الثلاثاء: 16/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مبادرة الأمين وعقبة التمكين

نشر بتاريخ: 11/10/2018 ( آخر تحديث: 11/10/2018 الساعة: 10:43 )

الكاتب: د.وليد القططي

في أول خطاب للأمين العام الثالث لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الأستاذ المجاهد زياد النخالة، بعد انتخابه أميناً عاماً للحركة، قدّم مبادرة (جسر العبور للمصالحة) بهدف الخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي، وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، والارتكاز على المقاومة كنقطة إنطلاق لمواجهة صفقة القرن. ورغم الإدراك بأن العقبة الكئود أمام مبادرة الأمين هي عقبة التمكين، إلاّ أن انعدام الإرادة السياسية للمصالحة وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة هي السبب الحقيقي للمأزق الذي يختبئ خلف مصطلح التمكين الغامض، الذي ابتكره بعض أهل الشقاق، من الضالعين بطرق الافتراق، والبارعين بأساليب تخريب الوفاق، من القابضين على جمرتي: الانقسام والانفصال.
فإذا كانت المبادرة تتحدث عن أولوية المصالحة لمصلحة الكل الفلسطيني، ومرجعية اتفاق بيروت 2017، وما سبقه من اتفاقيات المصالحة، وترى فيها مدخلاً للتهدئة ومفتاحاً لتطوير المقاومة في فلسطين، فإن مصطلح التمكين بمفهوم التمتين لحكومة الوفاق الوطني في غزة كما هو الحال في الضفة، إلى جانب الاحتلال والاستيطان يعني التمكين للاحتلال والتمتين للاستيطان. وكذلك التمكين بمفهوم توحيد السلاح تحت مسؤولية السلطة يعني نزع أهم مصادر القوة من يد الشعب الفلسطيني لصالح التمكين للاحتلال في فلسطين، والتمكين بمفهوم تسليم غزة (من الباب للمحراب) لفريق السلطة يُلغي مفهوم الشراكة السياسية والتوافق الوطني كمنهجية استندت عليها كل اتفاقيات المصالحة السابقة، ويُرسخ مبدأ الإقصاء ونهج التفرّد في الساحة الفلسطينية. ولأهمية تجاوز حالة العجز والشلل لا مفر من تجاوز عقبة التمكين لنصل إلى تطبيق مبادرة الأمين والوصول إلى بر الأمان.
البند الأول من المبادرة يعتبر "المصالحة أولوية وطنية في صراعنا مع العدو، وهي مفتاح لتجاوز الخلافات والصراعات داخل المجتمع الفلسطيني". والمصالحة المطلوبة ليست تلك التي يتم فيها التقاسم الوظيفي، أو توزيع السلطة، أو المحاصصة الحزبية، أو إدارة الانقسام؛ بل المُصالحة التي تُعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس استحقاقات مرحلة التحرر الوطني المرتكزة على نهج المقاومة الوطنية، وإستراتيجية حرب التحرير الشعبية، على أن تكون السلطة خاضعة للنظام السياسي الفلسطيني، وجزءاً منه وليست رأسه، بحيث تخدم المشروع الوطني الفلسطيني وليست عبئاً عليه، وتدعم صمود الشعب الفلسطيني وليست عائقاً أمام مقاومته. ويشير اعتبار المصالحة أولوية وطنية إلى أهميتها كمدخلٍ للوحدة الوطنية الفلسطينية، وكمطلب جوهري لمواجهة الاحتلال، وتوحيد جهود الحركة الوطنية الفلسطينية بشقيها: الوطني والإسلامي.
