السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نحو تغيير قواعد اللعبة مع الإحتلال الإسرائيلي

نشر بتاريخ: 14/10/2018 ( آخر تحديث: 14/10/2018 الساعة: 18:05 )

الكاتب: سامر سلامه

ألقى السيد الرئيس خطابا شاملا في إفتتاح الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في السابع والعشرين من شهر سبتمبر أيلول 2018 إستعرض خلاله الموقف الفلسطيني إتجاه كافة القضايا التي تمر بها القضية الفلسطينية، إبتداء من رفض قانون القومية العنصري، مرورا برفض ما يسمى بصفقة القرض الذي ينوي الرئيس الأمريكي ترمب إطلاقها، إنتهاء بإعادة النظر بكافة الإتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي في ظل تنكر دولة الإحتلال لتلك الإتفاقية وإستمرارها ببناء المستوطنات وتهويد القدس وتدمير الإقتصاد الفلسطيني وحصار قطاع غزه وسرقة أموال المقاصة وغيرها. 
وقد أجمع معظم المحللون السياسيون بأن الخطاب يعتبر أكثر شمولية وفيه رسائل أكثر من مهمة لإسرائيل والولايات المتحدة والعالم والداخل الفلسطيني. وبالرغم من إجماع المحللين السياسيين على أن الخطاب كان سياسيا بإمتياز إلا أنه يحمل أيضا أبعادا ودلالات إقتصادية هامة. ويمكن إستنباط هذه الدلالات والأبعاد والرؤى الإقتصادية للخطاب من خلال كلام السيد الرئيس الواضح عن إعادة النظر بكافة الإتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، أضف إلى ذلك بأن القيادة الفلسطينية لن تقبل بعد الآن بأن تكون سلطة بلا سلطة، وأن السلطة الفلسطينية لن تقبل بإستمرار الوضع الراهن كما هو. كما عرج السيد الرئيس في خطابه ومخاطبته لدول العالم على ضرورة تحمل مسؤولياتها وحماية القرارات الدولية التي تم إتخاذها في مجلس الأمن أو الجمعية العامة والتي لم تطبق إسرائيل أي قرار منها. فما هي الدلالات الإقتصادية لهذه العبارات في خطاب السيد الرئيس؟ وإلى أين تتجه البوصلة في المرحلة القادمة؟ وما هي قدراتنا كسلطة وشعب على مواجة التحديات الإقتصادية القادمة؟
أولا فيما يتعلق بإعادة النظر بالإتفاقيات الموقعة فإن السيد الرئيس كان يعني كافة الإتفاقيات بما في ذلك بروتوكول باريس الإقتصادي الذي ينظم العلاقة الإقتصادية بين حكومة الإحتلال والسلطة الوطنية الفلسطينية. فإسرائيل منذ اليوم الأول لم تنفذ بنود هذا البروتوكول ولم تلتزم به، بل عملت على صناعة مجموعة "كمبرادورية" من بعض رجال الأعمال الفلسطينيين الذين عملوا كوكلاء للتجار الإسرائيليين، الأمر الذي حال دون تمكين الجانب الفلسطيني من بناء إقتصاد مستقل أو شبه مستقل، الأمر الذي أضر بالإقتصاد الفلسطيني وجعله إقتصاداً تابعاً بالكامل لإقتصاد الإحتلال. كما أدى ذلك إلى خلق مجموعة ليست صغيرة من المنتفعين من هذه العلاقة المشوهة بين إقتصاد الإحتلال والإقتصاد الفلسطيني. ولم تكتفي السلطات الإسرائيلية بذلك بل عملت على تقويض الإقتصاد الفلسطيني وحصاره ومنعه من النمو من خلال منع الوصول إلى وإستخدام الموارد الحيوية لتعزيز الإنتاج المحلي مثل منع إلإستثمار في المناطق المصنفة "ج" والإستفادة من الموارد الكامنة في تلك المناطق. وقد تعدت الإجراءات الإسرائيلية المستهدفة للإقتصاد المحلي الفلسطيني لتشمل إستقطاب الأيدي العاملة الماهرة الفلسطينية وإغرائها بعدد من الإمتيازات المادية الأمر الذي أفقد الإقتصاد الفلسطيني من أهم مقومات نموه والمتمثل في العامل البشري، مما أدى إلى إختلال واضح في سوق العمل الفلسطيني وبالتالي كبح عملية التنمية المحلية والنمو. وإن حصار قطاع غزه أيضا يأتي ضمن نفس التوجهات والخطط الرامية إلى تدمير إقتصاد القطاع وجعله تحت رحمة سلطة الإحتلال. فكلام السيد الرئيس الواضح بأننا لن نقبل بإستمرار الوضع على ما هو عليه وبأننا لن نقبل أن نكون سلطة بلا سلطه فيه ما يكفي من الدلالات بأن القيادة الفلسطينية عازمة كل العزم على الإلتزام بقرارات المجلسين الوطني والمركزي الأخيرين بإعادة النظر ببروتوكول باريس الإقتصادي وتبني خطة إقتصادية تدرجية تقود إلى مزيد من الإستقلال للإقتصاد الفلسطيني.
