك لسيادة الدولة التي تتبع لها، أو للدولة التي تقيم على أراضيها. نعم هناك حصانة في السلك الدبلوماسي، ولكن هذه الحصانة مشروطة بقواعد وأخلاقيات عديدة في حال تم تجاوزها بطلت الحصانة، وأصبح من يتجاوزها تحت طائلة المساءلة والجزاء.
2. إن كثير من السفارات في العالم تندرج تحت إطار "سفارات أمنية" أكثر مما هي سفارات دبلوماسية، ذلك أن الصراع بين الدول وشيوع مبدأ الشك والتنافس دفع بدولٍ كثيرة لأن تجعل من سفاراتها بؤرة لجمع المعلومات عن السياسات والقرارات السرية التي تتخذها الدول، فضلاً عن متابعة ومراقبة أبناء دولتها القائمين في تلك الدول. وفي هذا الخصوص هنالك العديد من الحالات في العالم التي كان لهذه السفارة أو تلك دورٌ كبير وأساسي في اعتقال أو اغتيال أو تهديد هذه الشخصية أو تلك.
3. على طوال الفترة الممتدة من الحرب العالمية الأولى، مروراً بالثانية، ومن ثم الحرب الباردة، كان لبعض السفارات في العالم دور في توتير أو تخريب العلاقات البينية بين الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية المختلفة. هذا الأمر حدا ببعض المتخصصين في القانون الدبلوماسي في العالم، وتحديداً في الغرب، الدعوة إلى مراجعة قوانين ومواثيق الشرف وقواعد الأخلاق المتعلقة بعمل السفارات، وذلك من أجل ضبط الممارسات بصورةٍ أكثر، دون أن تظل في حالة انفلات وتجاوز لما هو مسموح ومباح.
4. في حال وقوع عملية تصفية خاشقجي جسدياً، فإن هذا الفعل يعتبر سابقة خطيرة جداً في حقل العمل الدبلوماسي؛ إذ أنه لا يمكن على الإطلاق أن تتحول السفارات، التي يجب أن تكون ملاذاً آمناً للجميع، إلى بؤر للتعذيب والقتل، ويتحول فيها السفير إلى مجرم. في حال تم وقوع ذلك، فإنه يتوجب على الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان التابع لها اعادة النظر في الكثير من القواعد المتعلقة بالعمل الدبلوماسي.. مثل هذا العمل ( سواءً أُعلن عن تصفية خاشقجي أم اختطافه عبر السفارة) سيهدد كثيراً حقوق المواطنة في العالم، ويجعل من اللاجئين السياسيين، وأصحاب الرأي معرضين للخطر، ليس من الدول التي يُقيمون فيها، بل من دولهم، وعبر سفاراتهم التي تؤكد أبجديات العمل الدبلوماسي على الاهتمام بهم ومساعدتهم وحمايتهم.
5. إن اختيار السعودية (في حال تم اثبات ذلك) للأراضي التركية لتنفيذ هذا العمل لم يكن مُجرداً من الأبعاد السياسية. فالصراع بين القطبين السنيين على زعامة العالم الإسلامي بادية للجميع، وهنالك الكثير من القضايا والمواقف المتناقضة بين الطرفين، والتي جعلت من العلاقة الثنائية بينهما في توترٍ وسخونة في بعض الأحيان. كذلك، فإن هنالك بعض الأطراف التي تصب الزيت على نار العلاقة بين الدولتين.
6. إن قيام السعودية (في حال اثبات فعلتها تلك) بهذا العمل سيكون له أبعاداً وخيمة على سمعتها في العالم، وقد تتخذ دولاً عديدة اجراءات بحقها، ربما تصل ذروتها إلى قطع العلاقة معها، وأدناها تأنيب سفير السعودية المقيم لديها، وغيرها من الإجراءات والقرارات المتعلقة بقطع المساعدات أو الحد منها.
7. لو حدثت هذه الواقعة في دولة عربية، أو حتى في كثير من دول الغرب، وكذلك الولايات المتحدة، لما جرى مثلما تقوم به تركيا من اهتمام بالغ، واجراءات سريعة واحترافية لمعرفة الحقيقة.. حقٌ لتركيا أن تحافظ على كرامتها وهيبتها قبل أن تحافظ على أراضيها وما يصول ويجول فيها. صحيح أن هذه الحادثة ستؤثر على تركيا، ولكن ارتداداتها ستكون خفيفة، لعواملٍ منها: أنها حدثت في سفارةٍ يتوجب عليها حماية الرعايا لا قتلهم أو خطفهم، إلى جانب ما تقوم به تركيا ورئيسها أردوغان من جهود جبارة لمعرفة حقيقة ما جرى.
8. إن الصورة التي أخذ يسوقها ولي العد السعودي محمد بن سلمان حول العالم بشأن الانفتاح السعودي داخلياً وخارجياً، وما إلى ذلك من تطوير المملكة عبر مشروع "السعودية 2030" سيلحق بها كثيراً من السواد، وأن المليارات التي انفقتها السعودية من أجل تجميل وجهها حول العالم، خلال السنتين القادمتين، لن تُؤتي أكلها المأمولة.
9. إن من شأن هذه "الفعلة" السعودية أن تضع عديد القادة والرؤساء في العالم أمام امتحان الجدية والثبات في مناصرة حقوق الإنسان؛ إذ أن هنالك العديد من قادة العالم يمجدون بالسعودية ويثمنون جهود ولي عهدها نفاقاً واستدراراً للمساعدات العينية والمادية.
10. إن السلوك السعودي الذي خرج كثيراً عن قاطرة السياسة الخارجية السعودية المعهودة سيلحق بهذه الدولة مهالك كثيرة، سواءً داخلية، أهمها التوتر والتمرد وازدياد الجماعات ذات الفكر الصدامي والمتطرف جداً، وخارجياً عبر صعوبة، أو استحالة المملكة في تمرير دعايتها أو روايتها للعالم.

الحديث في هذا الأمر يطول، وسيزداد كثافة لاحقاً، فالساعات القادمة حُبلى بالتطورات والمفاجآت. ولكن ما نود التأكيد عليه أن السعودية في "زمن ولي عهدها" تتعمق شيئاً فشيئاً في مستنقع الانفلات والتطرف، ومن ثم التفكك داخلياً، في حين أنها، خارجياً، ستفقد الكثير من داعميها، سواء أكان طوعاً أو اجباراً.. هذه المملكة التي تحتضن في ترابها أعظم البشر وأطهر الصحابة ها هي، وللأسف، تخرج عن كل ما يمت إلى سنة هذا النبي العظيم من مكارم العمل، ومحاسن الأخلاق.. إن لم يتم وضع حد لهذا المراهق السياسي المدعو محمد بن سلمان، فإن المستقبل سيكون زاخراً بمآسي لا تقوى السعودية على دفعها. في النهاية، نأمل أن يكون زميلنا الخاشقجي في عداد الأحياء لا الأموات...