البند الثاني من المبادرة يعتبر "استرداد المصالحة لصالح الكل الفلسطيني فجميع الشعب الفلسطيني ضحية لهذا الخلاف". فالمصالحة ليست لصالح طرف فلسطيني دون آخر، بما أن الشعب الفلسطيني كله متضرر من الانقسام، فبالمقابل فإن الشعب الفلسطيني كله مستفيدٌ من المصالحة، سواء على مستوى الحياة اليومية، أو الحالة الوطنية، لا سيما في قطاع غزة حيث يُعاني حوالي مليونين من ابناء الشعب الفلسطيني من الحصار الإسرائيلي المتواصل، ومن عقوبات السلطة المتصاعدة، ومن عجز الإدارة في غزة. وعلى صعيد الحالة الوطنية العامة تأثرت سلبياً بفعل مأزقي أوسلو والانقسام؛ فأدت إلى تجميد المشروع الوطني الفلسطيني نتيجة للفكر السياسي العقيم الذي تجمّد عند مشروع أوسلو، وللفكر الحزبي القاصر الذي عجز عن تجاوز محطة الانقسام.
البند الثالث من المبادرة اعتبر "لقاء اللجنة التحضيرية التي التقت في بيروت بتاريخ 15 كانون الثاني 2017 ومثلت الكل الفلسطيني " هي مرجعية المصالحة، وبيان اللجنة التحضيرية المذكور أكد على المرجعيات السابقة للمصالحة الداخلية والوحدة الوطنية، ابتداءً من إعلان القاهرة عام 2005، الذي أكد على ضرورة عقد المجلس الوطني الفلسطيني بحضور القوى الفلسطينية كافة كمقدمة لإعادة بناء المنظمة وإنشاء قيادة وطنية جامعة للشعب الفلسطيني، واتفاق القاهرة الشامل للمصالحة عام 2011 الذي يشمل خمس ملفات وطنية أساسية كالمنظمة والانتخابات والأمن والمصالحة المجتمعية وغيرها، ويقوم على أساس استحقاقات مرحلة التحرر الوطني وبناء الأجهزة الأمنية على أُسس وطنية ومهنية. والتأكيد على هذه المرجعيات المتفق عليها للمصالحة يوفر أساس مرجعي يوفر الوقت والجهد ويمنع البدء كل مرة من نقطة الصفر.
البند الرابع من المبادرة المتعلّق بالتهدئة أكد على عدة نقاط أهمها؛ " أن التهدئة لن تلزمنا بعدم الدفاع عن شعبنا" فالتهدئة لا تعطي العدو صكاً مفتوحاً بممارسة عدوانه على الشعب والمقاومة وقتما شاء، بل تُرسي قواعد اشتباك تمنع العدو من العدوان وتسمح بالمقاومة برد العدوان ومعاقبة العدو إذا اعتدى. والتهدئة "لن تذهب إلى اتفاقيات سياسية مع العدو"، فهي ليست أكثر من تفاهم ميداني فرضه واقع الحصار والعقوبات المفروض على الشعب الفلسطيني في غزة هدفه فك الحصار وتخفيف المعاناة عن الشعب من أجل دعم صموده فوق أرضه وثباته في وطنه باعتباره حاضنة المقاومة وظهرها، وإضافة إلى ذلك فالتهدئة ليست مفتوحة إلى مالا نهاية فطالما العدو متمكناً في فلسطين فالصراع متواصل بموجات متتالية حتى يأتي وعد الآخرة وتبدأ حرب التحرير.
البند الخامس يؤكد على نهج المقاومة بل وتطوير طرق المقاومة كالتزام للكل الفلسطيني "أن يلتزم الجميع بتطوير سبل المقاومة بكافة أشكالها" فالمبادرة لم تُلزم الجميع بشكل واحد من المقاومة كالكفاح المسلح فقط، فجميع أشكال المقاومة مطلوبة ابتداءً من المقاومة الشعبية السلمية كمسيرات العودة في غزة والمسيرات المناهضة لجدار الفصل العنصري في الضفة، واعتصام البوابات في القدس، ونضال الفلسطينيين السلمي في الأرض المحتلة عام 1948م... وانتهاء بالمقاومة المسلحة من خلال العمليات الفدائية في الضفة وإطلاق الصواريخ من غزة. كما أن المبادرة تحدثت عن المقاومة الممكنة " وبحسب ما هو ممكن" بحيث تغير المكان والزمان والإمكانيات واعتبرت المقاومة أفضل الطرق لإسقاط صفقة القرن من أجل مواجهة ما يسمونه صفقة القرن" إيماناً بأن الشعب الفلسطيني قادر على إسقاطها كما اسقط المؤامرات لتصفية القضية.