الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاعتبار الدائم للفكر: سلامة كيلة حاضرا

نشر بتاريخ: 12/10/2018 ( آخر تحديث: 12/10/2018 الساعة: 12:11 )

الكاتب: تحسين يقين

رحمه الله المفكر سلامة كيلة..
مناضلا ومفكرا..
ترى ما الذي يمكن أن نضيفه هنا؟
سؤال كتابة وفكر ووجود ..
وهو سؤال وطني وقومي وإنساني أيضا..
ولكن لنا ما نقرأه كثيرا، والكثير ما لا نعرفه جيدا، ولا بد من القراءة المركزة، مع التفكير أيضا.
الأفكار، وتاريخها مرتبطان معا، والزمان والمكان، وكل يتطور، تلك حال دنيا الإنسان؛ لذلك سيطول ذكر سلامة كيلة كثيرا في السنوات المقبلة؛ وهو من منح فكره لوطنه بأقصى ما أمكنه، حيث كانت كتبه-أفكاره نتاجات تفكير مسؤول يتجاوز محدودية المكان والزمان، باتجاه ما هو أكثر رحابة وإنسانية.
من يقرأ سلامة كيلة، يجد كم أنفق من جهد ووفاء للفكرة الوطنية، كفكرة وقضية معا؛ حيث تميّز بالعمق، ووضوح منطلقاته الفكرية والفلسفية، جزء هام منها كانت اشتباكاته مع الكيانية الفلسطينية وحل الدولة الواحدة، ونزعم أنه كان من المؤصلين للمنظور الوطني الموضوعي والإنساني تجاه هذه المسألة، وحاز على احترام الجميع، باحثا في المسافات اليسارية والقومية، ولعل أفكار كيلة تحتاج الة ندوة فلسطينية عربية ودولية.
اجتهد سلامة، كما اجتهد ممن اطلعنا على أفكارهم، كخالد الحسن ود. نبيل شعث، وآخرين، ممن تفوقوا على الاحتلال بالفكر، ولعلها دعوة مفتوحة للقراءة للوصول إلى أين وصلوا، حتى إذا فكرنا، ندرك ما الذي سبقنا، حتى يكون بناؤنا أكثر متانة.
والمميز في تجربة سلامة كيلة هو تفرغه للفكر السياسي ووفاؤه الوطني ولليسار أيضا. وهكذا غدا علما ومرجعا في العواصم العربية، فهو حاضر فيها، من خلال قلمه..وفكره الملتزم.
نقرأ الاخبار في دقائق، والتحليلات في ساعة، لكن يطول جلوسنا مع الكتب..

"ستظل المعرفة النظرية هي الفيصل في تحديد الابداع الاجتماعي واتجاه التغيير وهو مجتمع القرن الحادي والعشرين "دانيال بل"1
اقتبست العبارة هنا، لعلها تساهم في بيان أهمية الفكر في التطوير، حتى لا نظل أسرى البلاغة الصوتية والشكلية، التي جعلتنا مشدودين إلى الوراء، مع أن هناك ما تجاوزوا الخطابية وصولا للفكر، لكن من يعرفون دور علاقة القوة في حكم المجتمعات، يميلون الى التربية الانفعالية الشعورية..
وهذا هو الفرق بين الفكر والبلاغة..التي كان من المفروض انها وسيلة تخدم المضمون جماليا، لا أن تصير هدفا..
في الأيام الأخيرة، ولعل ذلك يأتي في سياق ذكرى توقيع اتفاقية أوسلو- انتقد كثيرون تلك الاتفاقية، كأنهم يكتشفون الآن، علما أن ذلك لم يعد اكتشافا لا في السياسة والاقتصاد والتحولات الأخرى.
وكنت أود لو احتوت الانتقادات طريقا للخروج من الطريق المسدود..
أقرأ :
"يصعب تغيير الواقع بدون أفكار، ..بيد ان تغيير الواقع يعني مجاوزة وضع قائم أي status quo، وهذه المجاوزة ليست ممكنة الا اذا كان ثمة بديل عن الوضع القائم، وهذا البديل هو وضع قادم status quo .."2
أعود مساء للحديث عن الكيانية، متذكرا بعضا ما قرأته حول الحلول السياسية للوجود هنا، فأجد ان هناك متسعا للتفكير، خصوصا أن المنتصر عسكريا الآن وغدا، سيجد نفسه مشتبكا بحل قضايا البشر هنا، بعيدا عن المنظور العنصري الكولينيالي.
"هذه ستكون الحرب الرابعة. ولا يمكن أن تنتهي مثل الثالثة، التي انتهت مثل الثانية، التي انتهت مثل الأولى. سيضطرون إلى إعادة احتلال غزة. ولا أعتقد أن نتنياهو يريد مليوني عربي آخر. لا. بالحرب لا يحققون أي شيء".
هذا ما ذكره يحيى السنوار رئيس حركة حماس في القطاع، في الوقت الذي تحشد فيه إسرائيل قوات حول قطاع غزة وتلوح بعدوان جديد وواسع على القطاع.
لذلك، فإن الاحتلال القوي بكل ما تم تمكينه به ليس قويا في الحقيقة كما ينبغي لقوة تدوم، فقد بدأ بالانهزام أخلاقيا وقانونيا في حيّز فلسطين عام 1948، حيث سيتلو ذلك عنصرية البيض، وهذا يعني بذور الفناء حتى بدون حرب.
والحل؟
لا الاحتلال قوي ولا الولايات المتحدة ولا الآخرون، الكل صار يعاني اقتصاديا وثقافيا..
والحل هو بما هو أخلاقي، وهو الحل الدائم.
سخر مؤخرا الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي من يئير لبيد الذي طالب من ريال مدريد "بأن تعتذر" لاستضافتها عهد التميمي فقال:
"..الحقيقة أن عهد التميمي هي ما لم يكن مثله يئير لبيد ولن يكون مثله-محاربة شجاعة، مستعدّة لأن تدفع ثمنا غاليا، وُلِدَت وترعرعت في ظلّ الاحتلال، وتحولت لرمز النضال العادل ضدّه، مقابل الفتى الذهبي المدلّل، الفتي الذي لم يجاهد في حياته من أجل شيء ولم يحظ بقليل من الشجاعة – هذه هي الحقيقة التي تثير مئير لبيد، ومعه طائفة الخراتيت الإسرائيليين الكبيرة جدا"..
وكان قد مهّ لذلك بقوله:
"لا زال من الممكن الاعتقاد، ربّما بسذاجة زائدة، لو أن الإعلامي يئير لبيد، وليس السياسي، زار قرية النبي صالح، واطّلع بفكر مُنْفَتِحٍ وليس مُحرَّضا، على الحياة وعلى الناس هناك، على نهب أراضي القرية وعلى مظاهر الأبرتهايد المقابلة لمستوطنة حلميش، كان سيصفّق لريال مدريد على حفاوتهم وضيافتهم التي تعزز الافتخار بابنة القرية، لأنها تجرأت وتصدت للمُحْتلّ وتمكّنت منه".
بنظري هذا جزء من التفكير الملتزم، الذي ما زال محدودا في المجتمع الإسرائيلي بسبب تخويف العسكريين للإسرائيليين. وهذا البديل هو وضع قادم status quo سيزداد في إسرائيل رغم العسكر الكولينياليين والعنصريين..لن يسودوا إلى البد!