أما فيما يتعلق بدعوة السيد الرئيس لدول العالم لحماية وتنفيذ القرارات التي إتخذها مجلس الأمن والجمعية العامة والتي تعد بمئات القرارات والتي لا تزال حكومة الإحتلال تتنكر لها جميعها، فإن هذا النداء يحمل في طياتها أيضا أبعادا إقتصادية. إذ تشمل بعض تلك القرارات على حق الشعب الفلسطيني في إستخدام موارده الطبيعية والبشرية المختلفة بالإضافة إلى تبني عدد من القرارات التي من شأنها إلتزام الدول المانحة بتقديم الدعم المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية لتتمكن من بناء مؤسساتها وقدراتها المختلفة بما في ذلك القدرات الإقتصادية والفنية التي تعزز الإنتاج المحلي. فإنني أعتقد أن السيد الرئيس أراد توجيه رسالة واضحة إلى الدول المانحة أو ما بات يعرف بلجنة الإرتباط الخاصة بتنسيق المساعدات للشعب الفلسطيني (AHLC) التي خفضت مساعداتها للحكومة الفلسطينية وباتت تقدم مساعدات خجولة لمنع الكارثة وليس لتحقيق النمو الإقتصادي في فلسطين. فإنني أعتقد أن السيد الرئيس يوجه رسالة لبعض دول العالم بأن سياسة المساعدات الإنتقائية تدعم إستمرار الإحتلال ولا تساعد على تحقيق السلام المنشود. وفيه أيضا دلاله واضحة على رفض هذا التواطؤ من بعض الدول مع الإحتلال والذي سيكون للقيادة والشعب الفلسطيني كلمتهم في هذا الموضوع أيضا.
فأمام هذه الدلالات الإقتصادية للخطاب، إلى أين تتجه البوصلة؟ وما هي قدراتنا كسلطة وشعب على مواجة التحديات الإقتصادية القادمة؟ إنني أعتقد أن السيد الرئيس والقيادة الفلسطينية عازمون على تغيير قواعد اللعبة مع الإحتلال الإسرائيلي وسيكون للبعد الإقتصادي دوره في هذا الموضوع. فإننا لا نستطيع أن ننكر أن إقتصادنا الفلسطيني مكبل وهش ومحاصر وتابع للإقتصاد الإسرائيلي ويمكن لإسرائيل أن تعبث به وتضغط علينا لتقديم تنازلات كما إعتدنا خلال الخمسة والعشرون سنه الماضية، وبهذا فإننا نجد أنفسنا على المدى القصير أننا نسير نحو الكارثة إلا أننا على المدى المتوسط والبعيد وإذا نجحنا في إحدات إلتفاف جماهيري على السياسات الإقتصادية الجديدة التي تناكف سياسات الإحتلال فإننا سنكتشف أننا نسير في الإتجاه الصحيح. وفي معادلة حساب الربح والخسارة فإن السؤال المطروح ماذا سنخسر وماذا سنربح؟. فإن الموضوع بحاجة ماسة إلى دراسة معمقة لميزان الربح والخسارة وربط هذا الميزان بالميزان السياسي أيضا. فأول الأسئلة العميقة التي نريد أن نطرحها على أنفسنا، هل نريد المال أم الوطن؟ وعندها ستكون الإجابة بالتأكيد الوطن. وعليه فإن الطريق ستكون أكثر وضوحا. ولكن ما هو المطلوب على مستوى القيادة والشعب؟.
فالمطلوب أولا تفعيل وتأطير ومأسسة سلاح المقاطعة لجميع البضائع التي توجد لها بدائل في السوق الفلسطيني وعدم ترك الموضوع لمزاج المستهلكين وخاصة أننا قد إختبرنا العديد من المبادرات الشعبية للمقاطعة والتي إنتهت بالفشل. كذلك من المطلوب تقنين وتأطير ومأسسة العلاقة التجارية مع إسرائيل وعدم فتح الأبواب على مصراعيها لإستيراد جميع المنتجات والخدمات من دون قيود. أضف إلى ذلك التخلي عن إسرائيل كوسيط لإستيراد المنتجات المختلفة وخاصة البترول والكهرباء وإستبدالها بالأردن ومصر. كذلك الحال فإنه مطلوب منا دعم المنتج الوطني وزيادة وعي الشعب بأهمية إستهلاك المنتجات الوطنية لما في ذلك من أهمية قصوى على الناتج المحلي الفلسطيني وخلق فرص عمل جديدة. ولا نريد أن ننسى تعزيز الإقتصاد المنزلي والريفي وتعزيز قدرة العائلات الفلسطينية على إعادة الإعتبار للإنتاج المنزلي إن لم يكن بهدف الربح أقله بهدف تحقيق الإكتفاء الذاتي، الأمر الذي سيعزز من صمود أهلنا أمام أي كبوات إقتصادية قادمة. كل ذلك وغيرها من المبادرات الخلاقة التي من شأنها تعزيز قدرات الإقتصاد الوطني الفلسطيني. وهذا يتطلب مزيدا من الإلتفاف الشعبي على القيادة والحكومة ودعم قراراتهم المستقبلية الرامية إلى دعم وتعزيز الإقتصاد الوطني لتعزيز صمود أبناء شعبنا في معركته السياسية القادمة مع الإحتلال.