الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

جبهة غزة…. تقدير موقف

نشر بتاريخ: 20/10/2018 ( آخر تحديث: 20/10/2018 الساعة: 11:22 )

الكاتب: د.سفيان ابو زايدة

لقد كان يوم امس اختبارا صعبا لجميع الاطراف. ولكل طرف منظوره الخاص وفقا لمصالحه وحساباته. شبح الانزلاق الى حرب لا احد يريدها قد زال بشكل مؤقت. مؤقت لان الامر يعتمد على ما سيحدث في الايام والاسابيع الماضية. يعتمد بالدرجة الاساسية على السلوك الاسرائيلي ومدى احداث تغيير استراتيجي في التعامل مع الحصار.في عملية تقييم لمواقف الاطراف وسلوكهم خلال الايام القليلة الماضية يمكن استنتاج التالي:

اولا: لقد اثبتت اسرائيل انها لا تريد حرب الان على غزة، بغض النظر عن السبب خلف هذا الموقف سواء كان خشية من حجم الخسائر التي ستتعرض لها، او لاسباب سياسية معنية ببقاء الوضع كما هو عليه خدمة لمصالح اليمين في ادامة الانقسام وادامة الفصل بين غزة والضفة، او كلاهما معا.
لقد انتصر التيار الداعي الى عدم الانجرار الى حرب، هذا التيار الذي يمثله رئيس الاركان ايزنغوت ويدعمه نتنياهو ويقف معه غالبية الوزراء باستثناء المناكفات الازلية بين نفتالي بينت وليبرمان الذي واجه انتقادات من الطرفين. حيث الطرف الذي يريد حرب اعتبره فقط يجيد الكلام دون افعال والطرف الاخر الذي اعتبر سلوكه في وقف تدفق المحروقات واغلاق المعابر وتقليص مسافة الصيد اجراءات لا فائدة منها وهي لا تضر حماس بقدر ما تضر عامة الناس.
استيعاب اسرائيل لصاروخ بئر السبع الذي اصاب احد المنازل اصابة مباشرة ورد الفعل المحدود نسبيا كان بمثابة الرسالة الاولى انهم لا يرغبون في الانزلاق الى مواجهة. ساعد ذلك التوضيح الذي صدر عن حماس والفصائل انه ليس لهم علاقة بهذا الصاروخ وصاروخ تل ابيب الذي سقط في البحر، ولكن الذي ساعد اكثر في عدم الانزلاق الى معركة قاسية هو نباهة وسرعة رد فعل الاسرائيلية من اصل اثيوبي ميري تماروا التي سقط الصاروخ في بيتها. تصرفها السريع خلال ثوانٍ معدودات وبالصعود للطابق الثاني وحمل اطفالاها الثلاثة والنزول للغرفة المحصنة قبل ان يسقط الصاروخ في تفس المكان الذي كان ينام به الاطفال هو الذي جنب الجيش الاسرائيلي الحرج في رد فعل قاسي، وجنب غزة معركة ليست بحاجة لها. لذلك في اسرائيل يعتبرون هذه الام هي البطلة الحقيقية التي انقضت الجميع من الانزلاق الى مواجهة لا احد يريدها ولا احد يبحث عنها.
ثانيا: حماس، ومعها بقية الفصائل، اثبتت مرة اخرى انها ما زالت قادرة على ضبط الايقاع والتحكم في مجريات الاحداث، تُصعد متى تشاء وتتراجع خطوات الى الخلف اذا كان هناك ضرورة لذلك .
الرسالة الاولى كانت من خلال التحلي بالصبر والانضباط المطلق بعدم الرد على القصف الاسرائيلي بعد اطلاق الصاروخ الذي لم يعرف حتى الان من الذي اطلقة. صحيح انه امر غير منطقي القول ان حماس تسيطر على كل شيئ وتتحكم في كل شيء ولكنها حتى الان لا تعرف من الذي اطلق هذه الصواريخ.