قبل يومين انطلقت في جامعة بيرزيت أعمال المؤتمر الدولي "الحد القانوني الفاصل ما بين الاحتلال والضم"، فكان مفيدا هذا الحراك الفكري والأكاديمي، في تعميق انتقائية إسرائيل للقوانين، فتختار ما يلائم الاحتلال، انسجاما مع رؤيتها أصلا لما جرى عام 1967.
تختار هذا وترفض ذلك، ولا انسجام، فكيف ستكمل إسرائيل ذلك مستقبلا؟ هي تعرف صعوبة ذلك! وهذا ما عبّر عنه رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ديمتريس كريستوفولوس ب"أن إسرائيل هي مثال عملي وتطبيقي لنظرية "كارل شميت" عن السيادة بمفهوم القرار في حالة الاستثناء، كونها تحاول في أحيان أن تستغل هوامش القانون الدولي وأن توظفه لخدمتها وفي أحيان أخرى لا تلتزم بها البتة زاعمة أنها لا تنطبق على الأراضي المحتلة".
أما الوضع القادم عندنا status quo فهو الفكر والإنسان والأخلاق، على المدى المتوسط والبعيد:
- ما هو ممكن في مجال إدارة الاقتصاد لتخفيف الفجوات، هذا بأيدينا بغض النظر عن سياسات الاحتلال.
- بث روح الأمل من خلال القدوة، بمعنى ان تكون الفضاءات الفلسطينية مهما كان تصنيفها فضاءات انتاج معرفي واقتصادي. (إبداع البقاء)
- التأكيد الفلسطيني على التضامن العربي، الذي يضمن عدم تعرض ثرواتنا للنهب...الخروج الآمن من التحالفات الدولية.
- مخاطبة العالم باللغة الفكرية العملية بالنسبة للحلول الدائمة هنا بعيدا عن العنصرية، وأنها هي مشكلة حل قضايا الحل الدائم.
- وأن يتجلى ذلك كله في منطلقاتنا الفكرية والعملية في مؤسساتنا جميعا..فالكل مفروض انه الكل الوطني حكوميا كان أو أهليا.
أقرأ:
"ثمة علاقة جدلية بين الابداع والايديولوجيا والثقافة، واذا انتفت هذه العلاقة الجدلية تحجرت الثقافة، وإذا تحجرت الثقافة تمطلقت، أي توهمت أنها مالكة للحقيقة المطلقة، ومن ثم تدخل في حوار مع الثقافات الأخرى؛ لأن عدم المطلقة يعني نسبية الثقافة، وهذه النسبية تفضي الى التسامح، والتسامح شرط الحوار. وهذا الشرط ضروري، وإن لم يكن كافيا، إذ هو في حاجة الى مجتمع ديمقراطي تعدد الآراء فيه امر مشروع".3
أخيرا ..رحم الله سلامة كيلة الذي سنحتاج جميعا الى قراءته كثيرا..

1 - من اقتباس دكتور مراد وهبة فلسفة الابداع- 2017 المجلس الأعلى
The coming of post-industrial society ,Penguin Books,1973
2، 3، كتاب فلسفة الابداع لمراد وهبة