لكن هذا الامر لم يعد مهما، ما هو مهم انهم استطاعوا امتصاص الغضب الاسرائيلي وتفويت الفرصة من خلال استيعاب الضربات الاسرئيلية المحدودة نسبيا، على الرغم انها تسببت في استشهاد فلسطيني في شمال غزة.
لكن الامتحان الاكبر كان يوم امس الجمعة التي حشدت اسرائيل عشرات الدبابات واستدعت فرقة جولاني وكانها ستواجه جيش جرار او ان قرار الحرب قد اتخذ وبعد لحظات سيتم فتح البوابات وتبدأ عملية الاجتياح.
هذا المشهد الذي قد يرهب اكبر الجيوش ويهز عروش لم يرعب غزة وشباب غزة الذين احتشدوا بالالاف هناك في رسالة واضحة، ان حرب الاستنزاف على الطريقة الغزاوية لن تتوقف طالما مآسي غزة الانسانية تتواصل. وان المسيرات ستتواصل و عمليات الازعاج و قض مضاجعهم ستتواصل الى ان ينتهي الحصار.
مع ذلك كان هناك حرص على عدم تصعيد الامور وتوتيرها، وكان هناك حرص على ان لا تصل اعداد كبيرة من الشباب و اجتياز الحدود.
الحصيلة ان حماس والفصائل نجحت في الاختبار. لم يكن هناك شهداء، وهذه من الايام القليلة التي لم يكن هناك شهداء خلال المسيرات، صحيح كان هناك اصابات بالعشرات. لكن لوكانت الامور تسير دون حسابات و دون سيطرة لكنا الان نشيع عشرات الجثامين من الشهداء.
ثالثا: مصر التي اثبتت للمرة الالف ان لا احد في الاقليم يستطيع الاستغناء عنها وعن دورها القيادي. حيث تتمتع بثقة واحترام كافة الاطراف التي لها علاقة بالامر. لولا الجهد المصري المتواصل، المكشوف وغير المكشوف، السري والعلني، لما كانت الامور كما هي الان. لقد بذل وفد المخابرات المصرية جهودا مضنية لتجنب عدوان اسرائيلي جديد على غزة.
هذه الجهود بلا شك كانت حاضرة في نقاشات الكابينت الاسرائيلي ولعبت دورا كبيرا في اتخاذ القرار بعد الذهاب الى تصعيد واستيعاب تداعيات صاروخ بئر السبع.
والجهود المصرية كانت حاضرة في نقاشات الفصائل في غزة ولعبت دورا رئيسيا في التحلي بالصبر واستيعاب رد الفعل الاسرائيلي، وايضا لعبت دورا رئيسيا بأن يمر يوم الجمعة بسلام نسبي دون فقدان السيطرة على مجريات الاحداث.
رابعا: السلطة الوطنية الفلسطينية. للاسف الشديد، السلطة الوطنية الفلسطينية كانت غائبة تماما عما يجري وقد تم تهميش دورها بشكل شبه كامل، او هي من قررت ان تهمش دورها. هذا الامر و بشكل تراكمي يعزز من عملية الفصل بين شقي الوطن ، و يبعد المسافات بين الاطراف و الشعارات التي اصبحت فارغة من كل مضمون التي تردد صبح مساء بأنه لن تكون هناك دولة في غزة و لن تكون دولة بدون غزة اصبحت شعارات ليس لها رصيد على ارض الواقع.
دولة غزة تتعزز خطوة تلو الخطوة و دولة الضفة تغرق في بحر الاستيطان و الكانتونات، و عاصمة الدولة محاصرة وتهود و يباع عقارها الواحد تلو الاخر.
هذا امر يشكل خطورة على المشروع الوطني الفلسطيني في الانعتاق من الاحتلال و اقامة الدولة. هذا اذا كان ما زال لدينا تعريف واحد للمشروع الوطني.

[email protected]